جواد البصري
الاملاءات الايرانية وصلت إلى حد التهديد بتصفية العبادي واشنطن تصر على الجابري وزيراً للدفاع وطهران متمسكة بالعامري لتولي الداخلية
حتى يحين موعد الجلسة المقبلة لمجلس النواب المقررة في الثامن عشر من الشهر الحالي، يواجه رئيس الحكومة حيدر العبادي سلسلة متاعب ومضايقات وضغوط سياسية للانتهاء من ملف تعيين وزيرين للدفاع والداخلية، وسط رغبة امريكية في اختيار النائب السابق جابر الجابري وزيراً للدفاع وإرادة ايرانية تطالب بهادي العامري وزيراً للداخلية.
ورغم ان العبادي كان في وقت سابق قد رشح الجابري والنائب رياض غريب لتولي الوزارتين ولكن نواب ائتلاف دولة القانون المحسوبين على جناح نوري المالكي افشلوا عملية التصويت لهما في مجلس النواب، ولم يحصل الاثنان الا على 118 صوتاً و117 صوتاً واحتاج الجابري الى 9 اصوات وغريب الى 10 اصوات ليعبرا حاجز (النصف زائد واحد) من عدد النواب الحاضرين وفق النصاب القانوني وكانوا 252 نائباً.
وبات واضحاً في الأوساط السياسية ببغداد، ان الولايات المتحدة قد أبلغت العبادي أكثر من مرة، بانها تحبذ تعيين نائب الرمادي السابق جابر الجابري وزيراً للدفاع، وتضع (الفيتو) على رئيس منظمة بدر هادي العامري ومساعده قاسم الاعرجي في تولي وزارة الداخلية.
وحسب ما يسود تلك الأوساط فان واشنطن قد حددت شروطها للتعاون مع حكومة العبادي وفق ما تسميه الدوائر الامريكية بـ(الضوابط) للاتفاق والتنسيق أبرزها:
أن تكون وزارة الدفاع والأجهزة والمؤسسات العسكرية بما فيها جهاز المخابرات ومكافحة الإرهاب تحت إشرافها، وبالتالي فانها تريد وزير دفاع تستطيع التفاهم معه، وهي تعتقد ان الجابري هو أفضل شخصية لتولي الوزارة.
ووفق المعلومات المتوفرة لدى (العباسية نيوز) عن الجابري، فانه من الرمادي ويعد شيخ عشيرة (البو جابر) ومقرها الأساسي حي الملعب في شرقي المدينة، أكمل دراسته في الطب وحصل على شهادة (طبيب عام) من إحدى الجامعات الرومانية في مطلع التسعينات، وانتقل إلى الولايات المتحدة التي أقام بها وتزوج امريكية وعمل مورداً للأجهزة والمستلزمات الطبية إلى العراق بموجب مذكرة التفاهم المسماة (النفط مقابل الغذاء والدواء). كما عمل الجابري وسيطاً للعراق لدى المصانع والشركات الفرنسية خلال فترة الحصار الدولي (1991-2003) ونجح في التعاون مع الامم المتحدة في تزويد العراق بكميات كبيرة من الادوية والمستلزمات الطبية الفرنسية، الامر الذي أكسبه احترام المنظمة الدولية التي استحسنت مهنيته في تطبيق ما جاء في مذكرة التفاهم.
وواضح ان واشنطن وباريس اللتين يرتبط الجابري بعلاقات طيبة معهما، تصران على توليه وزارة الدفاع انطلاقاً من عوامل انسجام تجمعه معهما، وتجادل واشنطن بان من الضروري ان يتولى وزارة الدفاع شخصية عراقية تطمئن له وتثق في إجراءاته، ما دامت هي القائدة للتحالف الدولي ضد داعش، وانها اختارت الجابري لمعرفتها الأكيدة في حياديته وعدم طائفيته، رغم انه سني عربي (حسب اراء مسؤولي وزارة الدفاع الامريكية.
ويعتقد عدد من المحللين والمراقبين السياسيين ان سبب تمسك الإدارة الامريكية بالجابري ليكون وزيراً للدفاع، انها تعرف مسبقاً ان شقيقه زيدان الجابري له صلات وثيقة بحزب البعث الذي اختاره رئيساً لإحدى واجهاته السياسية التي تحمل اسم (المجلس السياسي لثوار العشائر) وبالتالي يمكن ان يصبح الجابري الوزير قناة مأمونة في اتصال الامريكيين بقيادات عسكرية بعثية مستقبلاً.
في المقابل فان المرشح السابق لوزارة الداخلية رياض غريب ليس له سجل أكاديمي او علمي، فالمعلومات المتوفرة عنه تفيد بانه حاصل على الشهادة الاعدادية وهرب الى ايران عام 1980 والتحق بخدمة زعيم المجلس الاعلى المقيم في طهران محمد باقر الحكيم واشتغل معه مرافقاً وسائقاً.
وقد رشحه المجلس الاعلى عقب احتلال العراق وزيراً للبلديات ولكنه اخفق فيها لافتقاره الى التجربة في هذا المجال، ويقال انه تلاعب في تخصصيات مالية في الوزارة مما اضطر المجلس الاعلى إلى تجميده حزبياً وهو ما دفعه إلى الالتحاق بائتلاف دولة القانون في الانتخابات البرلمانية السابقة وفوزه بعضوية مجلس النواب.
ورغم ان العبادي لا يجد صعوبة في اختيار وزير للدفاع سواء كان الجابري او بديله خالد متعب العبيدي، إلا انه يواجه مشكلة باتت مستعصية في اختيار من يتولى وزارة الداخلية.
فهو يتفق مع الرأي الامريكي في استبعاد هذه الوزارة عن منظمة بدر التي هي عبارة عن ميليشيات شيعية مرجعيتها السياسية والعسكرية ايران ورئيسها الفعلي هو الجنرال قاسم سليماني الذي يقود فيلق (قدس) الايراني، ولكن الاملاءات الايرانية عليه بتعيين هادي العامري وزيراً للداخلية وصلت إلى حد التهديد بتصفية العبادي إذا استبعده عن الوزارة.
وسعى العبادي إلى اختيار حل وسط كان يعتقد انه يرضي الايرانيين ويقبل به الامريكان، وتمثل في اختيار قاسم الاعرجي وهو نائب ويشغل موقع مساعد العامري في منظمة بدر، وهنا كانت المفاجأة التي وضعت رئيس الحكومة في دوامة لا يستطيع النفاذ منها، وهي ان الجانب الامريكي لا يريد منظمة بدر ليس في وزارة الدفاع فحسب، وانما لا يوافق ايضاً على فعالياتها الميليشياوية في الشارع العراق.
وينقل عن أوساط برلمانية ان الرئيس اوباما ونائبه جون بايدن أبلغاه خلال زيارته الاخيرة لواشنطن بان التعاون الامريكي مع حكومته يتوقف على موقفه من الميليشيات الشيعية التي لها علاقات وطيدة مع طهران، وهذا يعني ان منظمة بدر محظورة من العمل السياسي والعسكري في المرحلة المقبلة حسب الرأي الامريكي، وبالتالي فانه من الصعب ان يتم اختيار زعيم لمنظمة يجري الاستعداد لحظرها وزيراً للداخلية التي تولاها وكالة طيلة السنوات الاربع الماضي رئيس الحكومة السابق نوري المالكي واثارت ادارته لها المزيد من اللغط والاتهامات ضده.
ويعتقد نواب من انصار العبادي، ان نوري المالكي الذي خسر معركة الولاية الثالثة هو الذي يدفع بالعامري لإشغال وزارة الداخلية ويقال ان التيار الصدري هو الآخر يريده ايضاً وسط تردد عمار الحكيم في حسم امره بهذا الخصوص.
ووفق ما تتداوله أوساط العبادي، فانه بات على قناعة بأنه سيقدم مرشحين اثنين لوزارتي الدفاع والداخلية الى مجلس النواب في جلسته المقررة في الثامن عشر من الشهر الحالي، فاذا وافق المجلس عليهما يكون العبادي قد أراح واستراح من مشكلة سبب له صداعاً طيلة الفترة الماضية، واذا لم يوافق البرلمان على مرشحيه الاثنين، فليس امام العبادي غير ان يتولى بنفسه الوزارتين اضافة الى منصبه كرئيس للوزراء، مقلداً بذلك المالكي خلال الدورة السابقة، و(الذنب) في هذه الحالة يتحمله مجلس النواب واعضائه، وليس العبادي الذي يستطيع ان يجادل بانه حاول وسعى ولكن النواب خذلوه.
779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع