هادي جلو مرعي
نجتر الماضي ونراه سعيدا مشرقا، وتقول واحدة، ياألله كم هي جميلة أيام الجامعة، معقولة أن أكون قضيت ثمانية عشر عاما من عمري بعد التخرج، هل مرت كل هذه السنين على التخرج، كم سنة مرت بسرعة وإنقضت وانا أجتر سعادة أفتقدها اليوم؟
يبدو إننا لانمتلك فكرة للمستقبل، ولانمتلك قدرة الإبداع وصناعة الإبتكار، فالغربيون لايفكرون في أمور مضت إلا لو مثلت تراثا وإرثا، وليست مصدرا لسعادة يفتقدونها كما نفعل نحن عادة في البلاد العربية، فالغربيون لاهم لهم في الأمس وهمهم في الغد، الغد الذي سيحصل ويكون فعلا واقعا، سيبتكرون طائرة فيها غرف للعرسان الجدد وفيها مسابح وقاعات للمؤتمرات، وربما تعقد فيها قمم عالمية، وفيها تواصل مع المحطات الفضائية، وسرعتها غير مسبوقة وهي من نوع جديد لم يعرف العالم له مثيلا، بينما نتحدث نحن عن معركة حصلت أمس بين عشيرتين في الصعيد المصري، أو الريف العراقي، بعد أن قتل أحدهم حمارة لشخص من عشيرة ثانية وتعاركا وإشترك الطرفان في بمختلف أنواع الأسلحة، ثم عن معركة بين عشائر في جنوب العراق قامت إثرها عشيرة بقطع الطريق العام، وقتل العشرات، وأحرقت دور لمواطنين لهم صلة بطرف سبب مشكلة.
يتحدث الغربيون عن الغد لأنهم ليسوا حزاني اليوم، وليسوا بائسين، هم لايفكرون بالأمس لأنهم لايحتاجونه سوى ذكرى تمر، وربما حملت العبر، بينما طريقتنا مختلفة فنحن لانملك السعادة اليوم، ونبحث في الأمس، ولانمتلك فكرة للغد، ولاطموح لدينا، لن نتمكن من صناعة طائرة مقاتلة، ولانية في إبتكار نوع جديد من أجهزة الحاسوب، أو الموبايل، ولانعرف تقنيات سينما ومسرح جديدة، وهدفنا هو إجترار الماضي، والنظر فيما يصنعه الغرب الكافر كما يسميه بعض المخبولين، ثم لنسرق إبتكارات الغرب في الشعر والقصة والرواية وإبداعات المسرح ونعربها، أو نصوغ على غرارها ونقدمها كمنتج وطني، وهو في الحقيقة لايعدو الأمر أن يكون سرقة وبس.
المواطن الغربي لم يعد يمتلك أزبال ونفايات لأنه إبتكر طرقا علمية حديثة ليتحول الزبل لديه الى كهرباء ومواد صناعية جديدة، وصارت دول غربية تعتذر لبعضها عن عدم توفر النفايات لأنها هي الأخرى لديها مصانع حديثة تستخدم النفايات، وتحولها الى منتجات مفيدة. في العراق ومصر يشتكي الناس من وفرة المزابل وتحويلها ضواحي المدن الى أماكن مقرفة ومخيفة يبتعد عنها الناس ويصابون بأمراض وسموم من وجودها وحرقها بطرق سيئة، ولاتوجد معامل لتدوير النفايات والإفادة منها، نحن نفكر في تقليل مخاطر النفايات، وتقليل عدد قتلى التفجيرات والصراعات وهم يبتكرون الأدوية الجديدة، والمضادات الحيوية، وطرق التدريس، وبناء الجامعات، وتطوير تقنيات الإتصال والمعرفة، نحن نتراجع لنبحث عن السعادة في الماضي، نحن نفكر في حمار جحا قبل ألف سنة، وهم يفكرون في طائرة بوينغ حديثة تغير شكل الطيران في العالم، نحن الماضي وهم الغد.
914 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع