ظاهرة السلفية الجهادية وسيكولوجية الجماهير الفاشية وموقف الفلسفة منهما

                                   

                        د.سامان سوراني

بما أن مفهوم السلفية يعني عند البعض "فهم الدين علی طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى" ، إلا أن هناك فصائل سلفية تقف كما تشاء من هذا المفهوم ،

فمنهم من يرتكز علی الدعوی ومنهم من يسرف في التأويل ومن يعتمد العنف المادي والسافر والرمزي والمتستر لا يقصد إلا الجهاد والدعوة الی الانقلاب على أنظمة الحكم ، مستخدماً مواقع التواصل الإجتماعي وشبكات المدارس القرآنية والمساجد لتوصيل رسالته الی الجماهير الغافلة بغية فرض الهيمنة والسلطة والتمييز واللامساواة بين الأنا والآخر أو بين المرأة والرجل أو بين الغني والفقير والسعي الی شرعنتها دينياً وأخلاقياً بعدم أخذها كواقعة تاريخية وثقافية.
المشروع الجهادي السلفي يعادي عموماً النزعات فردية وكل من يقوم بتكذيب إدعاءاته الشمولية أو زعزعة أوهامه المطمئنة المعتمدة لنشر تعاليم الطاعة والتبعية والخضوع المازوشي ، التي تنسج الأمير الجهادي أو القائد الحربي. ذلك الأمير الذي ينتصب في موقع الأنا الأعلی لفرض ثقافة الطاعة السياسية العمياء لە وبالتالي للحركة أو التنظيم بعد تسلط ثقافة الخضوع الإستبدادي.
المناطق الجغرافية التي توغل اليها المشروع الجهادي كانت في السابق تحت هيمنة أنظمة عسكرية استبدادية لا تؤمن إطلاقًاً بالحريات ، وخصوصاً الإيمان بالحرية الفكرية أو حرية التعبير والنقد والرأي. تلك مناطق لم تنشأ فيها يوماً نخب سياسية مثقفة لتتولی مهام البناء والتشييد ، بل ساد فيها الجمود والستاتيكية وغلق فيها أبواب الإبداع والإبتكار المعرفي ، ناهيك عن الإستغناء عن المفكر أو الفيلسوف ، لذا برزت أخيراً بطبيعة الحال عقدة في عقول أفراد تلك المناطق تجاه كل من يفكر بحرية أو يبدع ويأتي بجديد. وهناك حقيقة مرؔة يجب الإشارة إلیها ، ألا وهي أن تلك المناطق الجغرافية ومنذ قرون لم تشارك أو تقوم بصنع التاريخ ، لذا لم تكن قادرة علی تحديد مركز الإهتمام الفكري والعلمي ولم تشارك في تحديد أولويات القضايا المطروقة من قبل الإعلام العالمي ، بل تركت الأمور كلها للعالم المتقدم. مناطق جغرافية تستهلك أكثر من اللازم لا تنتج حتی الكلام ولاتستطيع حتی بنفسها تشكيل صورة عن نفسها ، لذا نری الخطابات الفكرية والمعرفية الصادرة من تلك المناطق غير متزامة و لا مطابقة مع واقعها الحقيقي ، لعدم قدرتها علی إدراك موقعها الحقيقي التاريخي والجغرافي في هذا العالم.
الخطابات الدوغمائیة النابعة من تلك المناطق الجغرافية تجعل من القبليات حقائق مطلقة يمنع تجاوزها ، فكيف بولادة فكر نقدي تساٶلي يريد أن يفهم الواقع لمعالجته؟
أين دور الفكر الفلسفي في تلك المناطق الجغرافية من النظريات الفسلفية والأفكار العلمية والأيديولوجيات السياسية التي نشأت وتطورت بشكل مدهش في القرن الماضي؟ ما شاهدناه هو الإكتفاء بدور المكرِّر والمقلد لإعادة إنتاج الذات مع تغيّر الأشخاص والوجوه دون أي تحول في الجوهر المعرفي (الإبستمولوجي) ، فبقيت المواضيع محدودة تدور حول إشكاليات لم تتجاوز الی یومنا هذا كموضوع الهوية ، الدولة ، الأمة ، الإسلام ، التراث ، الحداثة ، وغيرها من المقولات المستهلكة. التفكير الفلسفي النشط يسمح بنشر ثقافة الحوار والنقاش العمومي لحل المشاكل المجتمعية المعقدة عن طريق طرحها لنقاش عمومي ومٶسساتي يدلي من خلالها الجميع برأيه دون تهميش أو إحتقار وبعدها يتم عملية صياغة الملخصات و التقارير من قبل خبراء أصحاب إختصاصات متعددة لتعرض أخيراً علی المٶسسات المعنية المنتخبة بشكل قانوني.
إن "سيكولوجيا الجماهير" تتأثر بشکل سريع بالدعايات الفاشية المضادة للديمقراطية وترفض نادرا نير السلطات  والسلفية الجهادية بتعلقها بالماضي تتعصب وتتصلب ضد القيم والأفكار الجديدة والغربية وبسبب عدم میلها الی الأفكار الإجتماعية والإقتصادية والسياسية المنفتحة القريبة من الديمقراطية ترفض جميع الأفكار والمواقف الموضوعية الموازية للديمقراطية. فهي تلتزم بالنماذج التقليدية وبالشكليات و ترفض الجماليات واليوتوبيا والفكرالنقدي ولا تعترفَ بالتعددية والاختلاف وحق الفرد في اختيار قيمه باستقلال عن مجموعته الدينية أو الاثنية ، تتماثل بالقوي وتتماهی معه ، لا تحترم الإثنيات والأقليات والأديان و لاتتسامح مع الآخر. وبسبب تأجيج المشروع الجهادي لهاجس الهوية بمفهومها البدائي المنغلق علی الذات والمتناقض مع الآخر ، نراه يتأكد علی وحدانية الدين والکتاب و الأمة الإسلامية ، التي هي في نظره "خير امة أخرجت للناس" والتي ستملأ الأرض عدلاً بعدما امتلأت في نظرها جوراً وظلماً. وبعد كل هذا نری ضرورة رفع مكانة الفلسفة والنظر اليها کوسيلةً حضاريةً لتأصيل الحوار السلمي والتسامح وقبول الآخر، وغرس قيم العيش معاً عن طريق ترقية الحجاج العقلي المنطقي وغرس ثقافة التميز والتمايز والاختلاف. إن عصر اليقينيات القاطعة قد ولی وها نحن نری وبسرعة فائقة قفزات نوعية في مجال تجديد العلوم والمعارف والفلسفات بنظرياتها ومناهجها وأساليبها ونماذجها.
وختاماً نقول: إن توسيع آليات العمل الديمقراطي وتطوير مفاهيم المشترك العمومي أو العالمي بين أفراد المجتمع سوف يفشل نجاح المشروع السلفي الجهادي إن لم نقل سيٶدي الی إزالته من الوجود بعد ترويض التعصب وتدجينە.  
الدكتور سامان سوراني

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

981 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع