قراءة في قصيدة كليوباترا للشاعرة إحسان السباعي,الفائزة بالرتبة الثانية في مسابقة غاليري الأدب للشعر الفصيح .دورة غشت 2014.
مصطفى لغتيري
حين يطلق النقاد والدارسون عبارة" الكتابة النسائية" على ما تخطه المرأة الكاتبة من نصوص، فإن ذلك لا يعني انتقاصا من أي نوع من هذا الشكل من الكتابة، لأن الكتابة لا جنس لها، وهي إما أن تكون جيدة أو هزيلة، فلن يشفع لها أبدا أن تكون بقلم الرجال أو النساء، ولكنهم يقصد تحديدا أن للمرأة الكتابة حساسية خاصة تجاه الكلمات والعالم المحيط بها بسبب التجربة الخاصة التي تعيشها والتي لا يمكن للرجل أن يتماهى معها بشكل كلي أو يعبر عنها مهما حول ذلك.
ويتأكد هذا الطرح نسبيا حين نقرأ قصيدة الشاعرة المغربية إحسان السباعي المسماة"كليوباتر" وا المتوجة بالرتبة الثانية في مسابقة غاليري الأدب للشعر الفصيح دورة غشت 2014. فتكفي قراءة أولية لهذه القصيدة ليقف المتلقي على الخصوصية التي تميز الحساسية النسائية في الكتابة الأدبية عموما والشعرية على وجه الخصوص، ومن أول مؤشراتها اختيار الشاعرة لقصيدتها شخصية تاريخية إشكالية، وهي "كليوباترا" التي اشتهرت باللعب على حبال السياسية والحب، خاطة بذلك أسطورتها الخاصة، التي جعلت منها امرأة غامض ، مشتاهة ومهابة في نف الوقت، وقد كان لحبيبها أنطونيو النصيب الأكبر في خط تفاصيل هذه الأسطورة خاصة فيما يتعلق بصراعه المحتدم، الخفي حينا والمعلن حينا آخر على السلطة وعلى الفوز بقلب كليوبترا، الذي زادها موتها المأساوي غرابة وتراجيدية.
فقد حاولت الشاعرة رسم تفاصيل حياة كليوباترا في القصيدة واضعة لها بورتريه شعري، وكأنها بذلك تحتفي بالجنس الأنثوي، وتقدمه نموذجا يقتدى به، إذ أن بطلة القصيدة قد جمعت كل ما هو مرغوب ومهاب، ومما أكد ما ذهبنا إليه ما ختمت به الشاعرة قصيدتها، فقد انتقلت من الحديث عن كليوبترا إلى الحديث عن الذات بضمير المتكلم، وكأنها تقول لنا بأن في أعماق كل أنثى هناك كليوبترا تقبع هناك، وتتحين الفرص لتعبر عن نفسها وتطفو إلى السطح، إنها الأسطورة الحية المتحركة ، إنها الإنذار بقوة المرأة التي تختفي وراء ضعفها ، فبسلاح الحب قد تحكم في الأمم وتجعل الرجال سلاحا لها للتحكم والتسلط والسيطرة، حتى وإن انتهى بها المطاف نهاية مأساوية تختارها بنفسها حتى لا تسقى كأس الذل والهوان.
وقد وظفت الشاعرة لغة بسيطة بساطة الأحاسيس التي تحملها القصيدة، التي رغم وضوعها تخفي معاني مستترة بلا حصر، كما أن تقسيم القصيدة وتكرار لفظة "كليوبترا" منح القصيدة إيقاعا جميلا ورسخ في الذهن الأبعاد الدلالية التي تحملها شخصية كليوبترا" كمعادل موضوعي لطوح المرأة وشاعريتها ومأساتها كذلك.
كليوباترا
فتانة ..يحتار في غمزاتها
ماء ونار
(كليوباترا)
جبارة ...يختال في ردائها
جاه وانتصار
ساحرة ...يافعة ..لعوب
(كليوباترا)
أذاقت جفون العشق
الكرى
ومثلها عدت في الهوى
لا أرى
فهذا القلب يأكله السعار
وهذا العقل يلهبه نور المنار
دعني أحسها ...
دعني أحطم لعنتها ...
اليوم حطمني الدمار
العشق اتاني بلا انذار
(أمار ك انطونيو )
بعث فيك من جديد
يناديني ...
يعلن أن يجدد موته
دوما من أجلي
كلما سمع خبر موتي
ليحيي قلبي بعمر مديد
(أم يوليوس قيصر )
يشدني من يدي
وعن أرضه لا أحيد
كبلني بالحديد
( كليوباترا )
مثلها العشاق حيارى
وأنا تائهة أرقد
في حضن الورى
يبنهما عن العيون أتوارى
أيفوح عطر الزهر مني
ويجتاح افاقي اخضرار
أم عشقهما يطفئ
نور النهار
أم أنتحر متلها
وتنفث الحية الرقطاء
في صدري سمها
وتطويني الثرى
بقلم احسان السباعي
629 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع