لا شيء اسمه المستحيل في عرف البشر. إذا كنت تعيش وحيداً في رقعة نائية مع حلم صعب المنال يراودك كل ليلة في نومك، فلا تيأس من تحقيقه. تأكد أن عربة إصرارك وعزيمتك ستقودانك حتماً إليه وإن كان في أعلى القمم. وقد تكون الوحدة والفقر مجتمعان دافعين قويين لتحقيق الأحلام كما يرى (مويان).
(مويان) هو الأديب الصيني الحائز على جائزة نوبل في الأدب لهذا العام، وقد جاء من بيئة فقيرة لأبوين معدمين. قضى طفولته في رعاية الأغنام بعد أن اضطر والداه إلى إخراجه من المدرسة لعدم قدرتهما الإنفاق على تعليمه. هذا الفتى الذي عانى من الحرمان والوحدة ولم يعش طفولته بمعناها الحقيقي، لم يخطر على باله يوماً أنه سيدخل عالم الأدب من أوسع أبوابه وتنال أعماله الأدبية اهتمام الناس وإعجاب النقاد ليُصبح أديباً عالميّاً يُشار له بالبنان.
أعمال "مويان" من أكثر الأعمال الأدبية المحظور نشرها في الصين بسبب محتواها الجريء، الذي يصب في تصوير ما يجري داخل المجتمع الصيني بدقّة متناهية، وبأسلوب يمزج بين الواقعية السحرية والخيال الواسع، وهو متأثر في ذلك بأسلوب الأديب الكولومبي (غابريل غارسيا ماركيز) الذي سبقه إلى جائزة نوبل بعدة عقود، وبالأعمال العبقرية للأديب الأميركي (وليام فوكنر).
"مويان" يأخذ عليه زملاؤه من الأدباء الذين اختاروا مواجهة النظام بأقلامهم، أنه أديب سلبي لم يقف يوماً إلى جانب زملائه في المهنة ممن تعرّض منهم للقمع والاعتقال. ولكن "مويان" يُدافع عن نفسه مبرراً موقفه بأن نقد النظام لا يستلزم المواجهة معه مباشرة. وأنه بالرغم من كتبه التي تُطاردها السلطات داخل الصين، فإنه استطاع من خلال أبطال قصصه وعوالمه الروائية تمرير رسائله دون أن يصطدم مع النظام ويدخل في معركة معه لإدراكه أنه سيخرج منها خاسراً، وقد تُقيّد حريته وتحرمه من استخدام قلمه!
الأسلوب الذي يتبعه "مويان"، استخدمه الكثير من الأدباء في أوطانهم كي يستمروا في رسالتهم حتى نقطة النهاية. وهناك أدباء يرون بأن الأسلوب المباشر في المواجهة مع أنظمتهم القمعية وحكوماتهم الفاسدة حق من حقوقهم المشروعة، ولكن في نهاية الأمر يظل القلم هو المتنفّس الوحيد في يد الأديب لتعرية مجتمعه مهما كانت الضغوطات شديدة والأمواج عالية من حوله!
وعودة إلى جائزة نوبل الأدبية التي يحلم بها كل صاحب قلم، أرى بأن الجائزة على الرغم من قيمتها المادية العالية إلا أن أهميتها تكمن في مكانتها الرفيعة التي تقود صاحبها إلى العالمية وإلى وصول أعماله في أيدي كافة القرّاء بمختلف اللغات.
كنتُ قد قرأتُ إبان حصول الأديب نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب، أنّ الأديب (يوسف إدريس) أظهر امتعاضه كونه أحق بالجائزة منه. تعلمتُ من الأديب يوسف إدريس الكثير، وفي رأيي هو (تشيكوف) العرب بقصصه الرائعة التي تصوّر أعماق المجتمع المصري، كما كان تشيكوف يفعل في حقبة قياصرة روسيا. يوسف إدريس رحل عن عالمنا منذ زمن ولكن تظل قصصه لحد اليوم مرجعاً لكل من يرغب في صقل موهبته القصصية، مما يؤكّد بأن الأعمال الجميلة تُخلّد صاحبها.
بلا شك جائزة نوبل حدثاً عظيماً وتخلق مكانة عالية لصاحبها، ولكن يظل الأديب الحقيقي لا يُنقّب خلف جائزة، ولا يضع نصب عينيه حصد الجوائز، وهذا ما فعله كل الأدباء العظام الذين حصلوا على جائزة نوبل. لقد جاءتهم وهم مهمومون بأوطانهم وقابعون على مكاتبهم ودم العبقرية ينزُّ من أقلامهم. تحقيق الحلم يحتاج إلى مثابرة حقيقية ولكن قبل كل هذا يحتاج إلى أن يكون المرء أميناً على حلمه.
793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع