سامان سوراني
الروائي العالمي باتريك موديانو (Patrick Modiano) المولود عام ١٩٤٥ في بولون- بیانكور الواقعة في شمال فرنسا ، الذي يعد أهم كاتب فرنسي منذ التسعينيات القرن الماضي وحتی الآن والذي حصل علی العديد من الجوائز الأدبية القيمة داخل وخارج فرنسا يحصل اليوم علی جائزة نوبل للآداب.
فضاءات ومسارح أعمال هذا الروائي هي باريس مكة الحب بشوارعها وحاناتها وحدائقها ومواصلاتها فهي إحدى أكبر مراكز الفن في العالم الحاضنة لبرج إيفل وقوس النصر ومتحف اللوفر وقصر فيرساي ، التي كانت المقر الرئیسي للثورة الفرنسية.
حياته نسيج من أنين الذات وخيال كثير الظل يبحث فیها زمنياً عن سيرته الشخصية الشبه قاتمة والمضطربة وخاصة في فترة طفولتە ومراهقته ومكانياً عن باريس ، باريس الستینات من القرن الماضي ، حيث العتمة السياسية والأمنية. يمکن هنا أن نقول بأن طيف والده الإيطالي من أصول يهودية والذي كان مشتبها به في قضية إضطهاد اليهود في فترة فرنسا الفيشية (١٩٤٠-١٩٤٤) ، الحكومة العميلة للنازية ، قد وسم سيرته الشخصية. كان الوالد يعيش بسبب هذه التهمة في نوع من الإختفاء والهروب المستمر ، الی أن مات بطريقة غامضة لم يعلن بعد ذلك مكان دفنه. وغياب الوالد كان يعني لباتريك غياب الأم لويزا كولبن ، الممثلة من أصول بلجيكية ، أيضاً.
قطع باتريك علاقته بوالده في سن السابعة عشرة ولازم شقيقه الصغير رودي ، الذي مات وهو في العاشرة من عمره وكان لموته أثر شديد علی نفسه. عاش طفولته ما بين الجدة ، والمربيات، وصديقات الوالدة، والمدارس الداخلية و نشأ مفتقداً العاطفة والحضن العائلي. إذن طفولته ومراهقته وحياته كانت مليئة بالحزن والتفرد. وهو القائل بأن الحياة عبارة عن باقة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة.
نشر موديانو خلال السنوات الأربعين الماضية قرابة عشرين رواية منها "سيرك يمر، محلب الربيع، بعيداً عن النسيان، مجهولون، الجوهرة الصغيرة، حادث مرير، مسألة نسب، وفى مقهى الشباب" وغيرها من الروايات. ترجمت الكثير منها الی ٣٦ لغة ومنها أربعة روايات "شارع الحوانيت المعتمة، مقهی الشباب الضائع ، مجهولات ، الأفق" ترجمت الی العربية.
التوحد ، التوحش ، الإنغلاق النفسي ، الحب الضائع، فقدان الذاكرة ، ضياع ، جنوح ، ألم، البحث عن الجذور والهوية ، إخفاء الإسم والهوية ، العذابات الشخصية ، الماضي ، الحرب ، المطاردة ، البحث عن الأماكن والساحات التاريخية منها والحاضرة ، النبش في الماضي والصور لإعادة تركيبها في مشروع عبثي يهدف الى معاودة رسم الحياة هي المواضيع الرئيسية في روايات هذا الكاتب العظيم. إنها معالجة فنية رائعة لفترة الأربعينات من القرن الماضي وأحداث الحرب العالمية الثانية بأبعادها الاجتماعية وتأثيراتها العبثية والفوضوية.
عالم باتريك موديانو حقاً رائع وكتبه حسب قول بيتر إنغلند السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية "تتحاور بعضاً مع بعض ، حيث تتكرر فيها مواضيع الهوية وفقدان الأمل". أما نزعته الروائية فهي تميل الى الشك اصلاً في هوية الكائن والافراد والسعي الی البحث عن الهوية المفقودة والمنسية.
أما لجنة جائزة نوبل للآداب في ستوكهولم فقد أعلنت بأن باتريك موديانو استحق الجائزة بفضل "تمكنه من فن الذاكرة وإنتاجه أعمالاً تعالج المصائر البشرية العصية على الفهم ، وكشف العوالم الخفية للاحتلال". صوت الذاكرة عنده يعلو فوق كل الأصوات ، صوت تغوص في التاريخ والسوسيولوجيا والتحليل النفسي ، لذا يلقب وبحق بمارسيل بروست (١٨٧١-١٩٢٢) العصر ، الباحث عن الزمن المفقود. بحصوله علی هذا التتويج العالمي تمكن موديانو من تسجيل الفوز رقم 15 لبلاده بنوبل في مجال الأدب.
الدكتور سامان سوراني
670 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع