بداية الصلات بين نوري السعيد والامير عبد الاله
عقد الاميرعبدالإله قرانه على ملك فيضي كريمة صلاح الدين فيضي وهي فتاة صغيرة, جميلة, عصرية التربية, على حد وصف سندرسن لها, وتلقى بتلك المناسبة برقية تهنئة من الملك غازي وزوجته الملكة عالية لكن تلك الزيجة كان نصيبها الفشل, والانفصال بالطلاق, الذي لم نجد له تاريخاً محدداً.
لكننا نرجح انه حصل في النصف الثاني من عام 1940 إذ أشارت وثيقة عراقية رسمية,
إلى أن ملك كانت قد زارت عائلتها في الاسكندرية, وعادت إلى العراق في السابع والعشرين من يناير 1940. كما ان سندرسن يؤكد في مذكراته انه اشترك, بتكليف من الأمير عبدالإله, في مسألة طلاق ملك, اذ قام باستدعائها هاتفياً من مصيف سرسنك في شمال العراق, حيث كانت تمضي الصيف مع الملك فيصل الثاني, وسيدات العائلة المالكة. لقد كان هناك أسباب كثيرة وراء هذا الانفصال, منها عدم انسجام ملك مع والدة الأمير عبدالإله الملكة نفيسة, بسبب تفتحها, وانطلاقها, مما كان لا يتناسب وحشمة البيت الهاشمي, فضلاً عن تصرفات ملك الصبيانية في حين تشير وثيقة امريكية الى ان سبب الطلاق يعود الى (مزاج الأمير العصبي) لكن على ما يبدو ان السبب الأهم, كان طلب العائلة الملح من ملك الانجاب من دون ان تعلم ان الأمير عبدالإله (كان عقيماً).
في الثالث من نوفمبر ,1948 اعلنت رئاسة التشريفات الملكية عن خطوبة الأمير عبدالإله, على المصرية فائزة كمال الطرابلسي في القاهرة. ومما تجدر الاشارة اليه, انه بعد مرور وقت قصير على زواج الأمير الأول وعودته الى العراق, وقع انقلاب بكر صدقي. فوجئت وزارة ياسين الهاشمي, في التاسع والعشرين من اكتوبر عام 1936 بانقلاب عسكري, الذي اسفر عن استقالتها, ومجيء وزارة جديدة برئاسة حكمت سليمان. لقد بدا الأمير عبدالإله أشد حنقاً على القائمين بالانقلاب, الذين شددوا من اجراءاتهم ضده, وقيدوا حركته.
اذ يروي طه الهاشمي في مذكراته قائلاً: (منعت حكومة الانقلاب الأمير عبدالإله من قبول الزائرين, وأقامت شرطياً على داره, وضغطت عليه لتزويج اخته من محمد علي جواد) في حين يؤكد عبد الرزاق الحسني ان عبدالإله كان حاقداً على بكر صدقي, الذي اعرب عن رغبته في الزواج من احدى شقيقات الامير, ولم تكن تقر ذلك التقاليد الهاشمية وفي الوقت الذي ينفي اللواء المتقاعد فؤاد عارف, مرافق الملك غازي, صحة تلك الرواية لفارق السن الكبير بين بكر صدقي وشقيقات الأمير, يبدو ان السبب الأهم لتلك الخطوة, اذا ما صحت, رغبة بكر صدقي بتوثيق أواصر علاقته بالعائلة المالكة عن طريق المصاهرة. وبعد الانقلاب غادر الأمير عبدالإله بغداد الى مصر, ربما لخشيته من عواقب بقائه في العراق, ولا سيما ان عهد حكومة الانقلاب شهد حوادث واغتيالات واسعة, وكثر فيه الارهاب,
لقد وفر وجود نوري السعيد, في مصر, بعد انقلاب بكر صدقي, فرصة لتوثيق علاقته مع الأمير عبدالإله فكان ذلك أول تماس مباشر بين الرجلين, سيترك اثره في علاقاتهما مستقبلاً فقد أخذ الأمير عبدالإله يشكو الى نوري السعيد, من تلك المعاملة, ويجتمع به تارة في الاسكندرية, وتارة في القاهرة ويبدو انه كان لمعرفة نوري السعيد بالمداولات التي جرت في وزارة الخارجية البريطانية قبل انقلاب بكر صدقي, والتي تم خلالها مناقشة موضوع الأمير عبدالإله, كأحد المرشحين لعرش العراق, دورها في تركيز اهتمام نوري السعيد بعبدالإله, لذلك كرس نوري السعيد, جل وقته في القاهرة, للإطاحة بنظام الانقلاب, الذي كان يستند برأيه على ركيزتين اساسيتين هما الملك وبكر صدقي, فإذا اختفى أحدهما, أخذت الأمور منحى آخر, فكتب بهذا الصدد رسالة الى معزز برتو, يقول: (اذا ذهب الملك فإن عبدالإله, الذي سيتولى الوصاية, ليس من المحتمل ان يسير مع بكر, في وقت من الأوقات وسوف تنتهي أعمال هذه العصابة). وهذا يعني ان نوري السعيد كان يتمنى زوال الملك, وتولي عبدالإله الوصاية, لذا تفاهم مع الأمير عبدالإله, بعد ان حدد الأخير موقفه في السياسة العراقية, بما ينسجم وموقف نوري السعيد, ولعل نوري الذي خبر الأمير عبدالإله وراقبه عن كثب في القاهرة, ادرك ما يجول في ذهنه من طموح بعيد, فاستطاع نوري بما عرف عنه من حنكة سياسية, ان يحرك طموحه باتجاه الحصول على مركز مهم في العراق, في المستقبل القريب. ومهما يكن من امر, ظل الامير عبدالإله, في مصر مدة من الزمن, وخلال اقامته تلك اصدرت وزارة الخارجية امراً بتعيينه ملحقاً في السفارة العراقية في برلين وبهذا يكون الأمير عبدالإله, وقت اغتيال بكر صدقي في الحادي عشر من اغسطس ,1937 موجوداً في برلين وليس في بغداد, او في كلية فكتوريا بهدف الدراسة, على حد رواية خيري العمري ونستدل على ذلك من البرقية التي كان قد بعث بها الأمير عبدالإله, الى الملك غازي من برلين في الثالث عشر من اغسطس ,1937 اي بعد اغتيال بكر صدقي بيومين, جاء فيها ما نصه: (الجميع في الصحة, افكارنا عندكم, طمنونا). فضل الامير عبدالإله العودة الى بغداد والاستقرار فيها, ولم يعد ثانية الى برلين, بعد زوال حكم الانقلاب, لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في حياته تمثلت ببداية بروزه على المسرح السياسي فبعد ان تمكن نوري السعيد من العودة الى العراق في الخامس والعشرين من اكتوبر 1937 باشر في الحال, نشاطه ضد وزارة المدفعي الرابعة وقد تبين من الرسائل السرية التي عثرت عليها الوزارة القائمة في يونيو 1938 ان نوري السعيد اخذ يسعى من بيروت, وبواسطة ناصر الگيلاني, الذي اخذ يتردد بين بغداد وبيروت, لترويج المطالبة بترشيح الأمير عبدالإله لرئاسة الوزارة, وقد وجدت مع تلك الرسائل بطاقتان كاريكاتوريتان ضد الوزارة القائمة, وقصاصات من جريدة (الحديث) البيروتية تتضمن مقالاً تحت عنوان: (هل يؤلف نجل الملك علي وزارة وطنية كبرى في العراق؟), جاء فيه:
(ان الشعب العراقي بصراخه وصمته, بحركاته وسكناته, يستغيث اليوم مطالباً بحكومة وطنية, شعبية, مثقفة, فحق على الاحرار من أبنائه ان ينجدوه) لذلك (تتجه الانظار في كثير من الاوساط العراقية الى سمو الأمير عبدالإله بن الملك علي, في تأليف وزارة وطنية كبرى, تأخذ على عاتقها, تصفية المشاكل الداخلية, بالمرونة, والحزم وتضع الأسس اللازمة لنهضة شاملة, يحميها دستور معدل, وقوانين كافلة, لاعلاء كلمة الشعب, وجل ما نتمناه ان يشرق فجر السلام والرفاه على ربوع الرافدين, فقد كفى ما عانته).
من جانب آخر ساعد سوء العلاقة بين الملك غازي, ونوري السعيد, على تقوية اواصر العلاقة بين الاخير وضباط الكتلة القومية في الجيش, الذين كانوا اصلاً غير راضين عن دعم الملك, لرئيس وزرائه جميل المدفعي وفي الوقت ذاته, بدأت تلك الصلات تعزز ايضاً, بين ضباط الكتلة القومية والأمير عبدالإله, الذي سعى من جانبه الى التقرب اليهم, والاشادة بمواقفهم, والثناء عليهم فعندما حضر العقيد صلاح الدين الصباغ بصفته معاوناً لرئيس اركان الجيش, لتهنئة الأمير عبدالإله, بمناسبة عيد الفطر عام ,1938 خاطبه الأمير عبدالإله قائلاً: (بارك الله بكم يا اخواني انكم في طليعة العرب المخلصين وانتم الذين انقذتم البلاد من شرور بكر صدقي واعوانه) وبفضل ضغط قادة الكتلة القومية في الجيش, سقطت وزارة جميل المدفعي الرابعة, ليؤلف نوري السعيد بدعم منهم وزارته الثالثة, في الخامس والعشرين من ديسمبر ,1938 لتبدأ صفحة اخرى في العلاقة بين نوري السعيد والأمير عبدالإله فهل (كانت هناك ثمة جذور للتفاهم بين الاثنين؟) على الارجح كانت قضية حلمي عبدالكريم فاتحة لها.
قضية حلمي عبدالكريم
سعى نوري السعيد بعد تأليف وزارته الثالثة الى العمل على تصفية خصومه, فأحال اولاً مجموعة من كبار الضباط على التقاعد بدعوى مؤازرتهم للوزارة المدفعية السابقة, ثم التفت الى حكمت سليمان وبقية انصار بكر صدقي, لتصفية الحساب معهم, ففي السادس من مارس ,1939 استمع الشعب العراقي الى بيان مفصل عن احباط السلطات المختصة لـ (مؤامرة) خطط لها واشترك فيها (فئة من عبيد الشهوات والمطامع وعمال الفوضى) الذين (قاموا على قلتهم, وضعف تقديرهم لمغبة اعمالهم) بخداع نفر من الضباط من اجل (تجديد المآسي السالفة) وقد فاتهم (ان الجيش الذي يشعر بمجموعه بواجب الاخلاص والتضحية نحو قائده الأعلى وسلامة الوطن, لابد ان يبرأ من المفسدين). لقد كان سبب الاتهام هذه المرة هو العمل على قلب نظام الحكم والمجيء بالأمير عبدالإله وتنصيبه ملكاً بدلاً من الملك غازي, والقيام بحملة اغتيالات تستهدف عدداً من السياسيين بضمنهم رئيس وأعضاء الوزارة الحالية وقادة الكتلة القومية في الجيش وبحجة الحفاظ على سلامة أمن الدولة سارعت الجهات المختصة الى اعتقال المتهمين في تلك القضية, وفي مقدمتهم حكمت سليمان, وعدد من انصاره, منهم العقيد صالح صائب الجبوري, والرئيس (النقيب) البيطري حلمي عبدالكريم, والرئيس (النقيب) عبدالهادي كامل, والرؤساء (النقباء) المتقاعدون جواد حسين (الطيار) وعلي غالب عريان (الأعرج) واسماعيل العباوي ويونس العباوي وزجت بهم في السجن, تمهيداً لمحاكمتهم, وشكلت لهذا الغرض مجلساً عرفياً عسكرياً, برئاسة العقيد عبدالعزيز ياملكي. ان الذي يهمنا هو دور الامير عبدالإله في تطور القضية, ولا سيما ان الاحكام التي صدرت في نهاية المحكمة استندت بالدرجة الأساس,الى شهادته التي ادلى بها امام المجلس العرفي العسكري. لقد كان حلمي عبدالكريم يعلم بالمؤامرة المدبرة لاغتيال الملك غازي قبل وقوعها بما يقرب من الشهرين وقد اتصل بالملك لتحذيره, الأمر الذي اكده طه الهاشمي في مذكراته لكن الملك لم يكترث للأمر, ولم يوله ما يستحقه من متابعة واهتمام لدرء الخطر عن نفسه, فلجأ حلمي عبدالكريم الى الأمير عبدالإله يستعين به للمحافظة على حياة ابن عمه, فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار وقد تحدث الأمير عبدالإله عن تفاصيل ذلك اللقاء قائلاً: (جاءني عبدالهادي كامل ذات يوم وطلب ان يكلمني فلما اختليت به قال: ان ضابطاً يريد مقابلتي فإذا به حلمي عبدالكريم, وقد ذكر لي ان بعض الضباط يريدون القيام بمؤامرة ضد الوطن , وان الواجب ساقه الى اخباري بذلك, فطلبت اليه ان يذكر لي اسماء هؤلاء الضباط, فلم يذكر اسم اي احد, على الرغم من الحاحي عليه فسألته, وكيف استطيع الوثوق بأناس لا أعرف أسماءهم؟ فجاءني بعد مدة بقائمة تضم بعض الاسماء, فذهبت بها الى عمي الأمير زيد, في الوزيرية وأطلعته عليها, وبعد أيام جاءني العقيد محمود سلمان, مرسلاً من قبل وزير الدفاع طه الهاشمي, وسألني عما قلت لعمي, فأدركت ان عمي قد افشى السر, وما لبثت ان دعيت الى الحضور امام المجلس العرفي العسكري, فاستأذنت الملك غازي وحضرت امامه, قصصت على اعضائه القصة كما وقعت).
اما العقيد عبدالعزيز ياملكي, رئيس المجلس العرفي العسكري, فقد ذكر: ان حلمي عبدالكريم اتصل بالأمير عبدالإله بعد ان توسط عبدالهادي كامل للتعارف بينهما, وقد تكررت اجتماعاتهما عشر مرات, بين خلالها حلمي للأمير عبدالإله عدم مشروعية الحكومة الحاضرة ووجوب التخلص منها ويقترح لنجاح هذه المؤامرة تنفيذ الخطة التي وضعها والتي تنص على ان يقيم الامير مأدبة يدعو اليها اركان الوزارة القائمة مع بقية الضباط حيث يتم الاجهاز عليهم جميعاً هناك. لكن الأمير عبدالإله ذكر له بأن داره الحالية لا تساعد على مثل هذه الدعوة, واقترح ان تكون الحفلة في داره الجديدة. وقد اخذ حلمي خارطة الدار الجديدة لدرسها مع اصحابه وقد بقيت معه يومين كاملين ولم يكتف بمطالعة المخطط بل ذهب بذاته وكشف على مشتملات القصر الجديد, ثم بين حلمي للأمير عبدالإله بأنه سيذهب الى كركوك والموصل لاستكمال الترتيبات المتعلقة بهذه المؤامرة فسرب الأمير عبدالإله اتصال حلمي الى المراجع المختصة, التي اوصت باستمرار الامير عبدالإله على ادامة صلته بحلمي لمعرفة ماذا بجعبته فاستمر الامير عبدالإله يخادع البيطري حلمي عشرين يوماً) (على زعم) واستناداً الى الادلة والقرائن التي تجمعت لدى السلطات المختصة ألقي القبض على المتهمين وسيقوا الى المجلس لاجراء محاكمتهم عن التهمة الموجهة اليهم. أدلى الأمير عبدالإله بشهادته امام المجلس العرفي العسكري يوم السابع من مارس 1939 من دون اداء اليمين القانونية ويذكر صلاح الدين الصباغ ان الأمير ذكر في شهادته ان حلمي عبدالكريم عرض عليه الاشتراك في المؤامرة, واطلعه على اسماء بعض المتآمرين, لكنه اعتذر عن كتابة اسمائهم بخط يده, فدون الامير قائمة بأسماء أكثر من عشرين ضابطاً من رتب مختلفة, وسلمها للسلطات المختصة ثم استمع المجلس لبقية الشهود ومنهم العقيد محمود سلمان الذي جاءت شهادته مطابقة تماماً لأقوال الامير عبدالإله ولدى التأمل بعد التدقيق والمذاكرة ثبت للمجلس انه دبرت (مؤامرة) خفية مركزها بغداد من اكثرية المتهمين لقلب الحكومة الحاضرة, واغتيال عدد من المسئولين من مدنيين وعسكريين عن طريق اقامة وليمة في قصر الأمير عبدالإله, وعليه قرر المجلس في السادس عشر من مارس 1939 الحكم بالاعدام على كل من حكمت سليمان وحلمي عبدالكريم وجواد حسين والشقيقين اسماعيل ويونس العباوي, وبالسجن ولمدد مختلفة على عدد آخر منهم. اثار موضوع الاحكام ردود فعل واسعة, وعلى مختلف الصعد, فقد اعترض وزيرا الداخلية ناجي شوكت, والعدلية محمود صبحي الدفتري على قرارات المجلس العرفي, مما اثر بدرجات متفاوتة على مواقف الوزراء الآخرين ومن خارج مجلس الوزراء طالب العديد من الساسة امثال الشيخ محمد رضا الشبيبي وجميل المدفعي وعلي جودة الايوبي وابراهيم كمال باعادة النظر في هذه القرارات التي لم تحظ ايضاً بارتياح البريطانيين, لا سيما ما كان يتصل منها بحكمت سليمان, مما دفع بالسفير البريطاني موريس بترسون الى التدخل في الموضوع شخصياً, فضلاً عن مساعد المستر لويد رئيس جمعية التمور العراقية في هذا الخصوص. ونتيجة هذه الجهود ابدل حكم الاعدام بالسجن مدداً مختلفة للجميع عدا الضابط حلمي عبدالكريم الذي استقر الرأي على تنفيذ حكم الاعدام فيه, ولكن سرعان ما صدرت ارادة ملكية باحلال السجن المؤبد محل عقوبة الاعدام وفي هذا الصدد ذكر وزير العدلية محمود صبحي الدفتري في حديث له مع عبدالرزاق الحسني(وصلت اليّ الاوراق المختصة باعدام الضابط حلمي عبدالكريم , فتذكرت ان هذا الضابط لم يشهد احداً ضده سوى الأمير عبدالإله, وان اعدامه سيعرض حياة الأمير للخطر, فأقنعت الجهات المختصة بوجوب تبديل عقوبة الاعدام الى السجن المؤبد) في حين يشير السفير البريطاني في بغداد, الى ان تخفيف حكم الاعدام بحق حلمي عبدالكريم جاء بمناسبة عيد ميلاد الملك غازي المصادف في الحادي والعشرين من مارس 1939 وتؤيد السيدة نوار حلمي عبدالكريم هذا الرأي الى حد ما, فتنسب تخفيف الحكم الصادر بحق والدها الى الملك غازي نفسه. ان تلك القضية كانت وما زالت مثار شك وجدل لدى دارسي تاريخ العراق المعاصر ويبدو ان دوافع ذلك الشك تعود الى:
اولاً: فقدان ملف القضية, الأمر الذي ادى الى اختفاء الكثير من ملابسات القضية موضوع البحث وفي هذا الصدد يقول عبدالرزاق الحسني: عندما اطلع الامير عبدالإله على الطبعة الأولى من كتاب (تاريخ الوزارات العراقية) استدعى مؤلف الكتاب الى البلاط الملكي في العشرين من فبراير 1954 وعاتبه بحضور رئيس الديوان الملكي احمد مختار بابان,على زج اسمه في موضوع المؤامرة المزعومة , فلما اوضح المؤلف للأمير عبدالإله ان ذلك مما جاء في قرار المجلس العرفي, ذكر الأمير للمؤلف معلوماته بهذا الخصوص, ثم قال له:
عليك ان تسأل رئيس المحكمة عن مصير أوراق القضية.
ويتابع الحسني قائلاً: (وقد سألنا العقيد عبدالعزيز ياملكي, عما يقوله الأمير عبدالإله فأجابنا قائلاً: ان أوراق الدعوى تحوي (2053) صفحة وقد اخذها اسماعيل نامق الى نوري باشا ولم تعد الينا) في حين يذكر محمود الدرة نقلاً عن عبدالعزيز ياملكي ايضاً: (ان قرار الحكم وملف القضية قد فقدا بالنظر للاختلاطات التي لازمت الموضوع برمته). ويفهم من كتاب المشاور العدلي في وزارة الدفاع الموجه الى المدعي العام بوزارة العدلية في الثامن عشر من مارس , 1939 ان ملف القضية كان قد سلم الى الأمير عبدالإله, ولم يعثر عليه اثناء جرد ممتلكاته بعد ثورة الرابع عشر من يوليو 1958 كما جاء في كتاب مديرية الاستخبارات الموجه الى المستشار العدلي في وزارة الدفاع في الرابع عشر من مارس 1959.
من كتاب ( الامير عبد الاله 1939-1958:دراسة تاريخية..سياسية)
عبد الهادي كريم الخماسي
718 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع