في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، صار هناك "رومني جديد" غير ذلك الذي عرفناه طوال الحملة. فقد تبدلت مواقف المرشح الجمهورى في عدد كبير من القضايا حتى بدا أكثر اعتدالا بكثير من ذي قبل.
فبعد أن ظل رومنى طوال الحملة يتعهد بخفض ضريبى موحد بمقدار 20%، أعلن الرجل في المناظرة الأولى أنه لن يقوم بتخفيض الضرائب على الأغنياء، ولن يخفض الضرائب على أي نحو يزيد عجز الموازنة. وبعد أن ظل يتخذ طوال الحملة موقفا بالغ التشدد من المهاجرين غير الشرعيين، إذا به يعلن في المناظرة الثانية أنه مع إعطاء أبنائهم حق الإقامة الدائمة.
وفي الوقت الذي ظل فيه رومني طوال الحملة يعلن أنه مع حق أصحاب الأعمال لأسباب دينية أن يقدموا للعاملين تأمينا صحيا لا يغطي وسائل تنظيم الأسرة، إذا به يعلن أنه لا يؤمن بأن من حق الحكومة ولا "صاحب العمل" أن يكون صاحب القرار.
وأكد أن "من حق كل امرأة في أميركا أن تحصل على موانع الحمل".
وكل تلك المواقف تعتبر نذرا يسيرا مما يجري فى إطار التحول الذي تديره حملة رومني بهدف تغيير صورة مرشحها من يميني متشدد إلى وسطي معتدل في الأسابيع الأخيرة للحملة.
والحقيقة أن محاولة رومني أن يبدو معتدلا قبل أسابيع قليلة من الاقتراع العام ليست جديدة في الحملات الرئاسية، فهو تحول تفرضه طبيعة تلك الحملات نفسها.
فالحملة الانتخابية لمنصب الرئاسة الأميركية لها مرحلتان رئيسيتان يفصل بينهما المؤتمر العام لكل حزب. أما المرحلة الأولى فهي الانتخابات التمهيدية، وهي التي يتنافس فيها أكثر من مرشح من الحزب ذاته من أجل الحصول على ترشيح الحزب.
ولا يكون الاقتراع العام في اليوم نفسه بالضرورة في الولايات الخمسين، إذ تختار كل ولاية التاريخ الذي ستعقد فيه تلك الانتخابات التي سيختار فيها الناخبون واحدا من بين الديمقراطيين وواحدا من بين الجمهوريين، ليصبحا الفائزين بترشيح حزبيهما.
وتنتهي المرحلة التمهيدية بانعقاد المؤتمر العام لكل حزب والذي يعلن فيه عن اسم المرشح الفائز. أما المرحلة الثانية فهي التى تبدأ فور انعقاد المؤتمر العام لكلا الحزبين، وهي تلك التى يدور فيها التنافس بين الفائزين، أي المرشح الجمهورى والمرشح الديمقراطى.
وتنتهي هذه المرحلة التي تعرف باسم حملة الخريف، لأنها تبدأ عادة في فصل الخريف وتنتهي يوم الاقتراع العام في الثلاثاء التالى لأول اثنين فى شهر نوفمبر، وتجري في ذلك اليوم الانتخابات فى الولايات الخمسين كلها.
وبسبب الطبيعة المختلفة للمرحلتين فإن كلا منهما تفرض على مرشح الرئاسة شيئا مغايرا عن الأخرى. فالحملة التمهيدية تدور فيها المنافسة بين مرشحي الحزب نفسه وتستهدف جماهير الحزب وحده دون باقي الأميركيين.
لذلك، فإن المرشح في هذه المرحلة يوجه رسالته الانتخابية لجماهير حزبه بالأساس دون غيرهم. وتقول الدراسات أن الأكثر اهتماما بالانتخابات التمهيدية والأكثر ميلا للتصويت فيها هم قاعدة كل حزب أي الأكثر إيمانا بالحزب وحماسا لمواقفه والأكثر ميلا للتطوع بالوقت والطاقة والمال لحمل الحزب للبيت الأبيض.
وعادة ما يكون هؤلاء الأكثر تشددا. ففي الحزب الجمهوري، حزب اليمين، تكون قاعدة الحزب هم الأكثر يمينية، وفى الحزب الديمقراطي، حزب اليسار، فإن قاعدة الحزب هم الأكثر يسارية. ولأن هؤلاء هم الذين يحسمون التصويت في المرحلة التمهيدية فإن مرشح الحزب الجمهورى يتعمد أن ينحو يمينا في مواقفه بينما يسعى المرشح الديمقراطى لأن ينحو يسارا.
لكن تلك المواقف المتشددة تعود لتلاحق المرشح في حملة الخريف، لأن الجمهور المستهدف مختلف. فالجمهور في حملة الخريف هو كل الأميركيين، ومن ثم يكون على المرشح الجمهوري أو الديمقراطي أن يسعى لاجتذاب من هم خارج حزبه.
ففي نظام الحزبين يستحيل على أي مرشح الفوز بالرئاسة بأصوات حزبه فقط إذ عليه أن يجتذب قطاع المستقلين وقطاعا من الوسطيين في الحزب الآخر. لذلك، يتحتم على مرشح الرئاسة أن يبدو في حملة الخريف أكثر ميلا نحو "الوسط السياسى" حتى يجتذب تلك القطاعات، وهو ما يؤدى به إلى السعى جاهدا لطمس معالم الاختلاف بينه وبين منافسه وحصرها في أضيق نطاق ممكن.
لذلك، يحرص مرشحو الرئاسة في المرحلة التمهيدية على استخدام صياغات تستهدف حزبه ولكن يسهل تطويعها فى حملة الخريف لتستهدف غيرهم.
إلا أن رومني يسعى لعمل العكس. فرومني ظل طوال تاريخه السياسي معروفا بأنه جمهوري معتدل وهو أمر مفهوم بالنسبة لجمهوري حكم ولاية ماساتشوستس الليبرالية. ففى مثل تلك الولاية، بإمكان جمهورى معتدل أن يفوز في الانتخابات، في حين يستحيل ذلك على المتطرفين اليمينيين منهم.
لكن رومني رشح نفسه للرئاسة فى وقت صارت فيه قاعدة الحزب الجمهورى متطرفة في مواقفها اليمينية وغير واثقة في أن رومني يتبنى المواقف نفسها، الأمر الذي اضطره لأن يتخذ مواقف حادة بصياغات واضحة لاجتذابهم. لذلك، فإنه في معركة الخريف يسعى لاستخدام صياغات عامة تجتذب الوسط الأميركي دون أن تستعدى قاعدة حزبه.
فهل ينجح رومنى في خطته؟ وهل تتحمل قاعدة حزبه ذلك التحول بعيدا عن مواقفها؟ وهل يصدقه من هم خارج حزبه؟ سؤال ستحسم إجابته الأسابيع القادمة.
926 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع