سارة فالح الدبوني
لطالما كرهتُ مفردةَ المؤامرة، وكرهتُ تصديقَ المبدأ القائلِ بنظريةِ المؤامرة، إلا أن من الأمورِ مالا تُصدق، ولا يرضاها العقلُ ولا المنطق إلا إذا انساقتْ عُنوةً في هذا الخِضم..
فمُنذُ فترةٍ والأنباءُ تتواترُ بشأنِ مسألةِ تغييرِ الحدث التاريخي لحضارةِ بابل باعتبار أنَ (الجنائن المعلقة)، العجيبة السابعة من عجائب الدُنيا السبع (سابقاً طبعاً)، لاتقعُ في بابل كما يروي لنا التاريخ على مرِ العُصورِ، بل تمَ إنشاؤها في مدينةِ نينوى ..! وأن الملك الذي أنشأها ليس الملك البابلي نبوخذ نصر، بل هوَ الآشوري سنحاريب..!
وهذا كانَ بناء على بحثٍ أجرتهُ باحثةٌ بريطانية من جامعةِ أوكسفورد (ستيفاني دالي)، والتي ادَّعَتْ أنها قد فكت شيفرة نصوصِ أحدى المنحوتات الأثرية الآشورية التي تحكي إنشاءَ الملك سنحاريب لحديقةٍ عملاقة هرمية الشكل وسط الصحراء يرفع اليها الماء عن طريق مضخاتٍ ضخمة تعمل وفقَ نظامٍ يُشبه نظريةِ ارخميدس..
تم الترويج لهذا البحث مباشرةً بعدما أعلنت مصادرُ بأن مدينة بابل قد تم رفعها من قائمة (التراث العالمي) نتيجة اصرار الحكومة المحلية على انشاء مطار بابل، الى جانب انشاء انبوبٍ نفطي يخترقُ سور المدينة الأثري مما يعني التسبب بأضرار مباشرة في قلعة بابل والتي قد تؤدي الى هدمها..إضافةً الى استبعاد الجنائن المعلقة من قائمة (عجائب الدنيا السبع) بسبب شك علماء الآثار والمختصون بهذا المجال بوجودها أصلاً ..! فقد سبقَ لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) بأن زارت مواقع بابل الأثرية وقامت بدراسة تحليلية بغيةَ العودة لإدراجِ آثار بابل ضمن لائحة التراث العالمي. إلا إن المحاولات قد بائت بالفشل نتيجةَ بناءِ مجلس محافظة بابل لمدينة الاعراس في احد المواقع الاثرية لبابل..!
ليسَ غريباً أن تستهدفَ بابل.. ففي عام 1885 م أقدمت الحكومة العثمانية على بناء سدةِ الهندية الشهير كحلٍ لأزمةِ المياه في المنطقة، مادفع السُلطان العُثماني للإستعانةِ بالمهندس اليهودي فرنسي الجنسية (شندوفيرز) لإتمام المشروع، والذي أَصرَّ بدورهِ على وجوبَ انشاءُ السدةِ على أحد المواقع الأثرية البابلية، ليُقدِمَ وبكُلِ حِقدٍ على هدمِ آلاف الآثار التي تحتاطُ المنطقة باستخدام أطنانٍ وأطنانٍ من الديناميت، واستخدمَ الحجارةَ الأثرية لبناء السدة..!!
فلمن يرفضُ تواجدَ الجنائن المُعلقة من الأصل، ماادرانا بأن الجنائنَ لم تكُن ضمنَ ماتمَ محوهُ من الآثارِ على يدِ ذلكَ اليهودي الخسيس..!!
ولاننسى حصةَ (صدام حسين) من التخريب الحضاري بترميمه للمدينة الأثرية البابلية بإستخدام الطابوق الحديث أو مايسمى عامةً بالـ(الطابوق الجمهوري)، مُطالباً المهندس المشرف بأن يضعَ على كل طابوقة نجمةً ثمانيةً تحملُ بداخلها شعارَ {من نبوخذ نصر الى صدام حسين بابل تنهض من جديد}، محاولةً منهُ لإقران اسمهِ باسمِ الملك البابلي (نبوخذنصر) ..!! ومنذُ تلكَ الحادثة عادت بنا منظمة اليونسكو بخطوةٍ الى الوراء بأن أعتبرت مدينة بابل مدينة سياحية لا أثرية.. نتيجةً لإستخدامِ موادٍ سيئة للبناء وغير مطابقة للمواطفات الأثرية.. وتلكَ كانت الكارثة..!!
وأكملت حربُ الخليج الثالثة المجزرة الحضارية البابلية بإتخاذ القوات الأميركية لآثارِ بابل موقعاً لها في نيسان 2003، ثم تم تسليمهُ للقوات البولونية في ايلول 2003، ليتم شغله كمعسكرٍ لضمِ 2000 جندي، حيث أوكلت مهمةُ بناءِ قواعد عسكرية للقوات في هذهِ المواقع الأثرية الى شركة (كيلوج براون ورت) ليتم احداث شقوق بعمق 20_30 م، وعمل خنادق بأعماقٍ مختلفة، بالاضافة الى تغطية المنطقة الواقعة مابين متحف حمورابي والمسرح الإغريقي بالحصى وأكياس الرمل..!!ولاننسى مرور العربات الثقيلة على المنطقة الأثرية والتي تمتد للقرن السادس قبل الميلاد لتحولَ الطابوق الأثري المتبقي الذي كانَ يمتدُ كما السور على المنطقة الى أكوامِ حجارةٍ مُحطمة بشكلٍ سيءٍ جداً لايمكن اعادةُ اصلاحهِ وترميمه..!
لن يحتاج الأمرُ الى التفكيرِ بوجودِ أيادٍ صهيونية شريرة خلف مسألة التدمير الحضاري لمدينة بابل، لأنها موجودة بالفعل..!! فقد ذكر في احدى حلقات بروتوكولات حكماء صهيون، التي كتبها (ماثيو جوليفينسكي) عام 1901 والتي استوحاها من كتاب حوار في الجحيم للمؤلف (موريس جوليس) ناقلاً حكايا من تفسير سفر الملوك و الكتاب المقدس بغيةَ تقويةِ حجتها، أن رؤيا يوحنا تحكي عن سبعة جبال تحمل في قمتها الشاهقة امرأةً لتجتمع الجبال فيما بعد لتُشكلَ وحشاً بعشرةِ قرونٍ على رأسه يعمد الى تعرية المرأة وتجريدها من زينتها وحُليِّها ومن ثم يأكلُ لحمها ويحرقها دونَ دفن..!!
تم تفسيرُ تلكَ الرؤيا على أن المرأة التي حملتها الجبال هي امبراطورية بابل العظيمة، وإن الجبال السبع والقرون العشر تكون أُمما وشعوباً وألسنةً تجتمعُ لتدمير بابل عبر تجريدها من كامل قوتها وحضارتها لتكون لاشيءَ وتدمرُ فيما بعد..!!
وهاهي الجبالُ السبع قد باتت أُمماً وألسنةً لتشكل الوحش العالمي عبر تشكيل الامم المتحدة التي لازالت مصممة على أن تبدو كحكومة عالمية، ولتعملَ على تحقيق الرؤيا التي ذكرت في اصحاح سفر الملوك، وتعمد الى تدمير المرأةِ كما ذكرَ في الرؤيا وتجريدها من كامل ملابسها وزينتها ولتظهر للعالم عاريةً خربةً لاشأنَ لها.. فيالهُ من تخريب..!!!
ونهايتها بعيدةٌ ايضاً عن ان تكونَ مُشرِّفة. فهم يدمِّرونها ويأكلون لَحمها، مُحوِّلين اياها الى هيكلٍ عظمي عديمِ الحياة، وأخيراً يُحرقونها بالنار، فهي تُحرق في الرؤيا كما كانوا يحرقون البغايا، حتى دون دفنٍ لائق! والأمم المتحدة..هي من نظمت تلك الثورة على بابل العظيمة اليوم لتفعل بها ماذكر في الرؤيا التي نص عليها الكتابُ المُقدس..!!!
فما تعرَضت له بابل من نهبٍ وسلبٍ وتدميرٍ وتهميش حضاريٍ على مر العصور لم يكن بالأمر القليل ولم يأتِ من فراغ .. فقد سبقَ للأيادي اليهودية أن حاولت أن تعتبر من الجنائن المعلقة البابلية اسطورةً لاوجودَ لها، وبعد أن باءت محاولاتهم بالفشل، وجهوا إطلاقتهم القاتلةُ لبابل بذكاءٍ لامثيلَ لهُ عبرَ تغير الاحداث التاريخية بإطلاقها البحوث التي تحكي للعالم أن بابل ليست صاحبة الفضل بوجود الجنائن المعلقة تلك العجيبة المعمارية الحضارية، بل أنها أُنشئت في نينوى ..!! وإن من بناها هو الملك الآشوري سنحاريب، لا نبوخذ نصر..!
خاصةً وأنهم على علمٍ بالتاريخ البابلي المعادي لليهود..حيث أن التاريخ يحكي واقع كره نبوخذ نصر لليهود حتى إنه عاملهم أبشع معاملة، واعتمد قتلهم بالجملة، وجعل من الباقين منهم عبارةً عن مجاميع من الخدمٍ والعمال، بل وأمرهم بإطالةِ شعورهم ليتميزوا عن باقي الناس ..! ولاننسى طبعاً طريقةَ ذكر اليهود لبابل في الكُتب القديمة الخاصةِ بهم، حيثُ يسمونها (أُمُ البغايا والزواني) ..! تأكيداً منهم على تاريخهم المقيت والمليء بالضغينة على حضارةِ بابل..!
فبعد تلكَ العداوةِ بين اليهود والبابليين كانَ لابُد من تدمير العدوة القديمة بضربةٍ واحدة ولتذهب بلا عودة عبر اقتلاع الحاجز الوحيد الذي تبقى بينها وبين الموت ألا وهو الجنائن المعلقة..!!!!
سيناريو المغالطة التاريخية التي مست بابل بصراحة يُذكرني بمهزلة الأصل الفضائي للسومريين، فالأمر تعدى مجرد تدمير حضارة بابل وحسب..بل تدمير حضارة العراق أجمع واستئصالها من الجذور حتى وإن طالت مالايمكن لأي عقل تصديقه ألا وهو وجود حياةٍ فضائية في العراق في عصور ماقبل التاريخ.. بحجة إعتمادهم بحوثاً موثوقةً ودراساتٍ أُطلقت من مراكز وجامعاتٍ مرموقة..!!
فلن استغربَ غداً لو تم اطلاقُ بحثٍ بالأدلةِ القاطعة والبراهين يثبتُ أن العراقَ خالٍ من كُلِ حضارةٍ وتاريخ .. وماعلينا جميعاً إلا الإنصياع والتصديق، فهذا ما تيقنَ منهُ الصهاينة، أن عقولنا باتت بسيطةً وساذجةً لدرجةِ تصديقِ كُلِ شيء عبرَ دسِ الدسائسِ وتزييف الحقائقِ وتزيينها بالبراهينِ التي لاتقبل الشك حتى ولو كان على حساب هويتنا الوطنيةِ والحضارية ..!!
أما آنَ الأوانُ إذاً للشُرفاءِ بأن ينظفوا أقلامهم من الشوائبِ والسواد ليساندوا العراق والعراقيين، لينظفوا الغبارَ عن الحقائقِ التي لازالت الأيادِ الامريكيةِ_الصهيونية تحاولُ طمسها، علها تعودُ وتبانُ للعالمِ بصورتها الحقيقية..!
فالأماكن لو تحولت إلى وثائقَ تؤكدُ هويةَ الأُممِ، يُصبحُ التعلقُ بها والحفاظُ عليها مهمةً إنسانيةً لابُدَ منها قبلَ أن تكونَ مهمةً وطنية .. مهمةً لاتقلُ شأناً عن حفظِ الكرامةِ الإنسانيةِ والوجودِ الإنساني.. حيثُ معالمُ تزييفِ تلكَ الوثائقُ وتغييرها أو الإنقاصُ من أهميتها تعتبرُ خيانةً إنسانيةً ووطنيةً عُظمى...!
...................
بقلم: سارة فالح الدبوني
25\5\2014
458 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع