تخيّل شخصاً أجنبياً، لا عربياً ولا مسلماً، وقد قرر أن يتأمل حال البلاد العربية ويتفحصها بعينيه السياسيتين والاجتماعيتين-الثقافيتين، فهل تلومه إن خرج بتقريره ضدك وضد دينك؟!
فإن لعبت دور المحامي ودافعت باستماتة عن شعبك ودينك، فعلى ماذا ستبني أدلة دفاعك! أتوقع أنك ستلجأ إلى محاولات جاهدة لإفهام الأجنبي أن دين الإسلام الصحيح لا علاقة له بأوضاع المسلمين الحالية، وباعتباري عربية ومسلمة لا أجرؤ سوى موافقتك القول لمعرفتي بديني أولاً، ولكن وهنا سؤال الأجنبي: فإن لم يكن المسلمون يمثلون دينهم فمَنْ يمثله إذن؟ ولم يعيش المسلمون أزماناً لا يمثلون دينهم بشكله الصحيح الذي يحكون عنه؟ فأنت تزعم أن دينكم لكل زمان ومكان فلم لم يكن لزمنكم ومكانكم؟ هذه هي أسئلة الأجنبي وهي محرجة ومؤلمة، فهو وبمفهومه ومنطقه لم يخطئ التساؤل، فكلنا يدافع عن الإسلام ويقول إن ما يجري ليس إسلاماً، ولكننا مسلمون، إنما مع كثير من الجشع واللؤم والاقتتال والتناحر، مع كثير من الغضب والجهل والدم والتوحّش، ولكن عفواً هذا ليس بالإسلام، حسناً جداً، أنا وأنت نعرف أنه ليس إسلاماً، ولكن ألا يُعذر الغريب لو أخطأ في إسلامك، فليس أمامه إلا الوقائع ليقيس عليها، ولا تتفوه بمقولة «وما علينا منه»، لأن الحقيقة أنه عليك منه وعليه منك، فأنت تعيش معه على الأرض.
إن لم تكن أهلاً لحكم نفسك والتحكّم بها، فهناك الجاهز لحكمك والتحكّم بك، فهل تلوم الأجنبي إن فكّر في غزوك! وقد فعل ثقافياً حتى «داخ»، ناهيك عن باقي الشقوق الأخرى التي سمحت له بالولوج منها، فما هو الإسلام الذي تتطلع إليه؟ وكيف ينتصر الإسلام بأبنائه الأعداء؟ الإسلام الذي من المفروض أن يكون في صراع ضد الشرك، أصبح في مواجهة نفسه، يخوض الحرب تلو الأخرى بلا ذخيرة فكرية وعقيدية تكفي لمعترك التحدي الحضاري والأطماع العالمية، مجرد فكر متهالك وفهم متضارب، فإن لم نستطع الاتفاق مع بعضنا البعض، فكيف نقوى ونتحد؟ ولا سيرة لنا إلاّ تحريف دينهم في مقابل كتابنا الباقي على عهده، وهذه نعمتنا، فكتابنا حفظ من التحريف بأمر منزله، ولكن فهمنا له لم يسلم من التحريف والتوظيف والتطويع، فكيف استثمرنا صيانة وحصانة كتابنا المقدس، إن كنا لم نقصِّر بتحريف تعاليمه ومبادئه!
الإسلام الذي تتصل جذوره بالوحي الرباني مع الرؤيا المحمدية، الإسلام، الذي يؤمن بكرامة الإنسان الذاتية وبحقوقه كاملة، الإسلام الذي ينشد السعادة وراحة الضمير لكل الناس، الإسلام الذي يستطيع إيجاد الحلول واستنباطها بما يتواءم واحتياجات البشر ومستجداتهم، الإسلام الذي هو ضد التأسّلم المحرّف، هذا الإسلام الرائع والعظيم ماذا بقي منه اليوم؟ ولتستعرض بلاد الفوضى العربية بلداً بلداً...!
السوريون الثائرون اليوم منهكون في الدفاع عن عرضهم ومدنهم ضد حاكمهم الطاغية، فماذا لدينا هنا؟ هاجس الذود عن الثورة والوطن الذي يغمر الناس بإحساس مفعم بالمعنويات، هاجس ملِح يُشعر الثائرون بأنهم شخصية واحدة وكيان واحد بهدف مشترك، لكن ماذا بعد أن يتحقق المراد بعد مواجهة الظلمة والمعتدين كبنيان مرصوص؟ الجواب يجسّده الليبيون اليوم (وغيرهم) إن في تفرقهم وشتاتهم أو في تنازعهم الكراسي، مع أن الجميع يدين بالإسلام، أليس كذلك؟
المسلمون اليوم أصبحوا عبئاً على العالم يستنزفون خيرات الأرض ويبيدون أنفسهم، وإن كان شعب المايا تنبأ أنه في شهر ديسمبر من عام 2012 ستكون نهاية العالم، فنقرأ الخبر ونبتسم لسذاجته أو قل لمبالغته، إنما قد يكون التفسير الآخر أن هذا العالم الذي نعيشه لن يعود كما هو بعد تاريخ 2012، وبخاصة في حدود المنطقة العربية، وكأن الطبيعة تعيد تجديد نفسها، فتقضي على مَنْ تقضي، وتلفظ مَنْ تلفظ، وتبقي مَنْ تبقي، في دورة سماوية- أرضية لا بد لها أن تتحقق، وستتحقق، وسيأتي الله بقوم آخرين يمثلون الدين الحي كما أريد به وكما أريد لهم، وسيأتي عام 2013 بالحسم وتقفيل الملفات، فكل من اعتقد أن ماراثون الفوضى العربي أوشك على الانتهاء، نقول له: ولا يزال النفق مستمراً ولكن في نصفه الأخير.
630 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع