د.عبدالقادر القيسي
كانت البغدادية وبكادرها المهني الحرفي، الذي تعرض لعدة مضايقات وتهديدات ومخاطر أدت الى غلقها عدة مرات وقسم كبير منها كنت شاهد عليه كوني كنت محامي لعدة دعاوى لقناة البغدادية، ولأنها تحمل رسالة إعلامية وطنية كما نشاهده لحد الان،
وقفت وصمدت واستمرت في كشف الفساد في الدولة العراقية وأظهار الحقيقة أمام الشعب، حتى باتت المنبر الإعلامي الحر لغالبية العراقيين وبخاصة برنامج(ستوديو الساعة التاسعة) الذي يقدمه الاعلامي (أنور الحمداني) ومعه كادره المبدع، حيث حظي هذا البرنامج بمتابعة يومية من كبار القادة الحكوميين والسياسيين وبقية الشعب العراقي.
ان قناة البغدادية في عرضها لأسباب سقوط الموصل اكدت انها مفوضية نزاهة وادعاء عام شعبي حقيقي وفعال وبكامل الصلاحيات الحقيقية لهذه الأجهزة وفق الصفة الرسمية، لأنها لا تعرف تلك الميوعة، ولا تعرف تحقيقات تتوه فيها الحقيقة، وتتغير فيها أقوال الشهود وتحرف فيها الوقائع ويتم التلاعب بالكشوفات والمحاضر والقوائم وغيرها ويأتي فيها المحقق او الشاهد ليؤدي التحية للمتهم ويرفض أن ينادى عليه بالمتهم لاعتبارات سياسية وحزبية ودينية.
ان البغدادية عبرت عن كثير من مطالب الشعب واعطت عنوان بان الشعب العراقي لا يقبل أن تسند العدالة لغير رجالها، بئست العدالة التي ينشدها فاسدين والتي تجعل منهم فئة مميزة عن الشعب العراقي واعطت اعلام واخبار وبلاغ مباشر على الهواء، بأنه طالما استمر هؤلاء على كراسيهم فالجميع في عداء مع الشعب العراقي كله وستكون كراسيهم نارا من تحتهم حتى تحرق أجسادهم التي نبتت من الحرام والظلم والفساد، وتسعى البغدادية ومعها الشرفاء الى جعل:
• الشعب والجيش ايد واحدة .. والشعب والقضاء أيضا ايدي واحدة لا يدان مختلفتان
فلا يرى حاكم في نفسه عيباً ولا يسمع لمحكوميه نصحاً، وكثيراً ما يظن أن ما يصدره من أحكام وقرارات أنه العدل والعدالة بعينها وأنه الحاكم الاوحد والزعيم الملهم وينسى مثلاً أنه كان صبياً محروماً ومحكوماً يعانى ظلم حاكمه فكان يقف على المنبر أحياناً يعظ الناس بالحكمة والموعظة الحسنة متأثراً بمعاناته، فما الذى يجرى للإنسان اذا توسد أمر العباد وماهي المتغيرات التي تطرأ على شخصية الحاكم بعد أن كان محكوماً، وكيف يقول للناس ما أنتم الا عبيد احساناتنا.
أن هيبة القضاء لن تأتى قسراً وجبرا على الناس، وانما هي من طبائع شعبنا العظيم، لتاريخ القضاء العراقي العظيم أيضاً، الذى غفر هفوات بعض القضاة أمام أغلبية عاقلة راشدة حكيمة منهم كانت العدالة هي رائدهم، بينما لم يغفر العراقيون لقسم من ضباط الشرطة والامن والمحققين أي اهانة أو تجاوز أو ظلم، وكم أهينوا وعذبوا الكثير منهم في أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات، ان كل ضابط او منتسب للأجهزة الأمنية، امتدت يده يوما ما لإيذاء مواطن عراقي، فليعرف انها كانت سبباً فى سقوط محافظات بالكامل، وهذا ما اكده الغراوي وما اعترف به أيضا وزير الدفاع عندما قال ان سكان هذه المحافظات لم يكونوا حواضن محبة للجيش والشرطة وهذه كارثة تحتاج الى وقفة ومعالجة حقيقية .
وأصبح من المؤكد حاجة القضاء العراقي الى تغيير الفلسفة والاتجاه، وأن بعض القضاة في حاجة لإعادة تأهيل شامل، فلم يعد مطلب تطهير القضاء من العناصر التي لوثت ثوب القضاء الناصع وزورت وحرفت الكثير من التحقيقات والمحاكمات واعتمدت على الكثير من الاعترافات المنتزعة بالإكراه، (وحسب ما أكدته تقارير دولية صادرة من منظمات رصينة لها مصداقيتها في الأوساط الدولية وتصريحات لقيادات حكومية وبرلمانية عديدة)، وساهمت في افساد الحياة العدلية والسياسية في العراق، وعلى القضاء العراقي ان يقوم بتطهير بعض المراكز التحقيقية المرتبطة معه من بعض عناصر ضباط الشرطة والجيش والمحققين الذين غيروا كثيراً من تقاليد القضاة ونهجهم وأعرافهم، ولم يعد تطهير القضاء، بحمايته وصيانته ومنع الرشاوى المقنعة التي تمنح لبعض القضاة والمحققين؛ الا مطالب جوهرية لإيجاد بيئة مفعمة بالعدالة الوضاءة.
وطيلة عملي في المحاماة وتحديدا في المحكمة المركزية كرئيس غرفة المحامين لأكثر من ست سنوات(2005-2012) كان الكثير من القضاة، شرفاء وابطال ورموز وفرسان جسدوا عظمة القضاة العراقيين، والقلة من الذين قد رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم وقبلوا نحر العدالة في العراق.
ان قناة البغدادية كانت ادعاء عام منتج وحقق الكثير من الاثار الصحيحة على عقلية وفكر الشعب العراقي، وهي تحاول في المرحلة القادمة، ان تجعل الشعب العراقي يبتعد عن هاجس، أن الشعب والقضاء ليس يد واحدة، بعد ان حققت وبمستوى مقبول بان يكون الشعب والجيش يد واحدة، والبغدادية كانت تعمل كمفوضية نزاهة منتجة؛ بعد ان اكدت ان لا حصانه لمزور ولا مزايا لفاسد ولا احترام لمرتش.
ان الادعاء العام الشعبي (قناة البغدادية) أكد ان الشعب العراقي يريد تطهير الدولة من الفساد، فهل ستنفذ ارادة الشعب، ومن يقوم بتلك المهمة؟ لا بد ان يقوم القضاء بتلك المهمة، وإذا كان القضاء لن يقم بذلك بنفسه؛ سينكشف أمره ويمكن أن يكون التطهير سرا وبنسبة صفر في المائة.
لكن الحقيقة ان الحفاظ على استقرار وأمان وحصانة العدالة العراقية هدف مطلوب للشعب العراقي، وان لم يسارع بمحاربة الفساد بفعالية ومن خلال ادعاء عام فعال ومفوضية نزاهة تعمل بمعايير مهنية يعلوها قيام دولة عراقية مؤسساتية نزيهة، فسيبقى مطلب الشعب كما هو ولن يسكت الشعب على الاستخفاف بمطالبه.
ان قناة البغدادية في رؤيتها الإعلامية في تناول ملف سقوط الموصل من خلال توثيق اعلامي لاعترافا رسمي من قائد عمليات نينوى يدل على وجود اتفاق جنائي مسبق لمجموعة من الضباط يعملون بإمرة القائد العام للقوات المسلحة تنطبق عليهم احكام المشاركة بالجريمة وفق منظور قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 وتعديلاته، وعملت البغدادية عبر لقاء الغراوي كمفوضية نزاهة دؤوبة وادعاء عام شعبي عسكري غاضب حيث كشفت مايشوب المؤسسة العسكرية من فساد وانعدام الضبط والخبرة العسكرية والعقيدة في بعض الأحيان والعقود الوهمية للتسليح والكثير مما ادلى به الغراوي من اعترافات.
استطاعت البغدادية بفضل مهنيتها وصدقيتها أن تفعل وتقوي مساهمة الجمهور في مكافحة الجريمة ومنع وقوعها، عن طريق الاخبار، باعتبار ان دور الاخبار في الكشف عن جرائم الفساد والإرهاب والحد منها يعد من أخطر الادوار واكثرها أهمية، وذلك لسعة المساحة التي يمكن ان يؤديها الاخبار في تغطية مفردات الحياة العامة.
لقناة البغدادية دور كبير في اخافة الفاسدين وهز عروشهم والذين لم يخافوا من محاسبة الجهات الرقابية والقضائية بقدر ما أصبحوا يحسبون الف حساب لما سيعرض في قناة البغدادية وبخاصة ستوديو التاسعة، وهي بذلك فعلا سلطة رابعة تمتلك هيئة نزاهة وادعاء عام شعبي (يشعوط).
اكدت البغدادية انها مفوضية نزاهة تعمل بجد من خلال مطالبة الفرد بالقيام بدوره في الاخبار عن الجريمة سواء كان واجباً قانونياً او اخلاقياً بالرغم ما تعتريه بعض المخاطر والصعوبات، كالتخوف من بطش المخبر عنه أو سطوته او ذويه وما قد يتعرض له من تهديد او اعتداء او يستنزف وقته وجهده في الحضور ولمرات متعددة امام ستوديوهات القناة وبعدها قد يتطور الى حضور امام جهات الشرطة او القضاء.
وكان للبغدادية دور واضح في ان يقوم أي موظف تتوفر لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوع أو شك بوقوع انتهاك للمال العام او هناك سلوك أو نشاط يمكن أن يوصف بالفساد أو هناك سوء معاملة او غش او رشوة وغيرها من الانتهاكات للقانون أو للقواعد الأخلاقية، وسواء وقعت تلك الانتهاكات من مسؤولين وموظفين وغيرهم، بإبلاغ القناة ومن ثم الأجهزة الرقابية المختصة التي تتمتع بصلاحية التحري والتحقيق في جرائم الفساد المالي او الاداري.
يقوم برنامج ستوديو التاسعة باطلاع المشاهدين على حقيقة ماجرى ويجري في العراق من خلال حث النواب اذا تناهى إلى علمهم بحكم عملهم البرلماني صورا متعددة لجرائم الفساد، سواءا خلال قيامهم بطرح الأسئلة والاستجوابات على الوزراء ومن هم بدرجتهم وكبار موظفي الدولة، أو من خلال جلسات الاستضافة او الاستجواب التي قد تعقد حول موضوع معين، أو من خلال عضويتهم في لجان التحقيق وتقصي الحقائق أو العضوية في لجان المجلس بشكل عام، أو من خلال الشكاوى التي تصل إليهم، أو من خلال التقارير التي ترفع للمجلس بحكم القانون كتقارير ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة وتقارير المفتشين العموميين، وعلى الرغم من أن مجلس النواب يملك بشكل عام إحالة القضايا والملفات التي تتضمن مخالفات للقانون، للتحقيق فيها من قبل الجهات المختصة، إلا أن النظام الداخلي لمجلس النواب، وقانون حقوق وواجبات أعضاء مجلس النواب لم يشيرا بصريح العبارة إلى واجب الإبلاغ عن جرائم الفساد كأحد الواجبات الملقاة على عاتق النائب بحكم قيامه بعمله البرلماني، الأمر الذي يتطلب إضافة نصوص قانونية صريحة وواضحة في هذا المجال، لذلك قام ستوديو التاسعة بسد هذه الثغرة القانونية من خلال تشجيع النواب على طرح ملفات الفساد امام الراي العام فأصبحت ملفات الفساد المخيفة معروفة لعامة الشعب العراقي مما ولد حالة من الخوف والرعب لدى الفاسدين وهذا يعد انجاز كبير يحسب للبغدادية لا يمكن نكرانه
وكان للبغدادية دور كبير في فضح ما صاحب العملية الانتخابية الاخيرة من وقوع العديد من الجرائم ذات الصلة بالفساد، والتي تشكل جريمة الرشوة الانتخابية والتزوير ابرز مظاهرها، إلا أن قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 وتعديلاته وقانون انتخاب اعضاء مجالس المحافظات رقم 36 لعام 2008 وتعديلاته، قد غفلا عن الإشارة إلى وجوب تمكين جمهور الناخبين وكل من له علاقة بالعملية الانتخابية بالإبلاغ عن جرائم الفساد التي قد تمارس خلال العملية الانتخابية، فقامت البغدادية إعلاميا؛ بإعطاء الحق للجمهور في الإبلاغ عن جرائم الفساد التي شابت العملية الانتخابية.
وأخيرا، نتمنى من كل القنوات الفضائية والإعلاميين والصحفيين؛ ان يعملوا بمهنية ومصداقية احتراما وتعظيما وسلام خذ لبلد الرافدين العراق.
الدكتور
عبدالقادر محمد القيسي
524 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع