حول القرار المجحف بإلغاء البطاقة التموينية

                                         

حول القرار المجحف بإلغاء البطاقة التموينية
قصة البطاقة التموينية من 1990 إلى 2013
د. أكرم عبدالرزاق المشهداني

قررت الحكومة الغاء توزيع مفردات البطاقة التموينية على المواطنين ابتداءً من آذار المقبل، فيما خصصت مبلغ 15 الف دينار لكل فرد شهريا توزع بدلاً عن مفردات البطاقة. وقال المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ إن "مجلس الوزراء اجرى عملية تصويت بالاجماع خلال جلسته الـ48 على قرار الغاء توزيع مفردات البطاقة التموينية على المواطنين، وتعويضهم بمبلغ 15 الف دينار لكل مواطن توزع عليهم شهريا بدل مفردات البطاقة". وأضاف الدباغ أنّ "الحكومة ستضع ضوابط مشددة لضبط اسعار المواد الغذائية والطحين على شكل الخصوص حتى لا تحدث زيادات بالأسعار، وأن لجنة برئاسة وزير التجارة ستبحث الأمور التفصيلية من اجل تسهيل عمل اللجنة من ناحية كيفية توزيع هذه الأموال على المواطنين ".
وإدعى الدباغ بأن الحكومة الموقرة وجدت أن مفردات البطاقة التموينية بلغت خمسة مواد وتقييمها الفعلي بلغ 12 الف دينار لكن الحكومة تكرمت وقررت زيادتها إلى 15 الف دينار". ما شاء الله ولا ندري كيف حسبتها الحكومة بهذه الحسبة.؟... يشار إلى أن ثلثي الشعب العراقي يعتمد على مفردات البطاقة التموينية بالرغم من وصولها بـ"القطارة" حسب استياء الشارع..
وقد وصفت اللجنة الاقتصادية البرلمانية قرار مجلس الوزراء بإستبدال البطاقة التموينية بمبلغ (15) ألف دينار لكل مواطن العام المقبل بالقرار المجحف وبالمخالف للدستور، مؤكدةً إنها ستطعن بالقرار، فالشعب هو مصدر السلطة ويجب أن يرجع إليه في مثل هكذا قرار.. والمواطن العراقي (رغم شحة مفردات البطاقة) هو بحاجة ماسة إليها..
هذا القرار جاء حسب إدعاء بعض أطراف الحكومة استجابة لأوامر صندوق النقد الدولي، الذي يقف دائما ضد أي دعم حكومي للسلع، وشهدنا التظاهرات والاضطرابات التي حصلت في مصر أوائل الثمانينات وفي الاردن اواسط التسعينات حين قررت الحكومة رفع الدعم الحكومي للسلع الضرورية للمواطن وبالأخص الطحين، وشهدنا ثورتي الخبز في مصر والأردن.
إنه لا يمكن أن يوصف إلا بأنه قرار مجحف بحق ابناء الشعب العراقي تناسبا مع اسعار السوق الحالية والمثير للاستغراب والاستنكار في هذا الأمر هو كيف تمكن المستشارون الجهابذة في مجلس الوزراء من إعتماد هذا المبلغ (12 ألف دينار) و(تكرمت الحكومة على الشعب المسكين) فرفعته الى 15 ألف دينار!!.. علماً أن تخصيص هذا المبلغ الذي لا يعني شيئاً للفرد العراقي... ثم يجب ان تحسب الكلفة على اساس سعر السوق الحالي،  فاذا كان على سعر السوق الحالي فان المبلع لا يكفي لمدة اسبوع فقط وهذا واقع السوق... اما اذا اعتمد المستشارون الجهابذة على سعر الكلفة من المصدر؟ فهل إن الفرد العراقي يتسوق مباشرة من المنتج.
 
شهادة حق في حق البطاقة التموينية:
في عام 1990 وبعد مشكلة احتلال الكويت، بدأت القرارات الدولية تترى تفرض العقوبات الاقتصادية الشاملة على العراق، بشكل غير مسبوق. فأمرت القيادة حينها باستحداث نظام البطاقة التموينية للغذاء والحاجات الأساسية للمواطن، وبطاقة أخرى للتزود بالوقود، والأخيرة لم تستمر طويلا بل توقفت بعد عودة انتاج النفط العراقي آذار 1991.
واتذكر أن لجنة تشكلت لوضع آلية تنظيم واستحداث البطاقة التموينية كنت احد اعضائها اضافة لممثلين عن مجلس التخطيط والدفاع والتجارة وجهات أخرى، وتم اقتراح اسس تنظيم وتوزيع البطاقة التموينية وتم ادخال معلوماتها على الحاسوب فكانت أرقى نظام احصائي وشملت جميع العراقيين بما فيهم مواطني كردستان العراق. بل وصار نظام البطاقة التموينية من ارقى النظم المعلوماتية الاحصائية بحيث صارت البطاقة التموينية واحدة من اهم بطاقات التعريف المعتمدة للتعريف بالمواطن العراقي ومسكنه وعدد افراد عائلته، بل إن نظام السكن (نظام مكاتب المعلومات) الذي سبق نظام البطاقة التموينية بعشر سنوات صار هو يعتمد على بيانات نظام البطاقة التموينية. كما أن الهيئات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة أشادت بمستوى ودقة نظام البطاقة التموينية الذي شكل قاعدة للكثير من برامج الحكومة وبرامج المنظمات الدولية.
واتذكر مقولة لأحد الشخصيات العراقية المرموقة والمعروفة يقول فيها: ((إن أرقى ما حصل عليه العراق من ثرواته المبددة: مشروعان فقط والباقي راحت هباء، أما المشروعان فهما الطريق الدولي السريع والبطاقة التموينية!)).
 
قرار ليس لصالح الفقراء:
إن قرار إلغاء البطاقة التموينية بكل مفرداتها ولجميع المشمولين بها بـحاجة لمراجعة ودراسة أعمق كونه سيعرض الفقراء وذوي الدخل المحدود لمعاناة معيشية شديدة وسيحملهم أعباء ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق المتوقع بمستويات متضاعفة. ولابد من التريث في هذا القرار واستثناء الفقراء وذوي الدخل المحدود من الشمول به ومضاعفة البديل النقدي المرصود للتعويض عن مفردات البطاقة بما يتناسب والتضخم والارتفاع المتوقع في أسعار المواد الأساس الداخلة بنظام البطاقة التموينية.


هزيمة أمام الفساد والمفسدين:
من غريب القول الذي سمعناه من قبل المدافعين عن (قرار الحكومة إلغاء البطاقة التموينية) بأنه يقطع الطريق أمام الفاسدين ويضع حدا للفساد المستشري في وزارة التجارة والجهات المعنية باستيراد مواد ومفردات البطاقة التموينية.. وهذا منطق غريب وعجيب.. فهل يكون سد طريق الفساد على حيتان التجارة من خلال إيذاء فقراء الشعب العراقي؟
 
وهذا الكلام يذكرنا بنكته عن حاكم ظالم مستهتر لا يحترم شعبه، اشتكى اليه الناس من وجود حفرة في شارع ما أدت إلى وقوع كثير من الحوادث المرورية المؤسفة بحيث أن (قاووش) المستشفى لم يعد يتحمل أعداد المصابين... فما كان من هذا الحاكم إلا أن تتفتق ذهنيته الخائبة عن حل، بدلا من ردم الحفرة ومعالجتها، فإنه أمر ببناء (قاووش) اضافي بالمستشفى ليستوعب عدد المصابين من جراء حوادث الحفرة!!!.. وهذا المنطق يبدو أنه ما زال سائداً.
 
أين نظام الرعاية الإجتماعية؟؟
 الدول المتقدمة وبخاصة الغربية لجأت الى نظم الرعاية والضمان الاجتماعي Social Security  فلماذا لا تتفتق عبقرية المستشارين لينصحوا الحكومة  باقرار قانون ضمان اجتماعي متكامل وهذا يخدم الشعب والدولة واسوة بمستوى الدول المتقدمه التي تعمل بقانون Social Security؟، وهو القانون الذي يعطي لكل عاطل عن العمل مبلغ العيش الكافي، مثلا يكون لكل فرد مبلغ 400 الف دينار عراقي وبنفس الوقت قانون العاطل عن العمل يطبق على كل موظف واجير يومي بمعني الذي يعمل سائق تكسي او عامل بناء او بائع متجول او فلاح كل هؤلاء يعتبرون غير عاطلين عن العمل إن كان موردهم الشهري يفوق الـ400 ألف دينار..

 
ترشيق الحقائب الوزارية وتعزيز البطاقة التموينية
يجب أن تتذكر الحكومة جيداً أن هناك ((6)) مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر، في حين يعيش بضعة آلاف فوق خط الغنى الفاحش والثراء!!، فهل يريد العراقيون حكومة باهظة التكاليف؟. لو استعرضنا أسماء وأعداد وزارات الدولة العراقية ومديرياتها العامة والمؤسسات، من رئيس الجمهورية ونوابه ومستشاريه ومجلس النواب رئيسه ونوابه ومستشاريه وأعضاء المجلس وملحقاته ومجلس الوزراء ونواب الوزراء والمدراء العامين وكل من بدرجة وزير وهم كثر في كلا حكومتي بغداد وأربيل!؟ فمن يستطيع إن يُحصي ويطلع الشعب العراقي على كلفة الحمايات والمخصصات والرواتب والايفادات والإكراميات والنثريات لكل هذه العناوين وأظنه سيصل إلى رقم فلكي مذهل لا كان ولن يكون في دول العالم الثرية منها وليس الفقيرة، بحيث وصلت أريحية بعض مسؤولينا الكرماء جداً على غيرهم، البخلاء جداً على شعبهم، أن يتبرعوا بملايين وآلاف الدولارات إلى بعض مؤسسات الدول الشقيقة والصديقة لولا إن يردهم البعض ويقولون لهم إن شعبكم المحروم أولى منا بعطاياكم وذوي القربى أولى بالمعروف، ومن دون أن يندى لهم جبين وهم يرون آلاف المتسولات والمتسولين والمشردات والمشردين في الشوارع.
ولاشك أن مصاريف الخدمات والحمايات والرواتب والمخصصات العلنية والسرية كلها ((تقصم)) ظهر ميزانية الدولة العراقية على حساب الكثير من الاستحقاقات الوطنية العراقية التي يجب إنفاقها لتطوير المؤسسات والمشاريع الإنتاجية العراقية الصناعية والزراعية منها لإعادة الحياة لعجلة الإنتاج مما يساعد كثيرا على ترصين البنية التحتية المنهارة للاقتصاد العراقي ويمتص البطالة المستشرية بشكل مرعب وخصوصا بين الشباب.
رغم كل هذه الأولويات وغيرها لا نسمع ولا نقرأ غير المزيد من المخصصات والامتيازات لأقطاب الدولة ولمجلس النواب يتسابق بعضهم البعض في خدمة مصالحهم وزيادة امتيازاتهم من حيث الكم والنوع وأخرها ما اقره مجلس الرئاسة من حزمة من الامتيازات لأعضاء مجلس النواب وعوائلهم وحواشيهم وغض النظر عن المطالب الملحة للشعب كالماء الصالح للشرب والكهرباء والسكن والعمل والصحة والتعليم وتامين مفردات الحصة التموينية التي أصبحت بحكم الملغية بسبب انحسار المواد التي تصل المواطن منها بالإضافة إلى رداءتها ولا احد يعلم أين تذهب الأموال الطائلة التي نسمع بها المخصصة للبطاقة التموينية.
مصاريف باهضة تبذخ تحت ستار الحصانة والحماية الأمنية للمسؤولين، وتحت عذر تردي الوضع الأمني والسياسي في البلاد ونحن ندخل السنة العاشرة بعد الاحتلال... لم تكن هذه الأعذار إلا مدعاة إلى مضاعفة الهبات والحوافز والمخصصات عدا الرواتب الضخمة لأعضاء الحكومة والبرلمان أمام عظم المخاطر التي يمكن إن يتعرضون لها وكأنهم ممثلي شركات مأجورة أو أُجَراء استقدمهم الشعب لبناء الدولة (الديمقراطية الجديدة) وليسوا مناضلين متطوعين لتصدر العملية السياسية كما كانوا يدعون وهم في صف المعارضة للنظام السابق.
من المعروف إن كلفة أية حكومة تحددها العلاقة بينها وبين شعبها فكلما كانت الحكومة منبثقة من الشعب وتحرص على مصالحه كلما كانت كلفتها قليلة ومتواضعة فأعضاء مثل هذه الحكومة ليسوا بحاجة إلى الحماية الخاصة وقوى الأمن والشرطة والجيش الجرارة وليس بحاجة إلى السيارات المصفحة ولا إلى المناطق المعزولة المسيجة. ونحن مقبلون على انتخابات وتشكيل حكومة جديدة يفترض أن يتم ترشيق ودمج وزاراتها إلى أدنى الحدود الممكنة لتكون وزارات منتجه وليست وزارات ترضية للجيوب وفق مبدأ تقاسم الامتيازات في الثروة والجاه وليس تقديم الانجازات في العمل والخدمات والأمان للشعب العراقي الموجوع والمحروم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع