الدكتور سامان سوراني
قبل مدة قصيرة تمكنت التنظيم الإرهابي التي خرجت من جلباب القاعدة والمسمی بـ"الدولة الإسلامية" أو "داعش" سابقاً بالإستيلاء علی المشهد العالمي وتداول هذه الظاهرة بشكل لم يسبق له مثيل بعد عرض مجازرها وأعمالها الهمجية والبربرية في العالم السبراني ، منها قطع الرٶوس و هتك الأعراض والقتل الجماعي وتهجير الأقليات والطوائف و سرقة البنوك وإقامة الحدود.
تلك المشاهد والأعمال الإرهابية الحاملة لأفكار السلفية الجهادية التكفيرية تثير عند الإنسان المتحضر القشعريرة والرعب في آن واحد وهذا ما تهدف اليه هذە المجاميع المنظمة والممولة بشكل مادي ومعنوي من جهات داخلية وخارجية لضمان المصالح اللاإنسانية لأطراف تتاجرعلناً بأسم القيم والديانة والحضارة.
العقل الإرهابي الراديكالي المنتمي الی العصور الوسطی لا يرى في سبيل تحقيق غايته الدنيئة أي حرج في إراقة الدماء ، سواء كان الطرف الآخر أخذ بالإسلام ديناً أم آمن بديانة أخرى.
أما الشخصيات التي ترسم الأفكار في هذا التنظيم فهي تستنسخ آليات التنظيمات الجهادية التي ظهرت بعد الحرب الأفغانية السوفيتية ، ففي إدارة أدوات الإعلام علی مواقع التواصل الإجتماعي يمکن مشاهدة الشبه بين عمل هذا التنظيم و بين تنظيم القاعدة الإرهابي. فهناك إقتباسات لكتب سيد قطب تستخدم لتطويع الواقع ، كتكفير المجتمعات المسلمة بأعتبار أنها تعيش الجاهلية بإرتدادها الی عبادة العباد وإلی جور الأديان والنكوص عن كلمة "لا إله إلا الله" ، هكذا يٶمن المنتمين الی أفكار سيد قطب والتنظيم بأنهم آخر المسلمين وأن كل من على وجه الأرض كافر حتى ولو نطق الشهادة.
هذا التنظيم الغارق في الغلو والتشدد والحاضن للجيل الثالث من السلفية الجهادية التكفيرية لايستطيع أن يدوم في صيغته الحالية "الدولة الإسلامية" ، بل سيسقط بعد الإنتصار العسكري علیه كما سقطت "الإمارة الطالبانية الإسلامية" في أفغانستان بعد معركة طويلة أم قصيرة ، أما الفكرة المدمرة للحركة فسوف تستمر في الخفاء لتختمر و تنتشر في أمكان أخری بعد عقود.
أما ماكنة تفريخ السلفية الجهادية التكفيرية فهي لاتزال تنتج بشكل نشيط وفعؔال. والعناصر الأجنبية التي التحقت كمقاتلين ضمن هذا التنظيم في سوريا تقدؔر بخمسة وعشرين ألف مقاتل ، أتت من بقاع مختلفة من العالم لتولد بإستهداف الإيزديين الكورد والأقليات الأخری صدمة جديدة.
الصمت العربي المريب والشامل تجاه الهجمات الوحشية واللاإنسانية لداعش علی الأراضي الكوردستانية واقتلاع المسيحيين أهل التاريخ والجغرافيا من الموصل والإيزديين الكورد من سنجار وذبحهم وقتلهم جماعياً وعدم إصدار كلمة أو رسالة إدانة من قبل أية دولة عربية لهذه الجرائم التي تمارس بإسم الإسلام والعروبة مخزٍ الی درجة ، إذ يمكن تفسيره بأنهم مع إنتشار هذا السرطان ، لايريدون المشاركة في إستئصاله أو مكافحتە وإبعاده.
علی الحکومة الكوردستانية دعم فكرة تأسيس مركز علمي كوردستاني لمحاربة الإرهاب لكي لا يکسب الفكر الإرهابي ، الذي لا مكان له في القرن الـ21، أرض خصب في المنطقة ولكي لا يستقر لە مقام وحتی يتم إيضاح خريطته الوراثية DNA والكشف عن الخلايا النائمة ، من الذين يحمون الإرهابيين ويٶيدونهم سراً ويقومون بتعبئة أتباعهم بثقافة الكراهية والحقد المستندة علی التكفير والطائفية المقيتة ، من أجل إلقاء القبض علیهم وتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم العادل والرادع.
هل إنتهت الحضارة الإنسانية ، أم علینا القيام بالتحرر من التعصب وبناء الأرض وتأسيس قيم مشتركة توحد بني البشر في وحدة إنسانية حضارية والسعي نحو الإعلاء من شأن قيمة الفرد على المستوى الكوني لتحقيق وعى أكثر راقيا وأكثر رحابة وشمولاً مما نحن عليه الآن؟
الوحش الإرهابي يتغذى من ثقافتنا ، فهناك علبة سوداء تعشش في العقول بعقدها ومتحجراتها وتهويماتها وخرافاتها وتصنيفاتها العنصرية. علینا بالتحرر من القيود الدينية المتزمتة ، التى تفرضها الجماعات السلفية التكفيرية ، من الذين يدعون بأنهم علی صراط مستقيم ، رسالتهم هذه تتسم بالتعصب وتسعى إلى فرض تعصبها على جميع البشر فى أنحاء الأرض. إذا أردنا نجاة الحضارة الإنسانية من الإنقراض فما علينا إلا إستلهام العقول التنويرية للفلاسفة العظام أمثال الأندلسي إبن رشد (١١٢٦-١١٩٨م) والفرنسي بيير تیلار دی شاردان (١٨٨١-١٩٥٥م) وغيرهم من رسل التعايش السلمي و فلاسفة الإنسانية.
وختاماً: من يريد أن ينتمي إلى حضارة القرن 21، فعليه المشاركة في ثورة ثقافية تفتح آفاقاً جديدة أمام إلإبداع وتعزز إحضار العقل السجالي التناظري ، لمكافحة العقل التكفيري الجهادي عدو الإنسانية ، الذي أصبح اليوم فيروس قاتل.
الدكتور سامان سوراني
658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع