من طرائف شراء الكتب في الجيل الماضي
كان المرحوم قاسم محمد الرجب (ت1974) من اشهر الكتبيين العراقيين في الجيل الماضي , واصبحت مكتبته (مكتبة المثنى)من اشهر مكتبات بغداد منذ تأسيسها سنة 1935 في سوق السراي. ومن الجميل ان يكتب الرجب مذكراته عن مهنته تلك بحلقات نشرها في مجلته (المكتبة) جمعت باسم (مذكراتي في سوق السراي) ونشرت بكتاب نادر المثال بما يضمه من حقائق وطرائف.. ومن ذلك:
ــ كان يتردد الى سوق السراي الكثير من العلماء والادباء والشعراء امثال جميل صدقي الزهاوي الذي كان يكتري الروايات باستمرار من نعمان الاعظمي وغيره فيدفع له اجرة عن قراءة كل مجموعة منها روبية واحدة أي ما يساوي اليوم 75 فلساً وطه الراوي الذي كان اكبر مشجع ومرغب للكتاب في جميع مجالسه الرسمية والبيتية ونوري السعيد ويوسف العطا وبهاء الدين الشيخ سعيد واسماعيل الواعظ ومحمد السماوي ومصطفى علي وغيرهم وكان اكبر زبون للسوق وللكتاب هو عباس العزاوي المحامي، فكان يتردد الى السوق اربع مرات او اكثر في كل يوم فلا يفوته كتاب مطبوع ام مخطوط ويصحبه اخوه علي غالب العزاوي المحامي، وكان رجلاً ذكياً مهذباً وكان عباس يستشيره عند كل صفقة يقع عليها اختياره، واذا ما وقع كتاب خطي ولم يشتره العزاوي فانه يبقى سنوات دون ان يباع اذ لم يكن هناك يومذاك من يتسوق الكتاب.
موا..فق
حتى ظهرت مكتبة المتحف العراقي في بغداد وقد شاهدتها سنة 1935 فكانت عبارة عن دولاب صغير فيه بعض الاجزاء من كتب باللغة العربية والانجليزية لا تزيد على مائة مجلد فلما عين كوركيس عواد فيها ملاحظاً اهتم بتنميتها واخذ يشتري اليها كل ما يتمكن من الحصول عليه من المصادر والكتب النادرة بمختلف اللغات وكان مدير الاثار العامة ساطع الحصري فبذل مجهوداً كبيراً وعزز رغبة كوركيس عواد، فتظافرت الجهود فنمت المكتبة حتى اصبحت الان اكبر وانظم مكتبة في العراق وكان ساطع الحصري يفاصل عند شراء الكتب من أي كان فاذكر مرة انني عرضت عليه كتاب اسمه (نزهة الزمن في تاريخ اليمن) للحجة الحسن طبعة هامبورغ وكان قليل الصفحات وثمنه مرتفعاً جداً فطلب مني تنزيل ثمنه وارسل لي مذكرة كتب عليها بخطه (موا...) ولم يتم الكلمة، وبما انني اعرف بانه اذا لم يشتر هذا الكتاب من قبل مكتبة المتحف فانه سوف يبور ولا يتصرف تنازلت عن ذلك السعر فاكمل الحصري بعد ذلك كلمة (موافق).. وكان مدير المتحف عبد الرزاق لطفي وهو لا يقل عن ساطع بما قام به من خدمات لهذه المكتبة وهي تنظيم وتنسيق واهتمام بما تحتاجه من كافة متطلباتها.
ــ وكان من عملاء سوق السراي ولا سيما عملاء نعمان الاعظمي زبون من اكابر شيوخ العمارة ونائب في مجلس الامة هو الشيخ فالح الصيهود وكان عند انعقاد دورة المجلس يسكن بغداد ويتردد على السوق فيطلب من عندنا كل الكتب التي تبحث في الامور الحسنة كالقصص والملح والمناظرات مثل رجوع الشيخ الى صباه والايضاح في علم النكاح واخبار النساء لابن الجوزية ومحاضرات الادباء للراغب الاصبهاني وزهر الربيع وغير ذلك من الكتب وكان يقتني الكتب دون مساومة وربما دفع ثمن الكتاب مضاعفاً باختياره، فمثلاً كتاب عيون الاخبار لابن قتيبة يتكون من اربعة مجلدات وفي المجلد الرابع منه كتاب خاص بالنساء ولذا فانه يشتري الكتاب كاملاً ويدفع ثمنه، الا انه يترك المجلدات الاخرى ويكتفي بالرابع.
واذكر ان عبد الستار القره غولي رحمه الله كان يحتفظ في مكتبه بنسخة مخطوطة من كتاب رشف الزلال من السحر الحلال للسيوطي، وهو يتالف من عشرين مقامة كتبت على لسان عشرين علماً دخلوا على زوجاتهم في عيد الفطر، فوصف كل واحد منهم ما بان له من ذلك حسب علمه وعمله وفنه فقدمه الى نعمان الاعظمي الذي استنسخ منه نسخة اعطاها الى القره غولي وباع الاصل للشيخ فالح الصيهود وعرض القره غولي النسخة التي اخذها الى احد كبار الضباط هو عبد المطلب الامين، فاعطاها الى صبري الخطاط الذي نسخ بخطه الجميل منها نسختين اعطاني احداها وما زلت احتفظ بها الى يومنا هذا.
المصدر: المدى
731 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع