بقلم / طلال معروف نجم
الذي حفزني لكتابة هذه المقالة , متناولا ثلاثة من اعلاميين في زمان مختلف وبلدان مختلفة , هو انني شاهدت المذيع الشهير أحمد سعيد لأشهر اذاعة عربية كانت تخاطب المواطن العربي .
على امتداد أرض العرب , من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي . هي اذاعة صوت العرب التي أسسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر . وكانت الصوت العروبي القومي على أمتداد عقدي الخمسينات والستينات . قال أحمد سعيد في معرض اتهامات وجهتها له اعلامية مصرية على فضائية مصرية ليست حكومية قبل فترة , بأن كل بياناته التي كان يطلقها ابان معارك حزيران مع العدو الصهيوني عام 1967, كاذبة
ومضللة للشعب المصري والعربي . فما كان منه الا و أجاب بحنكة الاعلامي المتمكن, الذي كان يقود اذاعة صوت العرب خلال حرب الايام الست بعيدا عن سلطة القيادتين السياسية والعسكرية . قائلا بالنص " الجبهة العسكرية سقطت بالكامل . وخوفي على الجبهة الداخلية ومن مؤامرات الاعداء , كان لابد لي أن أطمئن الناس في مدن مصر . فأمهات وزوجات يرتبطن بمقاتلين بالالاف في الجبهة سوف ارعبهن لو قلت الحقيقة . ولكانت الفرصة مؤاتية لأسقاط النظام . فالبيانات غير الحقيقية كانت ضرورية".
وهنا تذكرت غوبلز وزير دعاية الفوهرر هتلر. هذا الاعلامي الخارق الذي دوخ الحلفاء واقلقهم , من خلال بياناته ومنشوراته الدعائية . وكانت حملاته الدعائية "لم يظهر وقتها مصطلح الاعلام" , عنصرا رجح كثيرا كفة المانيا الهتلرية , على الصعيدين العسكري والسياسي . فيكفي ان منشوراته التي كانت تلقى على جنود الحلفاء , تحمل صورة طفل جميل كتب تحته "عد لنا سالما يابابا", فتثير هوس الجنود القابعين في خنادقهم . فمنهم من يجهش بالبكاء . ومنهم من ينهار على الاخر.
كان هتلر يستئنس الى افكار واراء غوبلز ولا يرد له طلبا. ويوم عرض عليه فكرة , تأسيس اذاعة المانية باللغة العربية . تساءل هتلر عمن يديرها , فرد غوبلز انها فكرة رجل عراقي اسمه "يونس بحري" وهو من سيديرها ويبث بياناتنا باللغة العربية. فأنطلقت بعد ذلك اذاعة برلين العربية لتنافس اذاعة الـ بي بي سي البريطانية . وليكون صوت يونس بحري وهو يطلق عبارته الشهيرة "حي العرب" في الافتتاح والاغلاق, العلامة المميزة لهذه الاذاعة . ويوم اقترح يونس بحري على غوبلز ان يقابل هتلر ليعرض عليه مشروعا لم تنتبه الـ بي بي سي اليه من قبل . وهو ان تبدأ برامج اذاعة برلين
بالقران الكريم. تم لبحري ما اراد فقابل الفوهرر وحقق مشروعه فكان القران الكريم يذاع عند افتتاح برامج الاذاعة الالمانية . ونحت أذاعة الــ بي بي سي بعد ذلك منحى الاذاعة الالمانية.
ولعل وزيرالاعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف يمكن تصنيفه من اعلاميي فترات الحروب والشدائد الناجحين. يحاكي نجاحات غوبلز واحمد سعيد . أعداؤه قد يصفونه بأنه أداة نظامه . ولكنه كان يمثل الاخلاص لنظامه. خاصة وان نظامه تحف به الخطوب . بدليل انه آخر المسؤولين في النظام السابق الذي ينسحب من الساحة, ويتوارى عن الانظار. بينما فرت جنرالات عسكرية من ساحة المعركة مبكرا. حتى ان رئيس الدولة الغازية بوش الصغير, كان يطلب من موظفيه ان يبلغوه بمجرد ان يظهر الصحاف على شاشات الفضائيات. ويؤكد لهم بأنه يبتهج لمتابعة تعليقاته. خاصة بعد ان تترجم له
خطبه والمصطلحات التي كان يرددها الصحاف. من أمثال "العلوج" و"طراطير".
أذن الشخصيات الاعلامية السابقة , كانت شخصيات مؤثرة في حركة الاعلام والدعاية. ولايمكن غمط دورهم كأعلاميين ناجحين . مهما قيل بحقهم من عبارات التهريج والتلفيق والكذب .
فالاعلام والدعاية صناعة الترغيب والتحبيب ولا غضاضة من الكذب, عندما يتعلق الامر بالوطن. وهل ننسى الاخبار الكاذبة التي كان يطلقها الغازي الامريكي . حتى ان كثيرا من الصحفيين فروا من قاعدة السيلية بقطر. بعد ان وجدوا ان الاخبار التي تعطى لهم من العسكسريين الامريكيين, كلها كاذبة ولاتمت الى الحقيقة بصلة. فوجدوا الحقيقة في بغداد من قلب المعركة.
لقد كان لكل من هؤلاء الثلاثة كاريزما خاصة به نفذت الى المتلقي. فغوبلز وفي زمن الدعاية الاذاعية والمنشورات كان قد وضع اسس دعاية لم يسبق لها أن عرفت من قبل . وأحمد سعيد بصوته الاذاعي وملكته الخطابيه , شكل تفردا بين مذيعي تلك الفترة. والصحاف لم يكن رجلا وسيما. ولكن قسمات وجهه القاسية هي نفسها التي عرفها عنه, كل الكادر الاذاعي والتلفزيوني لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون العراقي يوم كان مديرا عاما لها. فأجتمعت قسماته القاسية الى جانب المصطلحات التي اطلقها ووجدها البعض تهريجا. والبعض الاخر ممتعة في وقت الشدائد والملمات. وآخرون وجدوها ناجعة
ومؤثرة, لتضيف الى شخصيته مسحة من كاريزما فاعلة. الى جانب تواجده بكل جرأة في المواقع المدمرة. والمبيت ليلا في مبنى وزارته بالرغم من انها كانت هدفا عسكريا لأكثرمن مرة . كل ذلك تؤكد بأنه كان رجل أعلام ودعاية ناجح في مرحلة عصيبة .
1322 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع