منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وإسرائيل تحاول ابتلاع تلك المناطق المحتلة. بدأت بإنشاء منظومة متكاملة من المستعمرات اليهودية ذات الأهداف العدائية، ديمغرافياً وعسكرياً وأمنياً وسياسياً.
على الدوام تتذرع إسرائيل بهاجس الأمن والخوف من المحيط العربي، وكأن لا خوف داهماً منها على العرب. ربما لدى إسرائيل الحق في ذلك؛ فلقد أقيمت في ظروف فُرضت على من حولها بالقوة العسكرية والمكر السياسي، وتبعات المؤامرات التي مُرّرت منذ بدء الصراع العربي - الإسرائيلي.
على الدوام، حصلت إسرائيل على الوقت الكافي لتنفيذ مخططاتها. نحن نقترب من نصف قرن على احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، لم تواجه إسرائيل رادعاً سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو حتى أخلاقياً معنوياً، يثنيها عن القيام والمضي في مخططاتها.
على العكس من ذلك، يتوفر لدى إسرائيل من الإمكانيات ما يجعل استمرارها في الاحتلال والاستيطان يمضي لأجل غير مسمى. بالذات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الأميركي، يكفي لتوسيع الاستيطان وترسيخ ثقل الوجود الإسرائيلي، ليشمل نواحي وأركاناً جديدةً داخل فلسطين المحتلة وخارجها. بفضل هذا الدعم النوعي بامتياز، أصبحت إسرائيل قوة عسكرية وسياسية وديمغرافية عظمى، محلياً وإقليمياً.
لا تريد إسرائيل حتى الالتفات لأية دعوة حقيقية في اتجاه إقامة سلام فيه بعض التنازلات المؤدية لإنشاء كيان فلسطيني سياسي. على العكس من ذلك تخلق وتختلق كافة العراقيل، وذلك ما يؤدي فقط إلى جعل عملية السلام متوقفة أو تدور في حلقة مفرغة. بذلك يتوفر لإسرائيل الوقت الكافي والهدوء والسكينة، كي تمضي في إرساء ركائز ودعائم وأسس الاستيطان.
بالتوازي مع ذلك، تستخدم إسرائيل المسارات السياسية والإعلامية والثقافية والأكاديمية التعليمية، لدعم نظريتها في الوجود في المنطقة. في ذلك قطعت إسرائيل شوطاً كبيراً، حيث استطاعت الدخول إلى العقلية العربية في المدارس والجامعات. تم تغيير الكثير من النصوص والمفاهيم التقليدية الأساسية، التي تتطرق للعلاقة بين إسرائيل اليهودية وما حولها من عرب أو مسلمين.
أعطى العالم إسرائيل الدعم والوقت الكافيين لتوطيد وجودها الاحتلالي. لم يُعط كيان سياسي كسراً بسيطاً مساعدات سخيةً، مثلما أُعطي الكيان الإسرائيلي. مُنحت إسرائيل كل ما تحتاج إليه لتظهر تفوقاً كاسحاً على كل من حولها، اقتصادياً وعلمياً واجتماعياً وسياسياً.
تستمر إسرائيل في إنشاء وتطوير وتمديد مستعمراتها، منتهكةً كافة القوانين والأعراف الدولية وحقوق الإنسان. تواجه في ذلك بيانات استنكار واستنجاد محلية وعربية، وبدرجة أقل دولية خجولة؛ ثمة بدرجة معدومة من القوى الغربية. الأخيرة لا تزال ترى في إسرائيل حارساً على مصالحها المادية والمعنوية في المنطقة، أمام القوة العربية والإسلامية الخامدة، ثمة القابلة للنهوض والتقدم.
أخيراً ودولياً بدأت الأمم تشعر، وربما الوقت ليس متأخراً، بأن إسرائيل أُنشئت وتحاول البقاء والاستمرار والتوسع على أنقاض شعب عريق. الشعب الفلسطيني تم اجتثاث وتدمير الجزء الأكبر منه، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً. تم تشتيت الفلسطينيين بفعل التفوق الإسرائيلي العسكري والتقني والسياسي، في لعبة سياسية ماكرة، على الدوام لم تكن لهم فيها ناقة ولا جمل. لا يجد الفلسطينيون بداً من التحرك في اتجاه طلب المساعدة للاعتراف بكيان سياسي ولو رمزي؛ "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة.
ربما ذلك ما يعيد بعض التوازن والسكينة والمنعة، لشعب حُرم من حقوقه الأساسية والمكتسبة على مدى عقود من السنين. الأمم والشعوب المختلفة، وخاصة الصغيرة والضعيفة والمهمَّشة منها، قابلة لأن تصبح ذوات تأثير فعال وحاسم على الساحة الدولية. ذلك في ظل التبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأزمات العالمية، التي باتت تعصف بالأيديولوجيات السائدة من الأساس.
ما تسمى تقليدياً بالدول العظمى، تواجه أخطاراً ونهايات مشابهةً للإمبراطوريات القديمة المنقرضة. كما أن ظاهرة الربيع العربي ليست حكراً على العرب؛ من الممكن أن تنتقل إلى مختلف المجتمعات الدولية. العالم الجديد يتكون؛ فيه الضعيف يصبح قوياً قادراً على الحصول على حقوقه، رغم التفوق السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يسود حالياً، ثمة آنياً مؤقتاً! على سطح الكرة الأرضية.
549 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع