علاقة الكرد الفيليين بفرهود اليهود

                                  

        علاقة الكرد الفيليين بفرهود اليهود

                      بقلم : عصام اكرم الفيلي

مقدمة

في الحلقة السادسة من سلسلة مذكراته ( ذكريات وشجون ) ، وفي حادثة تعود الى اليوم الاول من شهر حزيران سنة 1941 ، ذكر البروفيسور العراقي الاصل الاستاذ ( شموئيل موريه ) او ( سامي ابراهيم معلم ) كما هو اسمه العراقي ، ذكر ان ( الكرد الفيليين هم اول من بدأ فرهود اليهود ) ، ولأن البروفيسور موريه ليس شخصاً عادياً فلا يمكن والحال هذه المرور على كلامه مر الكرام ، ولابد من وقفة ومراجعة للتاريخ ، ولابد من الاستشهاد بشخوص من ذلك الزمن او من زمن قريب عليه ، لا لدحض القول باعتباري كردياً فيلياً ولكن للوصول الى شهادة للتاريخ بحق اهلي الفيليين الذين هم قوم تمتد جذورهم في عمق التاريخ نفسه .

 

التعرف الى البروفيسور شموئيل موريه

منذ نشر الحلقة المذكورة قبل عدة سنوات وانا لا أألو جهداً الا وبحثت عن اصل هذا الرأي الذي ذكره بروفيسور موريه ، ومن الطبيعي ان تكون اولى الخطوات هي التعرف الى البروفيسور شموئيل موريه ، ولأن الموضوع يستحق التعب فقد قررت الولوج الى هذه المتاهة علني اصل في نهاية المطاف الى الحقيقة اياً كانت ، ان كانت تجعل من اجدادي مجرمين او كانت ستبرؤهم من هذه التهمة الشنيعة ، ورغم اني التقيت خلال ثلاث سنوات بالكثير من كبار السن والعديد ممن كان لهم دور مشهود في تلك الحقبة من تاريخ العراق ، ولكن للأسف جميعهم طلبوا عدم الاشارة الى اسمائهم لأنهم اناس بسطاء يخشون من اي شيء اسمه يهودي في واقع العراق الحالي الذي لا يتوانى البعض فيه ان يقتلوا اخوتهم على لا شيء ، ولكنهم اجمعوا على براءة الكرد الفيليين من هذه التهمة وكذلك اشاروا الى ان العديد من المحاور هي التي ادت الى ما بات يعرف بـ ( فرهود اليهود ) ، منها ما هو داخلي كالتنظيمات القومجية العربية ومجاميع العروبيين المسلحة ، ومنها الخارجي المتمثل بقيام الاسرائيليين ( غير العراقيين ) انفسهم بعدد من التفجيرات في دور العبادة اليهودية والاماكن التي لها مساس مباشر بالحياة اليومية ليهود العراق لأجبارهم على المغادرة نحو اسرائيل .

اول الطريق كان الدكتور مردخاي كيدار ( استاذ الادب العربي في جامعة بار ايلان ) الذي تعرفت اليه قبل عدة سنوات بسبب مقال كتبه في حينه ، ومنه عرفت ان بروفيسور موريه هو من اساتذة الدكتور كيدار ، وهكذا تعرفت قبل حوالي سنة من الان الى ابن بغداد البار البروفيسور شموئيل موريه .

مجموعة مراسلات

كتبت لبروف موريه الرسالة الالكترونية التالية :

الأخ العزيز بروفيسور شموئيل المحترم

تحية وبعد

كنت اليوم في جلسة مع عدد كبير من اهلي الفيليين وتطرقت فيها الى عبارة كنتم قد ذكرتموها في احدى حلقات مذكراتكم الشخصية تقول ( ان الفيليين هم اول من بدأ الفرهود في منطقة باب الشيخ ) ، وللحقيقة اقول ان هذه العبارة تطلبت مني في حينها ( قبل ثلاث سنوات ) بحثاً لمدة اكثر من سنة ولكن لم اصل الى اي شهادة أو دليل تثبت ماتفضلتم بذكره .. ولا يخفى عليكم ان هذا الموضوع حساس للغاية ومهم جداً ، أأمل اني استطيع تحفيز ذاكرتكم وارجو تفضلكم بذكر التفاصيل التي تعرفونها بخصوص ذلك لأقوم باعادة البحث من جديد في اوساط كبار السن في منطقة باب الشيخ .. فهذا شأن اجتماعي وتاريخي يخص مئات الالاف من الفيليين ويخص اجيالاً منا .. وكن واثقاً اني في حالة توصلي الى الحقيقة ( اياً كانت ) سوف انشرها بكل تجرد .

 عصام

 والان اليكم رد البروفيسور موريه الذي اجاب :

الاستاذ الجليل والباحث المدقق الاخ عصام الفيلي المحترم ، حفظه الله تعالى

إن الخبر عن الفيليين والفرهود هو عن طريق الباحث الكبير في تاريخ العراق الحديث الدكتور نسيم قزاز وقد قتل والده في باب الشيخ في اول ساعات الفرهود وكان في الباص الذي انزل منه شريكه في خيول السباق المرحوم خليف ، وكان والده القزاز المرحوم له عمال كثيرون من فيلية باب الشيخ ويعرفهم ونزل من الباص لانه يعرفهم جيدا وظن انه بواسطة الصداقة معهم سيستطيع انقاذ صاحبه ، والدكتور نسيم قزاز هو استاذ في تاريخ العراق الحديث ويتوخى الدقة والنزاهة ، ارسل نسخة من رسالتي هذه اليه ليرد عليكم كشاهد عيان غير متحيز ولاسيما موضوعيته العلمية والتاريخية ، وقد كتب عن ذكرياته ومساعدة الفيلية لعائلته بعد مصرع المغفور له والده ، وارجو ان تستمر في ابحاثك ولعلكما تصلان الى الحقيقة فنحن نكتب للحقيقة والتاريخ كشهود عيان وليس لنا اي غرض سوى الحقيقة وآمل ان تتوصفون الى الحقيقة .

مع شكري وتحياتي وبانتظار ردكم

المخلص/سامي

الرسالتين اعلاه كانتا في شهر كانون الثاني من هذه السنة 2012 ، إذن الان يجب ان اتعرف الى صاحب الشهادة واقصد به الاستاذ ( نسيم قزاز ) ، وقد سهل لي بروف موريه هذا الأمر ، ثم وصلتنا انا والدكتور موريه رسالة مشتركة من السيد قزاز مكتوبة باللغة العبرية التي علاقتي بها كعلاقة الاعرابي بوكالة ناسا !! وارجو ان تظهر خطوط اللغة العبرية لديكم حيث قال :

שמואליקירי

תודהעלהחומרששלחתלי.

סלים

هاي هي دوامة اخرى ادخل فيها مصمماً على كشف اصل الحكاية .. تلك الحكاية التي تتهم الفيليين بأنهم اول من بدأ الفرهود ، انا لا ابرىء الاولين من المشاركة في الفرهود ولكن ان يكونوا ( أول ) !! تلك هي الكارثة الاخلاقية التي لا يمكن السكوت عنها او التهاون في كشف ابعادها وملابساتها ، وهكذا كان لابد من شهادة معنونة لي من السيد نسيم قزاز وباللغة العربية وهذا الذي حصل .. فقد تفضل مشكوراً وارسل لي شهادته للتاريخ ،  وانا هنا اقتطع من الرسالة ما يخص موضوع البحث الذي قال عنه بالنص :

ألأخ الكريم البروفسور شمؤيل (سامي) موريه والأستاذ الجليل السيد عصام الفيلي المحترم

تحيات وتمنيات

أحداث الفرهود في منطقة باب الشيخ

في الأول من حزيران عام 1941 تنفس اليهود الصعداء بعد هروب حكومة رشيد عالي الكيلاني وعودة الوصي على عرش العراق ألأمير عبدالإله إلى بغداد, وخرجوا في ذلك اليوم للتنزه والترفيه بعد شهر من المعاناة قبعوا خلاله في ديارهم وامتنعوا عن مزاولة أعمالهم خارج محلات سكناهم طيلة هذا الشهر الذي صار يعرف ب"شهر رشيد عالي" حيث كثرت فيه ألاعتداءات على اليهود في الشوارع والطرقات من قبل الرعاع وكتائب الفتوة وحتى من رجال الأمن. فاليهودي في هذا الشهر كان عرضة للضرب والإهانة والإبتزاز من قبل هؤلاء الذين الصقوا به تهم واهية سيق بسببها الى مراكزالشرطة بعد أن أشبعوه ضربا ولكما وأحيانا طعنا بالسكاكين والخناجر مما أدى إلى جرح البعض وقتل آخرين.

وخلال هذا الشهر امتنع والدي من مزاولة أعماله والذهاب إلى دكانه في سوق القزازين كما امتنع من الذهاب لتفقد أحوال الخيول التي كانت له في طولة (اسطبل) حمّاد الشڴرة  بمحلة باب الشيخ. وسافرنا في ضحى ذلك اليوم المشؤوم إلى طولة حمّاد الشڱرة بعربانة قوج (حنطور) التي أقلتنا في شارع غازي (اليوم على ماأظن شارع الكفاح) من (طاطران) محلة سكنانا إلى باب الشيخ. وبعد التطلع على أحوال الخيول وتناول أطراف الحديث مع حماد والسياس عدنا بعد الظهر قافلين. ركبنا سيارة أم العانة التي انطلقت بنا باتجاه محلتنا وبعد أن تجاوزنا جامع عبد القادر الجيلاني أعترض السيارة رعاع كانوا قد تجمهروا في الشارع عند عڴد الأكراد. كنا في السيارة أربعة : الوالد ومئير شريكه في الدكان بسوق القزازين ونعيم أخو مئير وأنا (كنت آنذاك في سن الحادي عشر) بالإضافة إلى مسافرين آخرين لم نعرفهم. أوقف الرعاع السيارة وفتحوا الباب القدمي حيث كان مئير جالسا جنب السائق وسحبوه خارج السيارة وأشبعوه لكما وركلا وكنت حينها جالسا جنب والدي في المقعد الخلفي وإذا بي أرى والدي قد تسلل من الشباك وأخذ يشق طريقه في الجهة المعاكسة للجمهور وقررت الإلتحاق به وأخرجت رأسي وأكتافي وإحدى ساقي من الشباك ولم يبق إلا إخراج الساق الثانية كي أستطيع النزول إلى الشارع والإلتحاق بالوالد. وفي هذه اللحظة حرك السائق وأقلع من المكان مما اضطرني للبقاء في السيارة التي أنزلتنا بالقرب من محلة سكنانا. ولم نعد بعدها رؤية الوالد وشريكه مئير ولم نعثر على أثر منهما.

وكانت أحداث باب الشيخ فاتحة الفرهود الذي ذهب ضحيته ما يقارب ال200 من اليهود أضافة إلى عدد غفير من الجرحى ومئات البيوت والمحلات التي فرهدت.  

تلك كانت شهادة الدكتور نسيم قزاز ، ورغم انه استاذ في التاريخ العراقي الحديث ، الا انني اتلمس في شهادته بعض النقاط التي اريد الوقوف عندها :

بدءاً فأن المعروف ان منطقة باب الشيخ لا يسكنها الكرد الفيليون فقط ، بل يسكنها منذ القدم الكثير من العشائر العربية وكذلك العديد من الجاليات الاسيوية وخاصة الهنود والباكستانيين والافغان الذين كانوا ولا زالوا يجاورون مرقد الشيخ ( عبد القادر الكيلاني ) ولا زال منهم من يعرفون ببيت الهندي لحد الان ، وكذلك كانت تسكن المنطقة بعض العوائل  المصرية الاصل ولا زال احفادهم موجودين الى الان وانا اعرف منهم شخصياً عائلة متكونة من فروع واصول وينتمون الان الى قبيلة عربية معروفة ( ذبابين جرش )  ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فأن الاستاذ نسيم قزاز لا يعرف بالتحديد من اعتدى على السيارة التي تقلهم في ذلك اليوم ، خاصة وانه اطال الله في عمره كان في سن الحادية عشرة فقط من عمره وهذه الحادثة التي يرويها مر عليها الان ( واحد وسبعون سنة ) ، بقي هنالك شيء جدير بالملاحظة والتدقيق في شهادة السيد قزاز ، واقصد هنا العبارة التي يقول فيها (كثرت فيه ألاعتداءات على اليهود في الشوارع والطرقات من قبل الرعاع وكتائب الفتوة وحتى من رجال الأمن ) ، فيا ايها المنصفون متى كان الفيليون من الرعاع ومتى كانوا من رجال الأمن !!!؟؟ كما اريد التنويه الى خطأ بالتوقيت وقع فيه الدكتور نسيم قزاز ربما لأنه نقل ما عايشه شخصياً وهو بعمر صغير ، حيث ان الاحداث لم تبدأ في باب الشيخ اساساً ولم تبدأ بعد الظهر ( سوف ابين ذلك لاحقاً ) كما اشار في رسالته ، كما ان ما يرويه لا يتعدى كونه اعتداء من بعض الهمج الرعاع على سيارة تقل بعض اليهود وليس حادثة فرهود لا من بعيد ولا من قريب ، وجدير بالملاحظة ان البروفيسور شموئيل موريه ذكر في رسالته اعلاه عن السيد قزاز عبارة " وقد كتب عن ذكرياته ومساعدة الفيلية لعائلته بعد مصرع المغفور له والده" .. قال مساعدة الفيليين ولم يقل تسليب او نهب وفرهود ، كما ان اياً من الاستاذين قزاز وموريه لم يبين للقراء وللحقيقة انه في هذا اليوم كان العراق بلا حكومة اصلاً !! وكان الهرج والمرج يسودان بغداد على وجه الخصوص مدة شهر كامل ، كما لم يبينا ان يوم الفرهود ( الاحد 1/6/1941 ) كان يصادف عيداً لليهود ( عيد النبي يوشع ) ويصادف كذلك عودة الوصي عبد الاله الى العراق بعد فشل محاولة رشيد عالي الانقلابية ( وكل هذا سوف نبينه لاحقاً ) ، ولكني ادعو القراء الاكارم الى ملاحظة ان منطقة باب الشيخ التي اشار اليها السيدين قزاز وموريه سميت نسبة الى وجود مرقد الشيخ بعد القادر الكيلاني الجد الاعلى لرشيد عالي الكيلاني المعادي لليهود والقائم بالمحاولة الانقلابية في تلك الايام وللجمهور الكريم ان يستنتج من هذا الربط ما يشاء ، ولكن الثابت والواضح انه لا علاقة للكرد الفيليين لا كنسب بعائلة الكيلاني الكرام ولا كانتماء بمحاولة العروبيين الانقلابية .

 

وقفة مع التاريخ

لغرض الوقوف على احداث اليومين الداميين الاول والثاني من حزيران سنة 1941 ، لابد من مراجعة الاحداث وخاصة خلال الايام القليلة ( او الشهر ) الذي سبق اليوم الاول من حزيران ، ذلك اليوم الطويل الذي ابتدأت فيه الحوادث ضد اليهود ليس في بغداد فحسب وانما في منطقة العشار بالبصرة ايضاً .

قبل شهر ( تماماً ) من حوادث الفرهود اي في يوم  1 / مايس / 1941 ، قام رشيد عالي الكيلاني بمحاولته الانقلابية التي نتج عنها عزل الوصي عبد الاله وهروبه ( كان الملك طفلاً في عمر السادسة ) الى البصرة اولاً وبعدها قامت القوات البريطانية بتهريبه الى الاردن على متن المدمرة ( فالمون )  

 

وكذلك هروب نوري السعيد وجميل المدفعي وعلي جودت الايوبي ، واصبح البلد في حالة فوضى وفراغ دستوري بسبب هروب الوصي واستقالة وزارة الفريق طه الهاشمي وهروب عدد من الوزراء من كتلة نوري السعيد الى خارج البلد ، فقام رشيد عالي الكيلاني بتشكيل حكومة مصغرة اطلق عليها اسم ( حكومة الانقاذ الوطني ) حفاظاً على امن البلاد من التصدع ( !! ) وهو الذي قام بمحاولة انقلابية تسبب في اكبر فوضى وانفلات امني عرفه العراق في تاريخه الحديث ، وتم انتخاب الشريف شرف وصياً على عرش العراق بدل الوصي الهارب .

في ظل هذه الاوضاع المصيرية المتسارعة والمهمة وغير المستقرة في نفس الوقت كان من الطبيعي ان تعم الفوضى وتتعرض البلاد الى هرج ومرج ، وعند ربط العلاقة بين اليهود وتأييدهم للوصي الهارب وللبريطانيين باعتبارهم اعداء النازية وبين العروبيين والتيار القومي القائمين بالمحاولة الانقلابية ، يكون من الطبيعي ايضاً ان اول المتضررين من هذه الفوضى سيكون اليهود انفسهم ، اما عند التوضيح انه بعد فشل محاولة رشيد عالي الكيلاني وعودة الوصي عبد الاله الى بغداد في اليوم الذي صادف خروج اليهود للاحتفال بعيد النبي يوشع ( عيد نزول التوراة على اليهود ) ، فيكون كذلك من الطبيعي جداً ان يتعرضوا الى اعتداءات من بقايا انصار الانقلابيين ، حقداً عليهم وانتقاماً منهم وظناً بأن اليهود انما خرجوا فرحين بفشل انقلاب الكيلاني وخسارة الجيش العراقي لمعاركه مع القوات البريطانية ومحتفلين بعودة الوصي عبد الاله ، خاصة وان مكان احتفال اليهود بعيدهم كان عند مرقد النبي يوشع المجاور والقريب جداً من المطار المدني ( مطار المثنى ) الذي حطت فيه طائرة الوصي عبد الاله في صباح نفس اليوم .

 

في بحث قيم للبروفيسور كاظم حبيب نشره قبل سنة بمناسبة الذكرى السبعين لفاجعة الفرهود ، تناول بجهد واضح كما تعودنا منه الاحداث السياسية التي سبقت فرهود اليهود وأدت في بعض تداعياتها الى الفرهود ، واستعرض العديد من الامور التي انقل لكم منها ما يتعلق باليومين الاخيرين قبل الفرهود حيث يقول :

انتهت الحركة الانقلابية بمغادرة مجموعة القيادة العسكرية والسياسية البلاد, ولاسيما القيادة الحزبية التي قادت العملية سياسيا وعسكرياً، وكانت تقف على رأس الحركة أثناء العمليات العسكرية بين القوات البريطانية والقوات العراقية. وعقد آخر اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة رشيد عالي الگيلاني في 27 مايس/أيار من عام 1941 . ثم صدر عنه القرار رقم س 3646 بتاريخ 28/5/1941 القاضي بتشكيل ( لجنة الأمن الداخلي في العاصمة والطوارئ ) حيث تم انتخاب أمين العاصمة رئيساً لها. وهي اللجنة التي وقعت اتفاقية الهدنة مع القوات البريطانية، والتي بدأت مفاوضاتها لوقف زحف القوات البريطانية على بغداد التي تمت في 31/5/1941. وفي التاسع والعشرين من مايس/أيار، غادر رشيد عالي الگيلاني بغداد، وكذلك المفتي الحاج أمين الحسيني باتجاه إيران. وكان آخر من غادر العراق من المجموعة القيادية على الأرجح، هو السياسي البارز والمتميز في الحركة الانقلابية ووزير الاقتصادي محمد يونس السبعاوي. إذ أنه واصل العمل في بغداد، وأعلن نفسه حاكماً عسكرياً لمنطقة بغداد والمنطقة الجنوبية، وطالب باستمرار المقاومة ضد القوات البريطانية. ولكن لجنة الأمن الداخلي، استطاعت إقناعه بعدم جدوى المقاومة، وطلبت منه مغادرة البلاد باتجاه إيران . ثم بدأت بعدها التفاوض مع القوات البريطانية لغرض إعلان شروط الاستسلام. وعلى أثر ذلك حلت كتائب الشباب، ومنها مجموعة الدفاع عن السبعاوي (حرس السبعاوي-الفدائيون) . وجدير بالذكر هنا أن السبعاوي، عمد إلى تشكيل ثلاث منظمات شبابية شبه عسكرية لحمايته، والدفاع عن الحركة الانقلابية، والتصدي للقوات البريطانية الزاحفة صوب بغداد، وهي (كتائب الشباب) و (الحرس الحديدي) و(فدائيو يونس السبعاوي) . وهذه الكتائب كانت في طليعة القوى التي هاجمت اليهود، ونفذت فاجعة الفرهود في بغداد.

 
اما بخصوص الفرهود فيمضي البروفيسور كاظم حبيب قائلاً :

في الأول من حزيران عام 1941 أطلقت القوى الشوفينية المتطرفة ذات العلاقة الوثيقة بقوى حركة رشيد عالي الگيلاني المناهضة لليهود؛ حملات عدوانية شرسة منظمة وواعية وهادفة ضد المواطنات والمواطنين اليهود في بغداد، تميزت بالعنف والشراسة واستخدام السلاح، تساندها جمهرة جاهلة غير واعية من الأوساط الشعبيةً ومن الرعاع الذين يتحينون أي فرصة للمشاركة في عمليات النهب والسلب والقتل التي تحركها تلك القوى المنظمة، وعصابات الجريمة, أي تلك القوى التي تأثرت كثيراً بالدعاية الفاشية في العراق، والتي أصابتها خيبة انهيار الانقلاب، وعودة قوات الاحتلال البريطانية للسيطرة الكاملة على العراق، وإرغام العراق على عقد اتفاقية الهدنة المذلة. أطلق على هذه الحملة (فاجعة الفرهود) . وكان المشاركون في حملات العنف هذه التي اقترنت بعمليات السلب والنهب والقتل والتدمير ضد العائلات اليهودية والمحلات والمصالح التابعة لليهود في بغداد، يهزجون في شوارع بغداد "حلو الفرهود كون يصير يومية" والتي تعني (حلوة عمليات السلب والنهب والقتل وإشعال الحرائق ضد اليهود عسى أن تتكرر يومياً). ولم تكن جمهرة من الجنود وحدها وراء هذه العمليات الإجرامية فحسب، بل كانت أيضاً جمهرة من الشرطة المسؤولة عن أمن المواطنات والمواطنين والمدنيين والمدعومة من بعض الضباط وبعض رجال السياسة من المعسكر القومي الشوفيني ، فضلاً عن كتائب الشباب التابعة للحركة الانقلابية. كتب السيد مير بصري عن هذه الفاجعة يقول: "كان الحاج طاهر محمد سليم من أشراف بغداد عائداً إلى داره المطلة على شارع غازي (الذي سمى بعدئذٍ شارع الكفاح) فرأى شباب يهود ينزلون من السيارات العامة ويذبحون, فتجري دماؤهم البريئة على قارعة الطريق. أسرع في سيره ودخل مركز الشرطة وقال لرجاله: ألا ترون المذبحة أمامكم, فأين شهامتكم المسلكية وغيرتكم العربية؟ لكنهم سخروا منه وقالوا له: أذهب إلى دارك, أيها الحاج, فلا شأن لكَ في الأمر, وخرج يجر أذيال الخيبة, وحاول عبثاً ردع الرعاع, ولم يجد بداً من المضي إلى داره كئيباً" .

 وقد راسلت البروفيسور كاظم حبيب قبل سنة من الان سائلاً عن الربط بين الفيليين وبين فرهود اليهود وانقل لكم ادناه نص المراسلات الاربعة :



(1)

مساء الورد بروفيسور

هل في ذاكرتكم اي شيء بخصوص ان الفيليين هم ( اول ) من بدأ الفرهود في باب الشيخ ؟

لست اسأل يا سيدي هل شاركوا أم لا وانما هل هم الاول ام لا

ما الذي تستطيع افادتي به بخصوص هذا الموضوع

شكراً على سعة صدركم وبانتظار ردكم الكريم

عصام

 

(2)

أخي العزيز الأستاذ عصام أكرم الفيلي المحترم

تحية طيبة

هذه أول مرة في حياتي اسمع بأن كرداً فيليين بدأوا الاعتداء على اليهود في عمليات ومجزرة الفرهود في بغداد.

لم يكن هم الأول ولا الآخر حسب علمي.

بل كانت حثالة من التنظيمات الشبابية التي شكلها يونس السبعاوي, وهي:

ثلاث منظمات شبابية شبه عسكرية لحمايته، والدفاع عن الحركة الانقلابية، والتصدي للقوات البريطانية الزاحفة صوب بغداد، وهي (كتائب الشباب) و (الحرس الحديدي) و(فدائيو يونس السبعاوي) وهذه الكتائب كانت في طليعة القوى التي هاجمت اليهود ، ونفذت فاجعة الفرهود في بغداد. كما شاركت مجموعة من العرب الأوباش الذين كانوا ينتظرون سرقة أموال اليهود أو الاعتداء على أعراضهم أو حتى قتلهم.

 إقرأ رجاءً كتابي عن يهود العراق الصادر في السليمانية, مؤسسة حمدي للطباعة والنشر.

 مع خالص الود والتقدير.

 كاظم حبيب

 

( 3 )

شكراً جزيلاً على تكرمكم بعناء الرد

في الحقيقة انا ابحث في موضوعة تقول بأن الكرد الفيليين في شارع الكفاح هي اول من بدأ الفرهود ، وهذه المعلومة اوردها احد الاخوة من يهود العراق وبغداد على وجه التحديد قبل عدة سنوات ..  فأخذت بالبحث والتقصي عن اساس هذه المعلومة في اوساط اهلنا في ( عكد الاكراد ) والمناطق المجاورة وفي اوساط كبار السن في اماكن عدة .. وقبل يومين عاد هذا الموضوع من خلال احدى المجموعات على الفيس بوك .

 اتصلت يوم أول امس بالدكتور شموئيل ( تربطني معرفة سابقة به ) وطلبت منه تفاصيل هذه الحالة أو الاتهام ، فقال ان المعلومة وصلته من احد الاشخاص الذين يثق فيهم وعرفني اليه وانا حالياً اراسله خاصة وقال انه شخص معروف بالدقة واختصاصه التاريخ العراقي وهو ايضاً من الاخوة يهود العراق قد تجاوز عمره الثمانين عاماً ، وسوف انشر النتائج قريباً ان شاء الله .

وبخصوص كتابكم فهو الباعث الاساسي الذي دعاني الى مراسلتكم بالاضافة الى اسمكم الغني عن التعريف .

 

تفضلوا بقبول وافر احترامي وتقديري لشخصكم الكريم واشكركم جزيل الشكر على المعلومات القيمة التي رفدتموني بها .

دمت سالماً

عصام

( 4 )

أخي العزيز الأستاذ عصام الفيلي المحترم

تحية طيبة

أود أن أشير لك بأن عملية الفرهود لم تكن عفوية, بل كانت منظمة من قبل قوى  اليمين المتطرف المناهض لليهود.

والقوى الرئيسية التي مارسته تلك التي أشرت اليكم فيها.

انقلاب مايس 1941 ايدته الكثير من القوى السياسية في حينها باعتباره ضد الإنجليز. والأحداث التي جرت يمكن ان يكون قد انجر إليها احد الكرد الفيلية, سواء جهلاً أو كراهية لأن الفيلية ايضاً من المسلمين ويمكن أن يكون قد تأثر بالدعاية ضد اليهود التي راجت حينذاك. ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الشخص حتى  لو كان صحيحاً ولا يمكن أن يكون هو البادئ, إذ أن العملية كانت بايدي القوى المنظمة لها.

لهذا ورغم تحريكم عن الموضوع, وهو أمر يخصكم طبعاً, لأن السؤال الأساسي هو من هم المنظمون ومن هم الفاعلون بأكثريتهم. لم يكن السنة فقط من شارك, ربما الكثير من الشيعة ايضاً. ولهذا لا يجوز التعويل على رأي شخص واحد مهما كان ثقة ولا لمشاركة الكرد الفيلية ولو كان شخصاً أو حتى عدة اشخاص.

مع التقدير

كاظم حبيب

 

شهادات:

( 1 ) شهادة شيخ المؤرخين العراقيين السيد عبد الرزاق الحسني :

صادف يوم الاحد اول حزيران 1941 عيد زيارة النبي يوشع عند اليهود فخرج لفيف منهم الى المطار المدني للتنزه وللتفرج على مهرجان الامير عبد الاله ، وكان فريق من المسلمين والمسيحيين قد خرج الى هذا المطار للغرض نفسه ، فحدثت مشادة كلامية بين احد اليهود واحد المسلمين أدت الى ضرب ولكم اشترك فيهما لفيف من الفريقين واسفر عن جرح سبعة عشر يهودياً ووفاة اثنين من المجروحين فأسف الجميع لهذا الحادث غير المنتظر ، واعتبر حادثاً اعتيادياً انتهى باعتقال المعتدين ، فلما كان مساء اليوم المذكور اذاعت متصرفية لواء بغداد البيان الاتي بناءً على طلب من لجنة الامن الداخلي ( يسمح للجمهور التجول في العاصمة وضواحيها ليلاً كالسابق بدون تحديد الوقت اعتباراً من مساء الاثنين الموافق 2/6/1941 )  .



( 1 )

شهادة المحامي العراقي اليهودي انور شاؤول :

وكما تكشفت حركة رشيد عالي الكيلاني الفاشلة وملابساتها الهوجاء, بالنسبة ليهود العراق, عن ضراوة في طباع بعض الناس وخسة في أخلاقهم فلا رادع من قانون ولا وازع من ضمير, فقد روت الأحداث أعمالاً طيبة قام بها أناس طيبون من المسلمين لنصرة من يعرفونهم ولا يعرفونهم من جيران لهم يهود كانوا في أمس الحاجة إلى حمايتهم. وأن أنس لا أنس المبادرة الفريدة الحميدة التي قام بها الواعظ الشيخ المفضال الأستاذ جلال الحنفي إذ توجه عن طريق الإذاعة إلى جماهير الشعب العراقي ظهر اليوم الثاني من حزيران, والنظام في بغداد وسائر مدن العراق ما زال سائباً والغوغاء ما زالت تتحين الفرص, بنداء بليغ حذر فيه الناس من مغبة الاعتداء على اليهود .

( 2 )

 شهادة طه الهاشمي :

1 حزيران 1941 / جائني عزيز سامي واخبرني بمهاجمة الجماهير لدور اليهود وعلى رأسهم الجنود وان الشرطة عجزت عن صدهم وان حسام الدين جمعة مدير الشرطة العام يشرف على الامن ويطلب الينا ان نسد الابواب وان نكون على حذر.

 

2 حزيران 1941 / استمرت الجماهير على النهب والسلب والتفت حولها جماعات من الشرقاويين واهل العمارة الذين نزحوا الى بغداد وعملوا في اعمال امانة العاصمة ويظهر ان اكثر الجنود شجعوهم على اعمالهم وان الشرطة اصبحت عاجزة عن صدهم وقيل ايضاً ان الشرطة اشتركت معهم .

 

( 3 )

شهادة أمين المميز :

عندما هاجم بعض الاهالي على بيوت اليهود ومحلاتهم التجارية وفرهدوها استطاعت قوات الشرطة من استعادة بعض الاشياء وكدستها امام المخافر وفي شارع ابي نؤاس وامام باب وزارة الدفاع في شارع الرشيد لعدة اسابيع .

 

( 4 )

شهادة محمود الدرة

دعاني العقيد الركن نور الدين محمود انا والمقدم حقي عبد الكريم وطلب منا ان نتعاون معه على ايقاف الفوضى والفرهود في بغداد فاقترحت ان يعلن منع التجول ما بين الخامسة بعد الظهر والسادسة صباحاً وان يطلق الرصاص على اي شخص يخالف هذا الامر ، فوافق مدير الحركات العميد محمود نور الدين على الفكرة فكتبت بياناً بالمعنى المذكور وطلبت منه توقيعه لاعلانه في الاذاعة فرفض لأن هناك في الجيش من هو اعلى منه رتبة بعد ان عاد اللواء اسماعيل نامق من المنصورية الى بغداد وقبع في ديوانه برئاسة اركان الجيش ، فقصدناه انا وحقي عبد الكريم وعرضنا عليه البيان فخاف من المسؤولية وبعد الاتصالات الهاتفية التي كان قد اصدرها الوصي الذي وصل بغداد وقع اللواء نامق البيان فاذيع بواسطة سيارة متنقلة فيها ميكروفون . ولعدم توفر القطعات الكافية لحفظ النظام فلقد عادت الفوضى ليلاً وعمت مدينة بغداد بعد ان اشترك الجنود العائدين من جبهات القتال بالانتقام من اليهود .

 

( 5 )

شهادة مديحة سلمان ( زوجة محمود سلمان احد العقداء الاربعة وقائد القوة الجوية في حركة مايس 1941 ) :

بعد يومين من اعلان الهدنة دخلت القوات البريطانية بغداد وكان اليهود في استقبال القطعات ينثرون عليها الازهار والاوراق ويتحدون الشعور الوطني بل يسمعون الاهالي كلمات التشفي بكل صلافة فتحرك ابناء الشعب ضدهم ونزلوا بهم تقتيلاً وتجريحاً ونهباً وسلباً وتحولت بغداد في تلك المرحلة الى قطعة من الجحيم فالنار لاهبة في محلات وميادين عديدة وازيز الرصاص يدوي هنا وهناك والدماء تسيل في الشوارع واستمرت هذه الفوضى ثلاثة ايام بلياليها .

 

( 6 )

شهادة طاهر البياتي ( احد افراد كتاب الشباب التابعة ليونس السبعاوي ) :

اما الفرهود الذي وقع في بغداد وزمرت له الدعايات الصهيونية فهو باختصار كما شهدته انا شخصياً ان الجنود العراقيين رجعوا من جبهات القتال منهوكي القوى ومتعبين نفسياً لخسارتهم المعركة مع الانكليز وان بعضاً من العناصر العسكرية الصهيونية قدمت العراق برفقة القوات البريطانية وكنا قد سمعنا بمقتل قائد صهيوني كبير في الحبانية وعندما خرج اليهود بكامل زينتهم لاستقبال عبد الاله كانوا شامتين بخسارة الجيش وتحرش بعض اليهود بالجنود العائدين ونشبت معركة .

 

الدور البريطاني

رغم ان القوات البريطانية التي كانت على مشارف بغداد كانت تستطيع التدخل لوقف ومنع الاعتداءات ضد اليهود الا انها لم تفعل ربما كجزء من الخطة الساعية الى اجبار يهود العراق على الهجرة الى اسرائيل ، وكان السفير البريطاني في بغداد كنهان كورنواليس يعلم بالحوادث التي بدأت ضد اليهود الا انه لم يحرك ساكناً ولم يوعز بالتدخل ، ويشير البروفيسور كاظم حبيب نقلاً عن الدكتور داود سلمان الى الدور البريطاني في تلك الاحداث قائلاً ان القوات البريطانية التزمت بالتعليمات التي اصدرها القائد العام للقوات المسلحة للحلفاء الجنرال ويغل ولم تحرك ساكناً عندما حصل الاعتداء ، بل إنها كانت سبباً في فسح المجال أمام العرب للاعتداء على اليهود ، ويلخص بروف حبيب تلك التعليمات بالنقاط التالية مبيناً انها ساعدت الاعراب المحيطين بالعاصمة على مهاجمة بيوت اليهود ونهبها :

1 – الوصول إلى السفارة البريطانية في الكرخ في الوقت المناسب، لرفع الحصار الذي فرضه عليها الجيش العراقي، وليتسنى للسفير السر كننهان كورنوال حرية الحركة.

2 – السيطرة على رؤوس الجسور من جانب الكرخ والكاظمية لمنع وصول الغوغاء إليها.

3 - عدم التدخل في الاعتداءات الدموية الدائرة في شوارع الرصافة في بغداد ضد اليهود.

4 – عدم التدخل في الشؤون العراقية الإدارية والداخلية وعدم النيل من استقلاله.

5- تشجيع العراقيين على الاستمرار في ممارسة مسؤولياتهم المدنية كما كانوا عليه قبل قيام رشيد عالي الكيلاني وضباطه الأربعة بانقلابهم

 كما يشير الى تأكيد الدكتور سلمان درويش لذلك الدور البريطاني المساعد على الاحداث ضد اليهود بنقله محادثة هاتفية جرت بين ضابط عراقي وبين مرافق السفير البريطاني ( كورنواليس ) الكابتن هولت الذي امتنع عن إيقاظ السفير وإبلاغه بالمجزرة الجارية ضد اليهود في جانب الرصافة بقوله : إن السفير يعرف ما يجري من إطلاق نار وسلب . ولكنه يعتبر ذلك مسألة داخلية لا يجوز للقوات البريطانية التدخل فيها .

 
الرواية الرسمية للحكومة العراقية

بناءً على قرار مجلس الوزراء المرقم ( 3288 ) في 7/حزيران/1941 تشكلت لجنة رسمية حكومية للتحقيق في حوادث الفرهود وكانت برئاسة السيد ( محمد توفيق النائب ) وعضوية ممثل عن وزارة الداخلية هو السيد ( عبد الله القصاب ) وكذلك بعضوية ممثل عن وزارة المالية هو السيد ( سعدي صالح ) ، وببعض الجهد حصلت قبل ايام على النص الكامل للتقرير الذي رفعته هذه اللجنة وما توصلت اليه على مدار اثنتي عشرة جلسة تحقيقية ، على الصفحة الاولى من التقرير نقرأ عنواناً يقول ( خلاصة القضية ) وهذا هو ما ابحث عنه ، وانقل لكم ادناه النص كما ورد في المحضر :

انه في يوم 1/6/1941 اعلن على الملأ خبر تشريف صاحب السمو المعظم فهرع الناس لاستقبال سموه ، وقد خرج بعض افراد اليهود مستبشرين فرحين بمناسبة حلول عيد النبي يوشع ، وانفراج ازمة الاصطدام المسلح ، وعندما وصلوا جسر الخر صادفهم بعض الجنود وشاهدوهم على تلك الحالة فلم ترق لهم واثارت حفيظتهم فانهالوا عليهم ضرباً ولكماً وجرحاً بالسكاكين ، فهرب منهم من استطاع الهروب ومن لم يستطع فقد جرح ، وشاركهم في هذا الحادث بعض الاهلين ووقع هذا الاعتداء على مرأى من الشرطة ومن رجال الانضباط العسكري ، ثم اخذت الشرطة تجمع المجروحين وتنقلهم الى المركز ( في الكرخ ) وقد بلغ عدد الجرحى ستة عشر شخصاً وقتيلاً واحداً ، وقد ارسلوا الى المستشفى ، فتجمهر الناس امام المستشفى بغية الهجوم عليه والفتك بالممرضين والممرضات من اليهود فخرج عليهم مدير المستشفى السيد ( جميل دلالي ) ورجاهم ان يتفرقوا فطلبوا اليه ان يسلمهم اليهود من رجال ونساء فأجابهم بأن النساء خادمات الانسانية فطالبوا بالرجال وخاصة اليهودي ( حسقيل المضمد ) فوعدهم وذهب واخبر الشرطة فحضر فصيل من القوة السيارة وبدد الجمهور وقبض على عدة اشخاص منهم ، ولم تجري آنذاك التعقيبات ضد الجنود والاهلين وقد شاع ذلك بطبيعة الحال بين الطبقات ومن في قلوبهم مرض فحصل اعتداء آخر في جانب الرصافة وشوهدت جثة قتيل على رصيف شارع غازي ( الكفاح حالياً / عصام ) بالقرب من السينما فاخبرت الشرطة وحضر المعاون ولم يعرف القاتل وفي هذه الاثناء جاء يهودي مجروح وسقط على الارض ومات قبل ان يخبر عن الذي قتله ، ولقد لحق علم الشرطة آنذاك بوجود عدة قتلى في محلة ( ابو سيفين ) فذهبت وجمعت القتلى وكان عددهم ثمانية ، وتبين ان الفاعلين هم بعض افراد الجنود وشاركهم بعض الاهلين .

 مما ذكر اعلاه تتبين لنا بوضوح التفاصيل الدقيقة لما جرى وكيف بدأ واين ، ولا يرد كما لاحظتم بالتأكيد اي ذكر للفيليين لا من بعيد ولا من قريب ، وننتقل الى صفحات اخرى من التقرير الحكومي فنتوقف عن بعض النقاط والتفاصيل ونقرأ :

1.ان متصرف بغداد كان يتجول في شارع الامين ومعه مدير شرطة بغداد فصادف بعض افراد الجنود ومعهم رشاش وكانوا يطلقون النار على دور اليهود وادعى أنه أمر الشرطة بعدم اطلاق النار مع ان بعض الجنود اطلقوا نيرانهم على المتصرف ( ! ) ومدير الشرطة ( ! ) فلاذا خلف جدار هناك ولولا ذلك لاصابهم وابل الرصاص .

2.شوهدت سيارة للجيش في شارع الامين تنقل اثاثاً بيتية من بعض دور اليهود فتعرض لها السيد علي خالد الحجازي ( من كبار ضباط الشرطة وكان مدعوماً من البلاط الملكي ، تولى فيما بعد منصب مدير الشرطة العام / عصام ) فأجيب بأن هنا مقر للطيران قد انتقل وانهم ينقلون اثاثه !

3.جاءت سيارة لوري عائدة للجيش لمحلة السنك وكانت بدون رقم وفيها ضابط برتبة ملازم أول ومعه اربعة جنود مسلحين وحاملين بأيديهم الهيمات ( الات حديدية ضخمة تستعمل للقطع والكسر ) ووقفت عند مقر مدرسة الصنائع واجتمع عليها تلامذة المدرسة المذكورة و ( كتائب الشباب ) ثم هجموا على دور الحي العائد لليهود وكسروا ابواب تسعة منها واخلوا ما فيها من متاع واثاث وتركوها تنهب .

4.كان بعض افراد الشرطة يلج بيوت اليهود ويطلب منهم أجر المحافظة عليهم فيدفعون ما كان موجوداً لديهم الا ان الشرطة لم تكن تكتفي بذلك بل كان بعض افرادها يساعدون الاهلين على السلب والنهب وشاركهم في هذا الاعتداء بعض تلامذة المدرسة الثانوية العسكرية .

5.حوادث السلب والنهب في الكرخ وقعت في بادىء الامر من قبل بعض افراد الجيش وقد شاركهم ( بتحريض منهم ) بعض الهمج من الاهلين فنهبوا اربعة دور وثالثة عشر دكاناً .

6.في الاعظمية هجم بعض الجنود على البيوت وقد نهبوا عشرة دور أو اكثر .

7.في الكرادة الشرقية في الساعة التاسعة والنصف صباحاً باشر بعض افراد الجيش بالقتل والنهب والسلب وجرحوا ستة اشخاص من اليهود وقتلوا واحداً من المسلمين عند قيامه بحراسه دار احد اليهود ، وقد عرف منهم اربعة اشخاص هم حسون ابن مجيد رقم 167 من الفوج الثالث – سرية الاسناد ورئيس عرفاء عبد محمد الضاحي من نفس الوحدة وحارساً يعمل في القطارات يدعى مصطاف وجندي آخر من الطيران .

8.نهب الدور في الكرادة الشرقية وقع من قبل بعض الضباط والجنود وشاركهم بعض الاهلين فتم نهب احدى وستين داراً وثلاثة حوانيت .

وفي صفحة اخرى من تقرير اللجنة التحقيقية الحكومية وتحت عنوان ( المسؤولون عن الاضطرابات ) نقرأ التالي :

يظهر مما تقدم ان البدء في الاضطرابات كان قد وقع من قبل بعض الجنود مباشرة واشترك معهم الاهلون وكان في الامكان توقف هذه الحركة لو كانت دائرة الانضباط العسكري قبضت عليهم في اليوم الاول في ( الكرخ ) واوقفتهم وبثت رجال الانضباط للحيلولة دون وقوع الحوادث لتمكنت بذلك من دفع وقوعها في اليوم الثاني في ( الرصافة ) ، غير ان اهمالها وتقاعسها وتغاضيها واشتراك بعض رجال الانضباط في الحركة قد شجع الباقي على تسرب الحوادث الى الرصافة ، كما ان الشرطة لو كانت حازمة وقائمة بواجباتها في المحافظة على الامن والقبض على المعتدين الذين قاموا بأول حركة في الكرخ لكانت قمعتها من فورها ومنعت تسربها الى الرصافة .

وعليه تجد اللجنة ان المسؤولية في الدرجة الاولى تقع على مدير الشرطة العام السيد حسام الدين جمعة ومتصرف بغداد السيد خالد الزهاوي ومدراء الشرطة السيد ابراهيم الشاوي في الكرخ والسيد عبد الله عوني في السراي والسيد درويش لطفي في منطقتي العبخانة والكرادة ومدير شرطة بغداد السيد عبد الرزاق فتاح ، كما تقع المسؤولية في الدرجة الثانية على آمر الانضباط العسكري المقدم مظفر ابراهيم والذين تحت امره من الضباط والجنود وكذلك آمر الفرقة الاولى عبد الحميد رأفت الذي كان بامكانه منع الجنود من الخروج من ثكناتهم بعد ان وقعت حادثة الكرخ .

 ومن الجدير بالذكر انه تم في 28 / ايار / 1941 وبقرار لمجلس الوزراء يحمل الرقم ( س / 3646 ) تم تشكيل لجنة الامن الداخلي والطوارىء في العاصمة وهي التي وقعت اتفاقية الهدنة مع القوات البريطانية بعد معارك الشعيبة والحبانية وهي التي بدأت مفاوضاتها لوقف زحف القوات البريطانية على بغداد ، وبخصوص لجنة الامن الداخلي هذه يذكر تقرير اللجنة التحقيقية ما يلي :

ان لجنتنا لا تستطيع تبرئة اعضاء لجنة الامن مبدئياً لا سيما وانها قد ارتكبت غلطة كبيرة لا يستبعد ان يكون لها نصيب كبير في هذه الاضطرابات وذلك باخراجها يونس السبعاوي وصديق شنشل من العراق واعطاء الاول مائة دينار ( باعتباره راتب شهري ) وبذلك فقد شجعت جماعة يونس السبعاوي وكتائب الشباب والحرس الحديدي والقوة السبعاوية وغيرهم من المجرمين الاشرار الذين كانوا ملتفين حوله والذين اشتركوا جميعهم في هذه الحوادث المؤسفة .

كما يوضح التقرير ان الاسس التي احدثت هذه الاضطرابات هي الدعاية النازية عن طريق المفوضية الالمانية ومفتي القدس أمين الحسيني وحاشيته ( الذي كان زعيماً لحزب سري اسمه حزب الشعب ويضم في عضويته كلاً من رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة ) ، والمعلمون الفلسطينيون والسوريون في العراق ، ومحطة الاذاعة الالمانية باللغة العربية ، والاذاعة العراقية ( سيطرت عليها في تلك الفترة جماعات موالية للانقلابيين ) ، وكتائب الفتوة والشباب .

ويعود التقرير ليشير بالنص الى :

" ان اهم العوامل التي شببت هذا الاضطراب وان الذي ابتدأ بها هم بعض الجنود وضباط الجيش وهم الذين بدأوا بالقتل والنهب والسلب وقد شاركهم بعض افراد وضباط الشرطة وشجعوا بذلك العامة على تلك الافعال الشائنة "

 فيا ايها الاخوات والاخوة الاكارم .. اين الكرد الفيليين من كل هذا !!؟؟؟


الخاتمة

يتبين لكم مما ذكر اعلاه ان لا علاقة اطلاقاً بين الكرد الفيليين وبين فرهود اليهود ولايجاز ذلك نقول :

1.الحملة ضد اليهود من وجهة نظري لم تبدأ في 1 / حزيران / 1941 ، بل بدأت منذ صدور القانون المسمى بــ ( قانون الطائفة الاسرائيلية ) المرقم ( 77 ) لسنة 1939 ، ذلك القانون المتكون من عشرين مادة تتفرع الى عشرات الفقرات التي تعزل ما اسمته ( الطائفة الاسرائيلية ) عن باقي فئات الشعب العراقي وتتدخل في كل خصوصياته ومجالسه ورؤسائها واعضائها وتقسمها الى مجالس عمومية ومجالس روحانية ومجالس جسمانية ( كذا ) ، ويتدخل هذا القانون ايضاً في المحاكم الدينية لليهود وتشكيلها واعضائها ، بل يتدخل في قضايا النكاح والمهر والطلاق والفراق والنفقة الزوجية !!

2.الموضوع اكبر من قيام بعض الافراد ( من أي انتماء او جهة كانوا ) بالاعتداء على سيارة في عكد الاكراد وانما هو فوضى عارمة لها تداعيات دولية ومحاولة انقلابية وهروب للوصي والقيادات المرتبطة به وحرب بين الجيش العراقي والبريطاني واحتلال القوات البريطانية للبصرة والحبانية وزحفها على بغداد وبلد كان في تلك الايام بلا حكومة وبلا ملك وبلا وصي على العرش وكان الرعاع يملئون شوارع بغداد بلا اي رادع .

3.الفاعلين الرئيسيين لحوادث الاعتداء على اليهود هم من الجيش وبقاياً اتباع رشيد عالي الكيلاني ويونس السبعاوي .

4.الشاهد الرئيسي والمسبب لنظرية بدأ الفيليين لفرهود اليهود وهو الدكتور نسيم قزاز ، ظهر انه كان يتحدث عن حادثة اعتداء بعض الهمج على سيارة تقل يهوداً لا اكثر من هذا .

5.بداية الاحداث لم تكن في باب الشيخ ( في رصافة بغداد ) اساساً وانما كانت قرب المطار المدني في جانب الكرخ.

وختاماً .. اذكر الدكتور نسيم قزاز والأخ العزيز البروفيسور شموئيل موريه بكتاب المرحوم الاستاذ اسحاق بار موشيه ( تولد 23 كانون الثاني 1927– توفي 2003 ) المطبوع سنة 2004 ( يومان في حزيران ) الذي تكفي قراءته حتى لو كان مصدراً وحيداً لمعرفة الا علاقة للفيليين لا من بعيد ولا من قريب بفرهود اليهود ، إذ على امتداد ( 154 ) صفحة لم يرد ذكر الفيليين ولا مرة واحدة رغم ان الكتاب يتناول انطلاق شرارة الفرهود ويتناول احداث اليومين الاول والثاني من حزيران 1941  فقط .

واتمنى من الاستاذ موريه ان يصحح اللبس الذي حصل في الحلقة السادسة من مذكراته ، خاصة وانه أكد لي شخصياً انه ينوي توضيح بعض الافكار حول تسجيل صوتي لجلسة بغدادية جرى قبل شهر من الان وتناولت فيها مذكرات بروف موريه وخاصة ما نقله حول علاقة الفيليين بالفرهود وارسلته له ، حيث جرت بيني وبينه قبل ايام قلائل ( 8 / تشرين الاول / 2012 ) المراسلات التالية :


( 1 )

اخي العزيز عصام، حفظه الله تعالى

شكرا على رسالتكم المفصلة ، وارجو نقل ما دار في الجلسة البغدادية هو حول الفرهود وحولي، لاني مهتم بها واريد توضيح بعض الافكار فيها

 مع شكري وتحياتي وبانتظار ما تخبؤه الاقدار من مفاجآت سارة،

اخوكم وجاركم

سامي

( 2 )

اوكي سيدي اتفقنا ..  ولكن امهلني بعض الوقت لأني سوف ادرج مع موضوع التسجيل رأي الاستاذ نسيم قزاز الموجود لدي منذ فترة طويلة حيث راسلته سابقاً بخصوص نفس الموضوع ولا زالت اجابته موجودة عندي وكذلك ادراج رأي بروفيسور كاظم حبيب  والموجود عندي ايضاً ..

 دمت سالماً

عصام



( 3 )

الاستاذ الفاضل عصام الفيلي المحترم

شكرا على ردكم السريع ولك كل الوقت ، الاساتذة الذين ذكرتهم من كبار الباحثين الموثق بهم ، وانا بانتظار مقالكم الحصيف لكي نجعله مدار نقاش بين باقي القراء العراقيين والذين عاصروا الاحداث، وآراؤهم وتعليقاتهم مهمة جدا للحقيقة والتاريخ .

 المخلص والشاكر لكم تفهمكم

سامي

والان وقد اكملت المادة التي عملت عليها طيلة الفترة الماضية ، اقول للعزيز بروف موريه .. يا سيدي العزيز .. الفيليون اناس بسطاء كادحين مسالمين ، الفيليون ليسوا عصابات سرقة ونهب و ( فرهود ) ، الفيليون عانوا مثلما عانيتم وهم اهل البلاد الاصليين ولكن الانظمة الحاكمة هجرتهم وقتلت اولادهم وشتتت بقاياهم في المنافي ، افلا يكفي كل هذا الظلم حتى يقع عليهم ظلم آخر ويتهمون بعد سبعين سنة بأنهم سبب فرهود اليهود ؟؟

عصام اكرم الفيلي

19/10/2012

 
ملحق فوتوغرافي :

  

       

  

   

  
المصادر :

·مجموعة من المقابلات واللقاءات والمراسلات الشخصية

·حركة مايس الانقلابية والفرهود ضد اليهود / أ.د. كاظم حبيب

·الاسرار الخفية في حركة مايس التحررية / عبد الرزاق الحسني

· تاريخ الوزارات العراقية / عبد الرزاق الحسني

·الحرب البريطانية العراقية / محمود الدرة

·مذكرات طه الهاشمي

·بغداد كما عرفتها / امين المميز

·الاسيرة رقم 93 / مذكرات مديحة السلمان

·تقرير اللجنة التحقيقية الحكومية المشكلة بشأن الفرهود بقرار من مجلس الوزراء والصادر في 8 / تموز / 1941

· قانون الطائفة الاسرائيلية رقم ( 7 ) لسنة 1939

·مجلة الف باء / العدد 1449 – تموز 1996

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

847 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع