زيد الحلي
عندما انبلج الصباح ، وجدتُ نفسي امام المرآة .. تناولت فرشاة اسناني ومررتها في فمي على عجل ، ومددت يدي الى موس الحلاقة ، فحلقت ذقني باستعجال شديد دون ان انتبه الى حقيقة ، وهي انني لم اكن على موعد ضروري ، كي انهض مبكرا ، باستثناء ان النوم لم يصاحبني ليلاً حتى الهزيع الاخير ، فتعكر مزاجي ، واطل عليّ الغبش ثقيلا.. متعباً..!
فماذا افعل ؟
عقدتُ العزم على التجوال في شوارع بغداد الرئيسة ، قبل ان اذهب الى مكان عملي ، آملا ان تكتحل عيوني التعبى من شدة الأرق، في مشاهدة منظر الصباح ، وهو يطرق ابوابه لعل في ذلك ما يخفف عني بعض ما عكّر مزاجي ، وسلب هنائي وخلخل حياتي ، قبل ان اعود الى مكتبي، فلربما يهرب مني الملل والألم ، فليس اتعس للإنسان من ان يتجه صوب وسادته ، متعباً ، ثم يجد انه لن يستطيع النوم ، لأن في داخله هماً اكبر ، تغلب على سلطان النوم بالضربة القاضية !!
ودون ذكر التفاصيل الذاتية ، وهي تفاصيل اقرب منها الى الهذيان ، انطلقت للتجوال ، فلم اجد صباحات بغداد التي عرفتها : اين حركة الصباح وعربات الباعة الجوالون ... اين الموظفات والطالبات وقد امتلأت بهن الشوارع وساحات وقوف السيارات وهن مثل لوحة فسيفساء او حديقة ملآى بالزهور الملونة بعطر القداح والقرنفل والياسمين .. لم ار من ذلك المشهد إلا عدداً لا يسر الناظر ، ولا يعطي دفقاً لبدء حياة يوم جديد !
بحثتُ عن وجوه باعة الصحف ، وبائعي الوجبات الغذائية الصباحية التقليدية التي كانت احدى سمات الصباح البغدادي ، فما شاهدتُ سوى ثلة منهم .. اين سيارات غسل الشوارع واين سيارات حمل النفايات و.. و..!
في ساحة الطيران بقلب بغداد ، توقفت لبرهة ، فأنهال عليّ عشرات الشباب والكهول والصبية ... افقت من هول المفاجأة ، لأستفهم ، لماذا تحلقوا حولي ، فإذا بهم ينشدون عملاً ... وكانوا يظنوني مقاولاً جئت لأصطحب عددا منهم للعمل في البناء او الترميم ، وما كانوا يعرفون بأنني بحاجة الى ترميم من الداخل ، بعد ان فقدت شيئاً عظيماُ هو (راحة البال) .. ولم يدركوا بأن احلام اليقظة كابوس مريع ، فكيف بإنسان يحلم لثوان بين يقظة خرساء ، ونوم متقطع .. فحاله يشبه خنجرا في خاصرة إنسان هو ... انا !
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
405 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع