محطات في حياة جعفر ابو التمن..الشخصية الوطنية الخالدة
تعتبر شخصية جعفر ابو التمن من ابرز الشخصيات الوطنية العراقية إن لم تكن أبرزها ، حيث كان لها حضورها المتميز ودورها الفاعل على الساحتين السياسية والأجتماعية خلال النصف الأول من القرن الماضي .
ومع أنها حظيت ببعض الدراسات التاريخية السياسية وتناولتها بالأهتمام كثير من الصحف والمجلات في مناسبات مختلفة ، ألا أننا ونحن الآن في غمرة ماتواجه بلادنا من اخطار ومايعانيه شعبنا من مشكلات وأزمات تهدد تماسك وحدته وأمنه وأستقراره ،
فأن الحاجة تبرز ماسة في هذه الأيام الى إستذكار شخصياتنا الوطنية وتسليط الأضواء على أهم ما تميزت به والأستلهام من مواقفها والأقتداء بها على وفق ماتقتضيه مصلحة بلادنا.
وهنا تبرز شخصية المرحوم الحاج محمد جعفر ابو التمن التي تميزت بالشعور العالي المخلص بالمسؤولية الوطنية وبتساميها فوق النزاعات والأهواء والتعصب ، معتزة وحريصة على هوية المواطنة العراقية باعتبارها الهوية الأساسية التي تصون البلاد وتحفظ حقوق جميع المواطنين بعدالة ومساواة مهما كانت إنتماءاتهم وطوائفهم وقد قدر له الشعب مواقفه طيلة حياته وبعدها ، ويمكن ان يدل ذلك بما القي من شعر ونثر خلال الحفل الأربعيني لوفاته من غرر الأدب العربي والذي لم يكن بروعته أي حفل تأبيي لأي زعيم سياسي عراقي قبله او بعده حتى الآن ، كما ان موكب تشييع جنازته من بغداد الى النجف كان حافلا جد اً تستقبله الجماهير في جميع المدن والنواحي والقرى التي مر بها بكل حزن وأسف وتقدير وهو مالم يحصل لغيره.
ليس هدف هذه الكتابة تقديم عرض وافٍ لسيرة فقيدنا الراحل – أبو التمن ‐ ومواقفه في جميع مراحلها . بل هو استذكار لأهم محطات مواقفه لما تتضمنه من معان ومواقف جديرة بالأعتبار والتقدير.
لعل من المناسب أن أبين بأختصار الحالة العامة للبلاد في الفترة التي عاشها الفقيد وتأثر بها وتمثلت في خسارة الدولة العثمانية الحرب 1918 ) وإنتصار جبهة دول الحلفاء وبضمنهم ‐ العالمية الأولى ( 1914 بريطانية ، وقد أدى ذلك– كما هو معلوم – الى إنسلاخ العراق عنها وإنهاء سيطرتها عليه وحكمها له بعد عدة قرون من الزمن لتحل محلها السيطرة البريطانية. ومنذ ذلك الوقت بدأت مطالبة العراقيين بالأستقلال ومقاومتهم للسيطرة الأجنبية بمختلف الأساليب والمستويات ...
رجال دين وعشائر وأبناء المدن من مثقفين وغيرهم وأعتمدوا الأساليب السلمية في ذلك أولا ، ولما لم يجدوا في ذلك مايحقق طموحاتهم في التحرر والأستقلال التام ، فقد تبلورت آراؤهم ومواقفهم بالثورة على تلك السيطرة الاجنبية ، فقامت ثورة العشرين الخالدة 30 حزيران 1920 المعروفة التي انطلقت من الفرات الاوسط لتعم بعد ذالك كثيرا من انحاء العراق.
لقد دامت تلك الثورة الخالدة عدة اشهر فقط و قد حظيت بتأييد واسع من معظم شرائح المجتمع العراقي و حققت بعض النجاحات الميدانية و أقامت ادارات محلية و وطنية في الاراضي المحررة و اصدرت صحيفة تنطق بأسمها في النجف الاشرف الا ان الثورة اخفقت عسكريا لعدة اسباب يأتي في مقدمتها عدم تكافؤ القوى العسكرية و المالية و التنظيمية بين قوى الجانبين العراقي والبريطاني ، ومع ذلك فأنها اوقعت في الجانب العسكري البريطاني خسائر غير قليلة بالاضافة لما اثارته من قلق لدى المسؤولين البريطانين على المصالح البريطانية التي جاءوا من أجلها الى العراق. وهذا ما حملهم على التفكير بطريقة اخرى لحكم العراق على غير ما كان في أذهانهم من أسلوب حكم له بإعتباره مستعمرة من مستعمراتهم العديدة في ذلك الزمن . وقد توصلوا أخيرا الى ما يضمن مصالحهم بتأسيس دولة عراقية و يرأسها ملك عربي و تديرها حكومة عراقية تكون موالية للسياسة البرطانية و مرتبطة بها بمعاهدة تضمن ذلك .
بروز شخصية ابو التمن كان من الطبيعي أن تفرز هذه الاحداث و تبرز من خلالها شخصيات وطنية متنوعة و بمختلف المستويات و المجالات... رجال دين و عشائر ومثقفين و رجال أعمال و شرائح أخرى في المجتمع فكان من الشخصيات التي برزت و تميزت هي شخصية هذا الموضوع وهو المرحوم الحاج محمد جعفرأبو التمن ،الذي اخذت شخصيته تتألق يوما بعد يوم و بموقف حصيف جرئ إثر آخر وتحظى بتأييد المواطنين و اعجابهم و ثقتهم ، لاسيما و أنه قد كانت له و لأسرته مواقف جديرة بالتقدير منذ اواخر العهد العثماني في مواجهة القوات العسكرية البريطانية منذ بدء احتلالها للعراق.
لم يتميز ابو التمن بشدة مقاومته للسلطات البريطانية المحتلة فحسب بل تميز ايضا بما كان يدعو اليه و يعمل جاهدا من أجله وهو ترسيخ الوحدة الوطنية من اجل نظام ديموقراطي و دستوري الى جانب القيام باصلاح شامل للبلاد يحقق الحلول لمشاكلها و يدفع بها الى التقدم و هنا ارى من المناسب أن أقدم موجزا عن نشأة فقيدنا و ثقافته ومركزه الاجتماعي تمهيدا لما سأبينه عن اهم محطات مسيرته التي تميزت خلالها مواقفه كمواطن مخلص و متنور و رجل دولة مدرك لمسؤولياته الوطنية تجاه جميع أبناء الوطن دون تمييز...
انه الحاج محمد جعفر بن الحاج محمد حسن بن الحاج داود ابو التمن ولد في بغداد عام 1881 م من اسرة عراقية عربية من أسر بغداد القديمة المعروفة ونشأ في كنف جده الحاج داود الذي كان من كبار التجار و متميزا بتدينه و اشتهر بين جماعته و محلته بالغنى و لتقوى وحب الخير. بدأ جعفر ابو التمن تعليمه في الكتاتيب ثم درس اللغة العربية على ايدي معلمين خصوصين و اعتمد على نفسه بعد ذلك في اكتساب الثقافة و المعرفة بمطالعته لمختلف أنواع الكتب العربية و الدينية والتاريخية و الحديثة في شتى مجالات المعرفة المتوفرة انذاك فنشأ ذو ثقافة عربية دينية متسامحة و متنورة و أصبح وهو في سن الشباب يتمتع بمركز خاص في الحياة الاجتماعية و الثقافية وبطراز تفكيره التجددي في كثير من القضايا الاجتماعية و الدينية و يوجه الانتقادات لكثير من أوضاع المجتمع العراقي وطرق حياته أنذاك .
المحطة الاولى
ابو التمن رائدٌ و عاملٌ من اجل الثقافة و التعليم و التجديد تشكل هذه المحطة بداية فعالياته في مجال الشؤون العامة منذ مطلع شبابه حيث بدأ نشاطه في اواخر العهد العثماني فقد رأى بنظرته الثاقبة التحررية وملامسته للوقائع العملية في الحياة ، ضرورة اشاعة روح التجديد في المجتمع والتصدي لمشاكله الناجمة عن تخلفه الثقافي والاجتماعي وفي مقدمتها الامية المتفشية انذاك لضآلة عدد المدارس الموجودة من جهة و لعدم التوجه اليها من قبل المواطنين من جهة اخرى .
فبدأ يسعى مع مجموعة من الاشخاص و في مقدمتهم جده الحاج داود أبو التمن وعمه الحاج سلمان أبو التمن لتأسيس مراكز لمكافحة الامية في بغداد و مدرسة لتكون على وفق المناهج الحديثة متضمنة تعليم اللغات الاجنبية والعلوم الطبيعة و المالية و تطبيقاتها في مسك السجلات الحسابية و اجراء المراسلات التجارية.
لقد وجد فرصته في الانقلاب الذي قام به حزب الاتحاد و الترقي العثماني و اعلان الدستور سنة 1908 و ماحصل من بعض التبدل في النظرة الطائفية السلبية للحكومة العثمانية نحو الشيعة وتعليمهم في العراق ، اذ لم يكن يسمح لابنائهم في القبول في المدارس الحربية والمعاهد العالية ، كما لم يكن يسمح لهم أيضاً بتقلد وظائف الدولة إلا بدرجة محدودة ، وهذا مالم يكن يشجع أبناء الطائفة الجعفرية على الأنتساب الى المدارس الحكومية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن أكثرية المراجع الدينية لم تكن تشجع هي أيضا الأنتساب الى هذه المدارس ، بل كان بعضها يحرم ذلك بأعتبار المدارس الحكومية مَفسدة للدين و الاخلاق . وفي ظل هذه الاجواء و الاعتبارات لم يكن سهلا على ابي التمن و جماعته اخراج مشروعهم الثقافي هذا الا بعد جهود كبيرة بذلتها تلك الجماعة و التي تميز هو من بينهم ، فسعى لذلك لدى بعض المراجع الدينية لكي تدعم جهودهم بعد أن عملوا على تعريفهم بطبيعة هذا المشروع و اهميته لأبناء الطائفة الجعفرية و غيرهم .
و كان في مقدمة هذه المراجع عالم بارز متجدد من علماء الدين الشيعة هو العلامة المرحوم السيد محمد سعيد الحبوبي الذي إقتنع بالفكرة وبادر لتأييدها و إقناع المعارضين من المرجعيات الدينية و الشخصيات الاجتماعية . لقد أطلق اسم ((مكتب الترقي الجعفري العثماني)) على مدرسة اللغات و العلوم و لحسابات التي كانت النواة لتأسيس المدارس الجعفرية فيما بعد. لقد رأت السلطات العثمانية عند تقديم طلب فتح هذه المدرسة بانها يمكن ان تكون ذات صفة طائفية وتقتصر الافادة منها علىابناء الطائفة الجعفرية و حدهم. الا ان ابو التمن استطاع اقناعهم بأنها ليست كذلك و انها ستكون مؤسسة و طنية عراقية تقدم خدماتها لجميع ابناء الوطن و على هذا فقد تمت موافقة السلطات العثمانية ، وهو ماسارت عليه فعلا سياسة المدرسة وسارت على نهجها سياسة المدارس الجعفرية بعدها فألتزمت بها اداراتها منذ تأسيسها وحتى اغلاقها بعد عام 1968 .
وحينما اتيحت لي فرصة التدريس في قسمها الاعدادي خلال العامين (1953ـ 1954ـ )كان طلابها من منتسبي جميع مكوناتالشعب العراقي الدينية و المذهبية والقومية و دون اي تمييز بينهم ، وكذلك كان تكوين ملاكها التدريسي فقد كان هو متنوعا أيضا ، فلم يكن اساس اختيار التدريسيين فيها الا الكفاءة والقدرة والأخلاص في العطاء.
أن هذا النهج غير الطائفي الذي تميزت به المدارس الجعفرية لم يكن الا أمتدادا لنهج المرحوم – أبو التمن‐ الذي امن به وثبت أسسه والتزم به في جميع المواقف والمناسبات . وقد كان لنجاحه في تحقيق هذا المشروع أثرٌ كبيرٌ في ابراز شخصيته في المجتمع ، لاسيما وأنه قد كان أنذاك في طور الشباب، كما أن هذا النجاح يمكن أن يعتبر المحطة الأولى في مسيرة اهتماماته بالشؤون العامة للوطن وبداية لأكتسابه ثقة المجتمع العراقي.
انما ما ابداه من نشاط واهتمام بهذا المجال يدل دلالة واضحة على ماكان يتمتع ويتميز به من فكر تنويري وتجديدي ويحمل التقدير لأهمية التعليم في تحقيق الاصلاح والتقدم للبلاد.
المحطة الثانية
حركة الجهاد ضد القوات البريطانية ودوره فيها تعتبر هذه المحطة من المحطات المهمة أيضا في مسيرة أبو التمن السياسية والدينية والأجتماعية، اذ أكسبته أحداثها وما قام به خلالها من أدوار لدى الحكومة العثمانية احتراما كبيرا لديها ولدى الشعب العراقي ، وظلت الحكومة العثمانية تستعين به في بعض المواقف السياسية ، وكانت مواقفه ومواقف عائلته خلال تلك الفترة معبرة عن الصدق والأيمان والأخلاص للمبادئ الدينية التي امنوا وعرفوا بها بأعتبارها عائلة شيعية متدينة، محترمة ومتميزة في الأوساط الأجتماعية والدينية. فعندما أعلنت الحكومة العثمانية الحرب على بريطانيا وحلفائها في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) بدأ البريطانيون بأحتلالهم للعراق ابتداءا من البصرة، فأرسل وجهاء البصرة الى علماء الدين في كافة العتبات المقدسة في العراق "نداء استغاثة لتخليصهم من الكفار المحيطين بهم" وقد بدا موقف العثمانيين ضعيفا أمام القوات البريطانية التي أخذت بالتقدم شمالا ، وعلى هذا فقد أيدت الحكومة العثمانية استغاثة وجهاء البصرة فأرسلت شخصيات مهمة الى النجف الأشرف للأتصال بالمجتهدين الكبار للحصول على أصدار الفتاوى للدعوة الى الجهاد بجانب العثمانيين لمواجهة الكفار الغزاة، فحصلوا على ذلك من قبل كثير من المجتهدين الأعلام ، وقد كان لهذه الفتاوى الأثر الكبير في استجابة الناس والأنضمام الى حركة المجاهدين الى جانب العثمانيين.
لقد كان المرحوم جعفر أبو التمن والمرحوم جده الحاج داود وكل عائلته من أبرز الشخصيات المؤيدة لهذه الدعوة بدافع ايمان ديني خالص، فأنيطت به بعد توجه جده الى ساحات الجهاد بنفسه في البصرة؛ رغم شيخوخته ؛ مهمة تزويد المجاهدين بالمؤن والأموال اللازمة بالأضافة الى مهمة الأرتباط بين السلطات العثمانية والمجاهدين ، فأثبت جدارة متميزة وقدرة عالية في أداء كل المهمات التي كلف بها.
لقد كان معروفا موقف العثمانيين ، بموقفهم السلبي وتعصبهم الطائفي تجاه المواطنين الشيعة ، ومع ذلك فأن اصدار المراجع الدينية لفتاوى الجهاد الى جانب العثمانيين المسلمين واستجابة الناس لها مهما ، كان تعبيرا عن ايمانها الديني العميق بوجوب حماية الثغور الأسلامية، وهذا ما كان ينسجم تمام الأنسجام مع شخصية وأفكار فقيدنا – أبو التمن‐ المعروفة بصدق وبشدة تدينها مع شدة ابتعادها عن التعصب الطائفي وأستنكاره والتصدي له،ورفضها لأي رد فعل سيئ مماثل ، اذ كان يرى أن الفعل السيئ لا يُسوغ القيام برد فعل سيئ مماثل ، وهو نهج ظل ينتهجه طوال حياته وهو نهج جدير بالتقدير وجدير بالأقتداء في حياتنا السياسية وعلاقاتنا الاجتماعية.
وفي عام 1915 انتهت حركة الجهاد وأعلنت الهدنة بين الحكومة العثمانية والحكومة البريطانية في عام 1918 وقد أتمت أحتلالها للعراق ليبدأ العراقيون فصلا جديدا لتحقيق أستقلالهم.
المحطة الثالثة
نشاطاته الوطنية في التنظيمات السياسية من عام 1920 وحتى عام 1933 تعتبر هذه المحطة هي الأخرى محطة مهمة في حياة ‐ أبو التمن – السياسية وأطولها زمنيا حيث كان له حضوره المتميز خلال أهم الأحداث فيها وبرزت خلالها شخصيته السياسية والشعبية بأعتباره زعيما وطنيا مخلصا وكفوءا.
لقد بادر قادة الحركة الوطنية العراقية حال اعلان بريطانيا أنتدابها لحكم العراق بالمطالبة بالأستقلال التام للبلاد وأعتمدوا الوسائل السلمية لذلك في بداية الأمر ، الأ أنهم تخلوا عنها بعد أن يئسوا من تحقيق هدفهم بها فشعروا أن الحاجة قد أصبحت ماسة للعمل بتنظيم سري وأستطاعوا تحقيق ذلك في شباط 1919 بتأسيس ((جمعية حرس الأستقلال)) وحيث أن – أبو التمن – لم يكن بعيدا عن الحركة الوطنية فقد أنضم اليها في عام 1920واصبح عضوا في هيأتها الأدارية العليا ، وإذ تم أنتخاب المرحوم السيد محمد الصدر رئيس شرف للجمعية، فقد تم أنتخاب – أبو التمن – أمينا لسر الجمعية ، وكان هذا الأنتخاب يعبر عن مدى الثقة بقدراته وأخلاصه، فعهدت اليه مهمة الأتصال برجال الدين ورؤساء العشائر وقادة الحركة الوطنية في بغداد وقد أثبت فعلا كفاءته ونجاحه فيما عهد اليه.
اعلان الثورة العراقية – ثورة عام 1920
يعتبر يوم 20 حزيران 1920 يوم انطلاق الثورة المعروفة بثورة العشرين الخالدة التي أنطلقت من الديوانية على اثر اعتقال أحد شيوخ العشائر فيها وهو (الشيخ شعلان أبو الجون) ونجاح محاولة عشيرته بالهجوم على مركز اعتقاله وتحريره واعلان الثورة على السلطات البريطانية ، وقد أيدتها عشائر كثيرة في المنطقة وأخذت تمتد يوما بعد اخر الى مناطق أخرى في البلاد ، كما تبنى قادة وجماهير الحركة الوطنية في بغداد والمدن الرئيسة في العراق هذه الثورة وأظهروا تأييدهم لها بمختلف الوسائل المتاحة لها انذاك. وهنا برز ‐ أبو التمن – بنشاطاته وأسهاماته المتميزة ، فقد كان يحضر اجتماعات قادة الثورة ميداني اً وله الكلمة المسموعة بينهم ويخرج الى ميادين القتال ويلقي الخطب الحماسية على مسامع الثوار بالأضافة الى ما كان يقدمه هو وجده الحاج داود وعمه الحاج سلمان من دعم مالي للثورة . وعلى الرغم من فشل الثورة التي لم تستمر الا بضعة أشهر لعدم تكافؤ قوى الطرفين ألا أنها أسهمت في التمهيد لتأسيسالدولة العراقية الحديثة كما أشير الى ذلك سابقا.
‐ أبو التمن ونشاطه عبر الحزب الوطني 1921ـ1933
ظل أبو التمن يواصل نشاطه السياسي الوطني من أجل الأستقلال مع مجموعة من السياسيين الوطنيين حتى أستقر رأيهم على تشكيل حزب سياسي ، ومما يجب ذكره بهذا الصدد أنه كان لتوجيه العالم الديني الوطني المستنير المرحوم الشيخ محمد مهدي الخالصي أثر كبير في تحقيق ذلك ، اذ انه اشار وشدد على ابي التمن الى ضرورة المبادرة لتكوين حزب سياسي وطني وكان ذلك عقب انفضاض مؤتمر كربلاء الذي انعقد 13 نيسان 1922 لتدارس ‐ بدعوة من الشيخ الخالصي خلال الفترة بين 8 الوضع العام في البلاد والذي اسفر عن قرارات هامة لتعزيز الوحدة الوطنية الضامنة للنجاح في التصدي للمخططات الاستعمارية وكانت المحاولة الرسمية الاولى في 14 اذار 1922 وقد ضمت الهيئة المؤسسة للحزب السادة التالية أسماؤهم:
السيد محمد صدر الدين من الكاظمية.
السيد محمد الكاظمي من الكاظمية.
السيد عبدالحسين الجلبي من الكاظمية.
السيد أحمد الشيخ داود من بغداد.
الحاج محمد جعفر أبو التمن من بغداد.
السيد مولود مخلص من بغداد.
السيد علي البزركان من بغداد.
الا أن وزارة الداخلية لم توافق على أجازته بحجة هجوم الوهابيين على عشائر المنتفك ، ولكن عدم موافقة وزارة الداخلية لم يوقف نشاط الهيأة المؤسسة للحزب فأكتسب سمعة طيبة وثقة عالية وتأييدا واسعا في معظم المدن العراقية وصار له المركز الأول من بين جميع الأحزاب التي كانت قائمة انذاك . لقد كانت عوامل نجاحه تتركز في نهجه الوطني غير الطائفي وتأكيده على أهمية الوحدة وتعزيزها وصلابة قادته وفي مقدمتهم شخصية ‐ أبو التمن – الذي تولى رئاسته بالأجماع في جميع مراحله.
المحاولة الثانية لأجازة الحزب جرت المحاولة الثانية لتأسيس الحزب الوطني رسميا في 28 تموز 1922 من قبل السادة التالية أسمائهم:
جعفر أبو التمن.
مولود مخلص.
بهجة زينل.
محمد مهدي البصير.
أحمد الشيخ داود.
حمدي الباجة جي.
عبد الغفور البدري.
وقد تمت موافقة وزارة الداخلية في 2 اب 1922.
واصل الحزب قيادة الحركة الوطنية في مقاومتها للمعاهدة العراقية البريطانية التي أريد بها تثبيت حق قانوني دولي للسيطرة البريطانية على العراق ، وتعاون الحزب مع حزب وطني اخر هو ((حزب النهضة)) الذي كان يرأسه السيد أمين الجرجفجي من أجل احباط مشروع المعاهدة المذكورة وتحقيق المطالب الوطنية ، و أزاء ذلك قررت السلطات البريطانية ممثلة بالمندوب السامي البريطاني الذي كان هو الحاكم الفعلي للبلاد ؛ بالرغم من وجود ملك وحكومة ؛ اتخاذ اجراءات قمعية شديدة لمواجهة النشاطات الوطنية العراقية كان من بينها تعطيل عدد كبير من الصحف والقاء القبض على بعض الناشطين الوطنيين والقاء القبض على السادة التالية أسمائهم ونفيهم الى جزيرة (هنجام) وهي جزيرة نائية وقاحلة في الخليج العربي ولم تكن الا مركزا لتموين الوقود للبواخر العسكرية البريطانية ولا يسكنها غير العاملين في هذا المركز، وكان ذلك في شهر أيلول 1922 ، والسادة هم كل من:
جعفر أبو التمن.
حمدي الباجة جي.
الشيخ محمد مهدي البصير.
الشيخ أحمد الداود.
عبدالغفور البدري.
أمين الجرجفجي.
عبدالرسول كبة.
الشيخ حبيب الخيزران.
سامي خوندة (صحافي وصاحب جريدة الرافدين).
وبعد مرور عدة أشهر تمت اعادة جميع المنفيين عدا محمد جعفر أبو التمن وحمدي الباجة جي ، ثم تمت اعادة حمدي الباجة جي وبقى أبو التمن منفيا وحيدا في تلك الجزيرة امعانا في ايذائه وتعذيبه من قبل السلطات البريطانية لأستيائها الشديد من مواقفه الصلبة ضد مشاريعها وخططها وما تسببه هذه المواقف من أتساع المعارضة الوطنية ضدها ، ولم يفرج عنه وتتم عودته الى بغداد الا بعد مدة من الزمن.
أعتزل – أبو التمن – العمل السياسي بعد عودته من المنفى ، ويعزوا مؤرخو مسيرته ذلك الى الأسباب التالية:
خيبة أمله في معظم زملائه الذين كانوا معه منفيين في هنجام وبرجال السياسة عموما.
خيبة أمله في موقف الملك فيصل الأول لأنه عارض في عودته من المنفى ولم يساند موقفه على الرغم لما كان بينهما من علاقات ودية وثيقة.
الا أن الرأي العام العراقي لم يرتض لأبي التمن موقفه الأعتزالي لثقته الكبيرة بصدق وطنيته ، لاسيما وأن البلاد مقبلة على أحداث هامة ، منها تقرير مصير ولاية الموصل وعقد معاهدة جديدة مع بريطانيا في عام 1928، وعلى هذا فقد عاد الى ممارسة العمل السياسي ، وأشترك في أنتخابات مجلس النواب التي جرت في عام 9 مايس 1928 وفاز بها بالأجماع نائبا عن بغداد ، كما أعاد نشاطه الحزبي وتمت موافقة وزارة الداخلية على ذلك في 19 تموز 1928.
723 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع