د.علي محمد فخرو
الوطن العربي كله يحترق حاليا في لهب نار السياسة العابثة من جهة وفي لهب نار الدين المختطف من جهة اخرى. ويكذب من يدعي، في طول الوطن الكبير وعرضه، بأنه في منأى عن نيران هذا الجحيم المتعاظم الذي يأكل الأخضر واليابس.
لكن المأساة في ال
اعراض البليد، غير المفهوم ولا المبرر، عن التعامل مع ذلك الحريق على مستوى الأمة كلها، لاطفاء الحريق كله، وذلك بدلا من التلهي بصب الماء هنا او هناك لنفصِّل مانعني بذلك.
ففي السياسة هناك محاولات في بعض الأقطار العربية لتكوين تجمعات وجبهات من الأحزاب السياسية ومناصريها من اجل اهداف محلية ومؤقتة مثل خوض معركة انتخابات برلمانية او الوقوف في وجه دكتاتور او المطالبة باصلاحات محدودة. وبالطبع فان تلك الجهود من مثل التي تبذل حاليا في اقطار مصر والجزائر وموريتانيا على سبيل المثال، مطلوبة ومحمودة، لكن التدهور المتراكم في المشاهد السياسية العربية يؤكد ان المحاولات على مستوى الأقطار لن تكون كافية على الاطلاق.
واذن ما العمل؟ لنعد الى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. آنذاك، عندما شعر المهمومون بتحرر ونهوض الأمة بوجود اخطار مشتركة تستهدف الوطن العربي كله، من مثل الخطر الصهيوني والخطر الاستعماري وخطر التخلف الرجعي العربي... عندما شعروا بذلك توجهوا بعبقرية ملفتة وبروح متحدية الى تكوين حركات قومية جامعة ترتفع بالنضال السياسي من مستوى القطر الوطني الى مستوى الوطن القومي.
وبدون الدخول في مماحكات ماارتكب من اخطاء من قبل تلك الحركات، او الدخول في عبثية لعبة اللوم والتقريع، فان حركات القوميين العرب والناصريين كانت محاولات تاريخية كبرى، صحيحة في افكارها وشعاراتها، نبيلة في اهدافها. كانت استجابة لصد اخطار كبيرة هائلة على مستوى طاقات الأمة كلها.
ما يهمنا ليس ما آلت اليه تلك الحركات، فالتاريخ الموضوعي سيحاكم وسيحكم، لكننا، اليوم وفي هذه اللحظة المتفجرة الملتهبة من مسيرة الأمة، تعنينا تلك الحركات كرمز للاستجابة للتحدي والأخطار وكطريق عقلاني مقنع يكاد يكون لا بديل عنه، تحت كذا ظروف وكذا اخطار.
واذن سنجمل كل ما سبق في السؤال التالي: أليست الهجمة الصهيونية -الامبريالية، تعاونها مع الأسف بعض قوى الداخل، أليست تلك الهجمة الهادفة لتمزيق وتفتيت الأقطار العربية الحالية لتصبح كنتونات قبيلة او طائفة او عرق ضعيفة تابعة مستباحة من قبل القوى العسكرية او الاقتصادية او المالية الخارجية، وبالتالي لتبقى هذه الأمة على هامش العصر ان لم تكن خارجه... اليست تلك الهجمة المذلة المبكية المستهزأة كافية لشعور البعض بان شيئا كبيرا يجب ان يحدث، وفي الحال على مستوى الأمة الواحدة والوطن الكبير الواحد والمصير المشترك الواحد والنضال الشعبي الواحد؟ هل سيقبل هذا الجيل ان يكون السابقون اكثر شجاعة وحكمة من اللاحقين؟ ليست هذه اسئلة الحنين للماضي، انها اسئلة المستقبل الوجودية.
أما في حقل الدين فان المصائب والمحن اصبحت تتسابق مع المصائب السياسية الوطنية منها والقومية. لقد اصبح نمو الفطر العبثي المتعاظم للقوى التكفيرية الجهادية، الممارسة لأقبح انواع العنف الشيطاني تجاه الأبرياء في كل انحاء العالم، اصبح قضية دولية تصب في صالح مشوهي ومحاربي الاسلام والمسلمين.
وفي داخل عالم الاسلام وصل جنون ادخال الفرق الاسلامية في صراعات سياسية عبثية، تحت غطاء عباءة طائفية لا تمت للاسلام بصلة، وصل الى قرب ادخال المسلمين في حروب لا نبالغ ان قلنا بأنها ستهدد وجود الاسلام نفسه.
فاذا اضيف الى ذلك دخول الاعلام الاسلامي، عن طريق جهلة وانتهازيين وزبونيين، في نشر ثقافة اسلامية بالغة التخلف والتزمت والجهل بالعصر وحضارته، فاننا امام اخطار انحرافات فكرية وفقهية في صلب رسالة العدل والحق والقسط والميزان التي جاء بها نبي الاسلام «صلى الله عليه وسلم».
أمام هكذا اخطار وفواجع ينتظر الانسان ان مؤسسة او جبهة او جماعة من علماء الدين الاسلامي ستولد من هذا الركام تجمع ممثلين مستقلين عن جميع الفرق الاسلامية بكل مدارسهم واطيافهم وكل مذهب ينتمي الى دين الاسلام، وذلك من اجل التصدي لكل تلك الأخطار، باسم الاسلام الجامع وليس المذاهب المختلفة، لا قولا فقط وانما فعلا ايضا.
لكن ذلك لا يحدث، ولا تسمع الا صوتا فرديا من هنا او بيانا لفئة مذهبية من هناك او فتوى خجولة من جهة رسمية الارتفاع بالعمل السياسي الى مستوى الأمة وبالنشاط الديني الى مستوى الدين وليس المذهب تحديان ينتظران الاستجابة لهما، ومرور الوقت لن يرحم. ولنا عودة للموضوع.
675 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع