من خلال مشاركتي في عدة مؤتمرات دولية اضافة الى ملتقيات واجتماعات مختلفة نظمتها الجاليات العراقية في المهجر في دول مثل بريطانيا والسويد و مصر والعراق وغيرها ،لاحظت ان تلك المؤتمرات والاجتماعات قدمت قرارات عديدة تعالج جوانب مختلفة سياسية واجتماعية وثقافية ، الا ان تلك القرارات غالبا ما تُـحفظ في زوايا المكاتب الادارية او تلفظ انفاسها على اعتاب المؤتمرات والاجتماعات حالما تنتهي ويغادر المؤتمرون قاعة الاجتماع .
لا اريد مقارنة ما وجدته في مؤتمراتنا مع ما عرفته في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية مذ شاركت في مؤتمر دول عدم الانحياز عام 1981 الذي انعقد في نيودلهي / الهند ، حتى اخر مؤتمر عقد في القاهرة / جامعةالدول العربية عن المغتربين والمهاجرين عام 2010 .
ان ابسط الاشياء التي تتوفر في المؤتمرات هي النشرات المختلفة التي تشرح مفاصل المؤتمر ، منها السياسي والاقتصادي والتنموي ... الخ حسب نوع المؤتمر واهدافه .
تعتمد تلك النشرات والكراريس على دراسات معدة سلفا من قبل اصحاب الاختصاص والمعرفة ، وتكون بصفحات قليلة ميسرة كي يسهل الاطلاع عليها من قبل المؤتمرين ، بسبب المحاور المتعددة التي يجب ان
يتم الاطلاع على معظمها في وقت قصير من أجل الالمام بالهيكل العام للمؤتمر اضافة الى الاختصاصات الدقيقة التي يجتمع حولها عدد من الهيئات والاشخاص كي يتوصلوا الى أفضل القرارات بشأنها.
واذكر من بين المفارقات في احدى جلسات مؤتمر الكفاءات ببغداد 2008 ، ان اقترح المجتمعون في الجلسة (الورشة ) اسم الدكتور فرحان باقر لادارة الجلسة التي خصص لها من الوقت ثلاث ساعات ، بمشاركة اكثر من ثلاثين شخصا .
ولكن ضاعت ساعة – ثلث وقت الجلسة - بسبب الصراع على ادارة الجلسة ، لرغبة اكثر من مسؤول في ادارتها . واعتقد ان جميع من شارك بتلك الجلسة (الورشة) يذكرون تلك المماحكات بألم ، وقد كتب عنها البعض كما اذكر .
لذلك يعد تنظيم الجلسات وتهيئة النشرات والكراريس وتوزيع الادوار بشكل ديمقراطي وعدم فرض المسؤولين الحكوميين على الورشات أمر في غاية الاهمية ، ومن الضرورة بمكان الاتفاق المسبق على آليات العمل في جلسات الاعداد للمؤتمر مع مجموعة – خلية عمل - من المشاركين في المؤتمر قبل أشهر من عقده.
الدعوات والمدعويين
لاحظت في جميع المؤتمرات العراقية ، ان الدعوات تأخذ بعدا فيه الكثير من المجاملة على حساب اهداف المؤتمر ، فان كان المؤتمر لوزارة من الوزارات ، تجد عددا كبيرا من موظفي الوزارة يحشرون في المؤتمر ، احيانا رغبة في الحصول على فرصة للسفر والايفاد ، واحيانا اخرى تلبية لواقع المحاصصة ووجوب مشاركة جميع الاطراف السياسية الممثلة في الحكومة ، لذلك يثقل المؤتمر باعداد غير منتجة بل قد تكون معرقلة ، واحيانا اخرى تتدخل شخصيات حكومية مثل السفراء في البلدان التي يعقد فيها المؤتمر ، فتجد السفارة تأخذ زمام المبادرة واحتكار توجيه الدعوات لمن تعرف او ترغب او تريد ، لذلك نرى العديد من المدعويين ليس لهم غاية حقيقية في المؤتمر ، واغلبهم يشاركون ( للكشخة ) .
سمات المشاركات الشخصية
تتميز شخصية الفرد العراقي على الاغلب بالانفعال العاطفي ، دع عنك الازدواجية التي تحدث عنها الراحل علي الوردي بالتفصيل ، لذلك نلمس اللقاءات الدافئة والاشواق المعبرة عن عواطف حارة في المؤتمرات ، ولكن ما ان يلتئم الجمع لمناقشة موضوع معين حتى تتشعب الخلافات الى درجة يصعب فيها السيطرة على جلسات الحوار والنقاش ، ما يسبب ضياع الوقت والجهد في المؤتمرات دون الحصول على نتائج مرجوة ، اذ غالبا ما تكون النتائج مبتسرة بسبب سرعة طبخها في الساعات الاخيرة لضيق وتسرب الساعات المخصصة للموضوع بمواضيع جانبية ونقاشات عقيمة ، على سبيل المثال يطول النقاش حول كلمة ما ان كانت صحيحة قاموسيا ، او حول اختيار مصطلح لغوي ينسجم مع الموضوع ... الخ
وحدث على سبيل المثال في احدى الجلسات ( الورش ) التي شاركت فيها نقاش حول استخدام كلمة ( استثمار ) الكفاءات العراقية أم ( استقطاب ) الكفاءات العراقية ، واصبحت هذه الملاحظة فقرة في نقاشات الجلسة بدلا من التركيز على لب الموضوع وفسح المجال أمام اوراق للنقاش أعدت سلفا الا ان الاسراع في طي الموضوع واللحاق باختتام المؤتمر أضاع فرصة طرحها ومناقشتها .
اضرب هذا المثال لا للانتقاص من عمل الجلسة – الورشة - وانما مثل هذا وجدته يحدث في جميع المؤتمرات التي تضطر في النهاية الى غلق وطي المواضيع الهامة لعدم وجود الوقت الكافي والتوصل الى قرارات جادة بشأنها.
حيثيات المؤتمر الوطني
الملاحظ عند حدوث اي اشكال لدى الجهات المسؤولة ، تسرع الى طرح فكرة عقد مؤتمر ، فازدحمت اجندات الوزارات بالمؤتمرات ، دون وجود اسس لانجاح اعمالها ، وهو ما حدث للحكومة في طرحها فكرة عقد المؤتمر الوطني ، اذ تقرر عقد مؤتمر من اجل معالجة الاشكال الذي وقعت فيه الحكومة وعدم تنفيذ اتفاقية اربيل ، او الخلاف في تشكيل مجلس السياسات العليا الذي طالب فيه الدكتور اياد علاوي، الا ان الاسس التي يتطلبها عقد المؤتمر غير موجودة ، لان الدعوة الى مؤتمر يجب ان تقترن برغبة جميع الاطراف لا طرف واحد ، سواء الحكومة او رئيس الجمهورية الذي دعا الى عقد المؤتمر ، كان الاولى الاتفاق اولا مع الاطراف التي تطالب بتنفيذ ما تريد ، ومعرفة ان كانت ترغب في الجلوس معا في مؤتمر وطني من اجل معالجة الامور ، بينما الذي جرى ان طرفا واحدا قرر عقد مؤتمر فاصطدم بمعارضة الاخرين ، ليفشل اقتراح عقد المؤتمر وربما لن يرى النور مستقبلا ، وهو الذي جعل الحكومة تطرح مشروع تشكيل حكومة اغلبية ، وهذا اشكال اخر ، يتضح فيه خطأ الطرح ليتخلى عنه بعد لأي من طرحه ، ويصاب الجميع بالاحباط والوقوف وراء الابواب التي اغلقوها جميعا على انفسهم .
خلاصة
اصبح وضع جميع الخلافات على بساط واحد امرا يسبب الصداع لكل من يريد تلمس طريق الحل للوضع الراهن ، لذلك يجب البدء بمعالجة الامور بالتسلسل ، ومن الافضل البدء بابسط العقد فصاعدا نحو الاشكالات الاخرى ، واقترح البدء بتشكيل فريق عمل من مجموعة مستقلة تستأنس برأي الاطراف الاخرى جميعا لاختيار ابسط مشكلة بالامكان الاتفاق على رؤية شاملة جامعة لحلها كأن تكون توزيع المناصب بالوكالة ابتداء من اسفل السلم الوظيفي فصاعدا ، اي من منصب مدير عام فصاعدا ، وهكذا يجري تفكيك العقد واحدة اثر اخرى على امل الوصول الى اتفاق يرضي الاغلبية ، ومن ثم الاتفاق على صيغ جديدة للحكم .
406 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع