بعد صفقات أسلحة مع أوكرانيا وصربيا ودول أخرى ومن ثم صفقة الأسلحة الأميركية التي تزيد قيمتها على 12 مليار دولار وأهم فقراتها؛ إلى جانب الدبابات والمدفعية الثقيلة والرادارات، تجهيز 32 طائرة من نوع «f16» حيث من المتوقع أن تدخل الخدمة لأول مرة في السنة المقبلة بوصفها مقاتلة متقدمة في القوة الجوية العراقية.. بعد هذه الصفقات يتحول العراق شرقا وبشكل مفاجئ ويبرم صفقة ربما هي ثاني أكبر صفقة سلاح تعقدها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وبالنسبة للعراق، هي واحدة من أكبر الصفقات التي أبرمها العراق لتوريد أسلحة.
تنويع مصادر السلاح مرغوب استراتيجيا رغم أنه يعقد المهام الفنية والتدريبية واللوجستية وحتى الأمنية، لكن بالنسبة لبلد مستورد للسلاح كالعراق، فلا مفر من تنويع السلاح، خصوصا أن السلاح الروسي، وهو عادة أقل تكلفة، لا يقل كفاءة عن السلاح الغربي ويتمتع بسمعة طيبة في سوق السلاح الدولية، كما أن روسيا عادة ما يغلب على مبيعاتها الطابع التجاري وليس السياسي، وهي بذلك أكثر تساهلا من الغرب؛ وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة التي عادة ما تضع شروطا قاسية تقيد من حرية الدولة المستوردة في استخدام السلاح.
إلى هنا، ومن ناحية المبدأ، لا اعتراض على الصفقة، لكن ثمة غموض وشكوك رافقت الصفقة استدعت طرح أسئلة موضوعية؛ في مقدمتها.. توقيت الصفقة، لماذا الآن؟ وهل العراق في الظرف الراهن بحاجة لأسلحة إضافية بعد صفقة السلاح مع أميركا أم هو في أمس الحاجة لتحسين مفردات الحياة اليومية للمواطن؟ وكيف سيجري استخدام هذه الترسانة المتقدمة من الأسلحة الأميركية والروسية في المستقبل؟ وكم سيصل من تخصيصات هذه الصفقة البالغة 4.3 مليار دولار، فعليا إلى حساب الشركات الروسية المجهزة؟ ومن يضمن أنها لن تستخدم في دعم النظام السوري في ذبح شعبه؟ أسئلة مشروعة تنطلق من قلق مشروع.
ابتداء؛ أعلم أنني في مقالتي هذه إنما أمخر عباب بحر هائج، تتلاطم فيه أمواج الاتهامات بين الكتل السياسية دون رحمة وتصل إلى حد التخوين والتفريط بمصالح العراق العليا، يحصل ذلك بفضل الانقسام الحاد بين العراقيين في كل شيء تقريبا، حيث لم يعد يجمعهم جامع، وقد زادت قضية صفقة الأسلحة الأخيرة مع روسيا الجدل اشتعالا.
بصفتي عسكريا محترفا خدمت في جيش بلدي، لا شك أنحاز إلى عراق قوي معزز بترسانة أسلحة متقدمة تكنولوجيا كافية في الكم والنوع لضبط الأمن في الداخل من جهة؛ وحماية العراق وردع أية محاولات للتعدي عليه من جهة أخرى، كما أني لا أشعر بحساسية تجاه هذا المنشأ أو ذاك؛ بل على العكس، إذ بحكم خبرتي في السلاح الروسي ولو ترك لي الخيار لفضلته على الغربي، ولكني اليوم بصفتي سياسيا فإن منطلقاتي في التفكير والتقييم هي أعم وأشمل، كما أن مسؤوليتي تلزمني أن أعبر عن وجهة نظري بتجرد وموضوعية، وهو ما أظن أنه يطبع مواقفي عادة.
توقيت الصفقة في هذا الظرف بالذات والجبهة السورية على أشدها؛ حيث لم تشهد مثيلا على مدى التاريخ ليس على صعيد القطر فحسب؛ وإنما المنطقة وربما العالم أجمع.. حيث تذبح حكومة شعبها من دون أدنى شفقة أو رحمة لمجرد أن رفع صوته مطالبا.. بـ«حياة أفضل».. روسيا والصين تساهمان في عرقلة أية مساع تعجل في إيقاف المجزرة، والقضية لا بعد آيديولوجيا لها بقدر بعدها الدفاعي والصراع على النفوذ والمنافسة على الأسواق.. بشكل غير مباشر، فإن روسيا تقاتل في سوريا؛ إذ هي ليس فقط لا تعترض؛ بل وتدعم استخدام السلاح الروسي في قتل الشعب السوري الأعزل وتعزز من أداة القتل، وأمام أنظار العالم توظف الخطوط البحرية والجوية على نطاق واسع، لكن عين الكرملين القلقة ليست على سوريا، وإنما في الحقيقة على القوقاز والشيشان وآسيا الوسطى.. روسيا تعمل على إجهاض الانتفاضة في سوريا، وبفعلها هذا إنما تدفع رياح التغيير بعيدة عنها أقصى ما تستطيع.. انعكس هذا الموقف بشكل واضح في تصريح نائب رئيس الحكومة ديمتري روغوزين مخاطبا الغرب: «كفوا عن دعم الربيع العربي، لأن هذا الأمر حسب تصوري سينتهي نهاية سيئة وسيعقب الربيع صيف ساخن لن يعجب أحدا؟».
من جهة أخرى، روسيا بوتين يبدو أنها قطعت صلتها تماما بإرثها أي بروسيا بريجنيف وغروميكوو نيكيتا خروشوف ولم تعد تهتم بآمال الشعوب قدر اهتمامها بمصالحها حتى لو تطلب الأمر دعم أنظمة مستبدة، وهذا ما هو حاصل. المعارضة السورية عبرت عن هذا الموقف بقولها: «روسيا تدافع عن مصالحها بطريقة خاطئة عبر إرسال الأسلحة لقتل الشعب السوري».
من جهة أخرى، روسيا مقتنعة بأن موقفها المرن من سقوط نظام القذافي والسماح لحلف شمال الأطلسي بحسم التغيير لصالح الشعب الليبي، أفقدها إحدى كبريات الأسواق التي كانت تحتكرها لأربعين سنة مضت، فلماذا تضحي بسوق واعدة أخرى؟ وبعد أن كانت فقدت سوق العراق منذ الغزو في عام 2003، فما الذي سيبقى لروسيا من أسواق كبيرة في الشرق الأوسط حيث طلب السلاح على أشده، لو فقدت سوريا أيضا؟ لا شيء!
روسيا أكثر قناعة من أي طرف آخر بأن نظام بشار الأسد انتهى وأن المسألة لا تتعدى أن تكون مسألة وقت، لكن المصلحة تقتضي هذه المرة التشدد والذهاب إلى نهاية الشوط للحصول على أفضل الغنائم بأقل الخسائر، وأول هذه المكتسبات التي تحققت ربما هي صفقة الأسلحة الضخمة مع العراق. وربما سنشهد غدا عقدا ليبيا مماثلا وآخر مصريا.. وهنا ربما سيلعب المال العربي دورا في تمويل صفقات توريد الأسلحة من روسيا، وغرضها في هذا الوقت بالذات واضح؛ تهدئة الموقف الروسي الغاضب ودفعه للتخلي عن تشدده مع قضية التغيير في سوريا لصالح مرونة باتت مطلوبة، وبعد أن فشلت جميع المساعي الدبلوماسية في تحقيق ذلك. الولايات المتحدة خلاف ما كان متوقعا لم تعترض على الصفقة؛ بل باركت وأيدت، وهذا يدلل على أن للصفقة أبعادا أخرى.
هناك رأي آخر يقول بأن هذه الصفقة إنما جاءت بمثابة جائزة لروسيا من جانب إيران التي تدين لها حكومة المالكي بالولاء والطاعة على أنه ثمن للفيتو الروسي في مجلس الأمن، وبالتالي، فإن هذه الصفقة سوف تدفع روسيا إلى مزيد من التشدد في المستقبل المنظور.. نعم ربما يحصل ذلك، وما الذي يمنع روسيا من ذلك إذا كان بالإمكان توظيف هذا التشدد مرحليا ليس فقط من أجل تأخير التغيير وبالتالي زيادة حجم المعاناة بهدف إقناع الجميع بأن أي تغيير مستقبلي سيكون مكلفا جدا، بل أن يوظف هذا التشدد والتأخير في الحسم من أجل قطف ثمار إضافية من المتوقع أن تنضج في المستقبل؟ هذا في تصوري لن يغير من قواعد اللعبة إلا مرحليا، لكنه بالتأكيد سيزيد من معاناة شعب أعزل ويؤجل التغيير المنتظر لبعض الوقت، لكنه لن يستطيع أن يجهضه أو يلغيه.
هذه قصة روسيا بوتين، فما قصة نوري المالكي، لماذا هرول متلهفا لإنفاق مليارات من الدولارات على التسلح والعراق لا يواجه تهديدا خارجيا؛ آنيا أو مستقبليا، خصوصا بعد أن سقط العراق في دائرة نفوذ إيران وهي تاريخيا مصدر الخطر على العراق؟ في ضوء ذلك، لماذا يفرط المالكي بهذا الكم الهائل من أموال الشعب العراقي بينما هو يتباكى من ضيق ذات اليد ويتهم الكيانات السياسية وعلى وجه الخصوص «العراقية» و«الكردستاني» بأنهما تضيقان عليه وتمنعانه من تحسين الخدمات وتعرقل تطوير حياة المواطن العادي والدليل تمنعهما عن التصويت على قانون البنى التحتية؟ لكن هل الأسبقية اليوم لعسكرة العراق أم للكهرباء.. للصحة والتعليم ومياه الشرب النقية والطعام الصحي والبيئة النظيفة..؟ الأسبقية أولا وقبل السلاح ينبغي أن تنصرف للعناية بالفرد العراقي.. للارتقاء بمستوى معيشة شعب بات يعاني مجددا بفضل سوء الإدارة من ثلاثي الفقر والجوع والمرض.. وبشعب كهذا لن تستطيع أمة أن تقاتل حتى لو توفرت لها ترسانة أرقى تكنولوجيا تسليح في العالم. وبالتالي يصبح الحديث عن التسليح في ظروف كهذه ضربا من الترف إن لم يكن ضربا من الخيال.
لكن من قال إن نوري المالكي قلق من تهديدات خارجية وهو الذي صرح بعظمة لسانه وهو يزور روسيا أن صفقة الأسلحة مطلوبة لفرض الأمن في الداخل، وحصرا لأغراض الحرب الجبلية والصحراوية؟! وقد فسرها العديد من الكتاب، وهم محقون، بأن المالكي يبغي من وراء هذه الصفقة رأس الكرد والسنة العرب على حد سواء.
تضمنت الصفقة أسلحة هجومية وليست دفاعية كما يضلل البعض؛ منها الدبابات «تي 92» ومنظومة مضادة للصواريخ «S300» و42 صاروخ «بانستير - S1» ومدرعات وراجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة إضافة إلى طائرات قاصفة مقاتلة من طراز «ميغ 31» و30 طائرات مروحية هجومية من طراز «مي 28» المعادلة لطائرة الأباتشي المشهورة بقوتها النارية التي لا تحملها مروحية أخرى في العالم.. بالمناسبة كدس بشار الأسد ترسانة هائلة مماثلة من الأسلحة التي تعاقد عليها المالكي، لكنه لم يستخدمها في تحرير الجولان؛ بل لقتل شعبه الأعزل.
صفقة الأسلحة مع روسيا غرضها قمع أية حركة شعبية مناهضة قد تنطلق مستلهمة ومتأثرة بالتغيير الذي سيتحقق في سوريا، والأراضي المفتوحة أو الصحراوية التي ذكرها المالكي وتقع في الأنبار ونينوى وحتى صلاح الدين ستكون مسرح عمليات متوقعا، والمالكي قلق مما قد يحصل ويستعد للمواجهة، وكالعادة ليس في البحث عن وصفة سياسية مناسبة تصحح المختل وتعدل المعوج؛ بل يراهن، كعادته، على القوة والسلاح، وربما هو محق هذه المرة لأنه ضيق على نفسه واسعا، ولم يعد أمامه من سبيل، بعد أن استبد وجار وظلم؛ بل وحرق جسور التفاهم مع الجميع؛ وضمنهم شركاؤه في العملية السياسية، إلا أن يحصد ما زرع.
أما المسلك المحتمل الثاني الذي دفع باتجاه الإسراع بعقد الصفقة، فهو الأزمة المتصاعدة مع إقليم كردستان، وليس في جعبة المالكي سوى استخدام القوة لإجبار الإقليم على الرضوخ لما يريد، والتمدد على كركوك من خلال عمليات دجلة مؤشر واضح على نواياه المستقبلية، والبعض يتوقع أن يقتصر اهتمامه على المناطق المتنازع عليها، لكن هذه المناطق تقع في أراض سهلية وليست جبلية، بينما تصريح المالكي في روسيا كان واضحا وجليا؛ فهو يعد العدة لمعارك جبلية! وليست أي منطقة أخرى مستهدفة بقوله هذا غير كردستان.
المالكي عرف بأنه ميال للعنف واستخدام القوة بإفراط، هكذا نقرأ سجله وتاريخه.. لم يكن رجل سلام في يوم من الأيام ولن يكون؛ لا في علاقته مع العراقيين، ولا في علاقته مع الآخرين حتى مع دول الجوار، وستغريه القوة العسكرية المتراكمة وتدفعه لارتكاب المزيد من الخطايا والحماقات.
في نهاية يناير (كانون الثاني) من عام 2007 وفي محرم الحرام، قتل المالكي في الزركة شمال النجف الأشرف ما يزيد على 300 من الشيوخ والنساء والأطفال، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى، وهؤلاء ليسوا فقط من أبناء وطنه؛ بل من أتباع مذهبه لمجرد خلاف على المرجعية، وعلى الشاكلة نفسها قتل دون مبرر العشرات في «معسكر أشرف» وجرح المئات من لاجئين يوجدون على أرض العراق بطريقة قانونية بناء على اتفاقية جنيف الرابعة، أما حصاد العمليات العسكرية التي قادها ابتداء مما سماها «صولة الفرسان» في البصرة وامتدت بعد ذلك إلى جميع المحافظات، فقد خلف الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين، ورغم التضليل الإعلامي الذي رافقها في حينها، فإنه قد ثبت لاحقا أن أغراضها لم تتعد فرض طاعة المالكي على الجميع من دون منازع.
لا أعتقد أننا بحاجة للدلالة على دموية المالكي، ففي عام 2008 التقيته غاضبا في مكتبه وشارك في اللقاء زميلي عادل عبد المهدي، ومبعث الغضب كان رفض البيشمركة الانسحاب من محافظة ديالى حيث كانوا وجدوا بناء على اتفاق سابق وانفتحوا في مناطق محددة من المحافظة، كان المالكي غاضبا عندما التقيناه وعلى وشك أن يصدر أوامره بقصف نقاط السيطرة التابعة للبيشمركة بنيران الدبابات، وكان جادا في ذلك بعد أن نشر دباباته أمام نقاط السيطرة المقصودة، وكان من المتوقع أن تحصل مجزرة لو لم نتدخل ونمنع المالكي.
وجهت إليه حينها بضعة أسئلة: هل حاول إيجاد مخرج سياسي للمشكلة؟ هل فكر بالمساعي الحميدة التي تنشط بها شخصيات قريبة من الكرد؟ هل يتوقع كيف سيرد الكرد على هذا الهجوم؟ هل تحسب لذلك؟ فيما لو تفاقم الوضع وتوسعت دائرة القتال، هل لديه تصور عن كيفية احتواء الأزمة لاحقا وتفادي خروجها عن السيطرة؟ وعندما رد بطريقة مشوشة ولم تكن لديه إجابات مقنعة، حذرناه من مغبة المضي في استخدام القوة وهددناه بأن مجلس الرئاسة لن يقف معه؛ بل سيدين أية عمليات عسكرية من هذا النوع، وعندها فقط رضخ.
إذن هذه الصفقة مطلوبة حصرا للداخل، لتعزيز قبضته الحديدية، رغم أنه سيدعي أنها مطلوبة من أجل حماية العراق ومحاربة الإرهاب!! وهي شماعة أصبحت قصتها معروفة مثل قصة المادة «4 إرهاب» حيث بات العراقيون يتندرون بتسميتها «4 سنة» بعد أن وظفها المالكي طائفيا من أجل اجتثاثهم، والذي يعزز هذه المخاوف أن الأسلحة المتعاقد عليها مهما كبرت، فلن تكفي للمنازلة مع أي من جيوش الدول المجاورة بسبب تفوق الأخيرة النوعي والكمي.
إلى جانب التحفظات أعلاه، نضيف تحفظا رابعا يعنى بالنزاهة.. وابتداء؛ من المعروف أن سوق السلاح هي من أوسخ الأسواق لأسباب لا تخفى على أحد، وفي العراق، وحسب تقارير الهيئة العامة للنزاهة، فإن وزارة الدفاع العراقية تعتبر من أسوأ الوزارات انضباطا في التصرف بالمال العام.. الفضائح تزكم الأنوف، والأسلحة الصربية مثال.
السؤال: ما دام هذا هو الوضع، إذن من يضمن أن لا يذهب قسط من المبلغ المخصص وهو ليس بالقليل (4.3 مليار دولار) إلى جيوب موظفين ووسطاء ووكلاء وآخرين غيرهم بشكل عمولات ورشى؟ مواقع إنترنت نشرت أخبارا تدعو للقلق قالت إن مصدرها الحلقة القريبة من المالكي صاحب القرار، حيث استبعد المالكي في اللحظات الأخيرة دون سبب وجيه وكيل وزارة الدفاع سعدون الدليمي وكلف بدلا منه اللواء حاتم المكصوصي مدير الاستخبارات في وزارة الدفاع؛ بينما الصفقة ليست من اختصاصه، بل من اختصاص دائرة التسليح والتجهيز، وشارك معه قياديان من حزب الدعوة حيث أكملوا المفاوضات في المسائل الحساسة؛ وهي كما ذكرتها المواقع الاتفاق على آليات تحصيل وتحويل نسبة العمولة لحزب الدعوة والبالغة 10% أي ما يعادل 420 مليون دولار. وعلى افتراض أن مفردات الصفقة جهزت، يبقى السؤال: هل ستدخل جميعها مخازن الأسلحة والأعتدة العراقية فعلا أم إن قسما منها سيحول من المنشأ إلى جهة أخرى وربما دعما للنظام السوري؟
ولدينا تجربة الأسلحة الصربية؛ إذ لا يعلم أحد إلى أين انتهت مفردات الصفقة، فهناك من يقول إنها آلت إلى أيدي ميليشيات الأحزاب المتنفذة المؤيدة من إيران، ومن يقول إنها هربت للخارج، وثالث يقول إن القسط الأكبر لم يجهز أصلا رغم أن قيمة العقد دفعت بالتمام والكمال، والحكومة ساكتة لا تعلق ولجنة الأمن والدفاع وكذلك لجنة النزاهة في مجلس النواب مشغولتان بأمور أخرى!! قد تبدو هذه الاحتمالات غريبة، لكن في الوضع الذي بات عليه أمر العراق صدقوا أن كل شيء ممكن.
بإيجاز لا اعتراض على التسليح من حيث المبدأ، لكن الاعتراض ينصب على التوقيت أولا، وغياب الحكم الرشيد ثانيا. والمصلحة الوطنية تقتضي تأجيل إبرام الصفقة لأن توقيتها الآن مدعاة للريبة ما دامت ليست هناك دواع أمنية طارئة أو ضاغطة وبالتالي يمكن تأجيل شراء السلاح وتوظيف الأموال المخصصة لصالح تعمير وتطوير البنى التحتية وتحسين الخدمات، وفي غياب الحكم الرشيد والتحول من المشاركة في السلطة حيث تقتضي الديمقراطية إلى استقطاب القوة، فإن مزيدا من القوة يعني تكريس ظاهرة الاستبداد بكل ما ينطوي عليه ذلك من تبعات وأخطار.
الذين اعترضوا على الصفقة محقون، والذين أيدوها عجزوا عن تقديم مبرر واحد، وهم مدعوون لإعادة النظر بموقفهم، ومن الضروري أن تبقى الصفقة معلقة بانتظار أن يتحمل مجلس النواب مسؤوليته ويناقشها من ألفها إلى يائها.. لكن هل سيفعل المجلس ويسجل هدفا ذهبيا ويهز شباك مرمى حكومة اختطفت قدر العراق وباتت تديره وكأنها مقاول أحيلت إليه مقاولة بطريقة «كرستة وعمل».. كما يتندر قيادي في المجلس الأعلى وهو يصف بدقة نهج المالكي في استقطاب غير مسبوق للسلطة؟
631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع