د.عبدالقادر القيسي
أن برلمان الوركاء وهو البرلمان الأول في تاريخ البشرية (قبل الميلاد)، كان أكثر قدرة على محاسبة الحكام من بـــــرلمان العراق الحالي، أن البرلمان العراقي لم يتمكن من (بدأ عمله 2006) على محاسبة الفاسدين لان كل الملفات تخضع للمساومات السياسية، ولم يتمكن من إيقاف الهدر المالي في أي مفصل من مفاصل الدولة العراقية، لانه اصلا يعاني من فساد كبير في بعض دوائره، ولأنه يطمح للحفاظ على مكتسباته الضخمة، وقرارته مرهونة منذ البداية برغبة زعماء الأحزاب الذين سلموا القرار السيادي للعراق إلى دول الجوار.
وفقاً لمنظمة الشفافية العالمية في تقريرها (تموز) لعام 2013، أن كلفة وجود سلطة تشريعية ورقابية في العراق تبلغ نحو ملياري دولار لكل دورة برلمانية من أربع سنوات، وربما هي السبب الرئيسي في عجز البرلمان عن الحد من الفساد في البلاد، أو مساءلة حكومة تدير قرابة 400 مليار دولار وهي مجموع موازنات الدولة العراقية كل أربع سنوات تقريباً.
ان الامتيازات الكبيرة التي يحظى بها أعضاء البرلمان والمقدرة بـ 1.6 مليون دولار للنائب الواحد لدورة من أربع سنوات بضمنها الرواتب والمخصصات وأجور الحمايات الشخصية، شلّت قدرتهم على محاسبة المتورطين بملفات فساد كبرى، أنهكت موارد البلاد، وتسببت بانخفاض مستوى الخدمات، وغياب الأمن، وانهيار اقتصادي وشيك لا سامح الله.
وعودا على عنوان مقالتنا، صرح رئيس لجنة الامن والدفاع (النائب حاكم الزاملي) يوم 2/2/2015 واثناء زيارته لمحافظة ديالى، حول الجريمة المروعة المرتكبة في قرية بروانة، (بان ليس هناك بيوت او مساجد تم حرقها وتدميرها وان اعداد الذين قضوا في القرية قليلة وليس بينهم من نفس القرية الا اربعة والبقية من خارج سكنة القرية).
ان هذا التصريح يثير عدة اسئلة تنبثق منها عدة تصريحات لجهات برلمانية وتنفيذية عليا تناولت جريمة بروانة وشروين ومنها:
اولا/ بيان السيد رئيس مجلس النواب بتاريخ 31 /1/2015 والذي ذكر فيه((”جريمة يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان”، “ما حصل بعد ذلك أثار علامات استفهام واستغراب كبيرة حيث دخلت مجاميع بسيارات مضللة وقامت بهدم مساجد المنطقة وحرق عدد كبير من المنازل بروح انتقامية وتحت شعارات مقيتة وامام أنظار القوات الأمنية”، موضحا ان “الأمر تعدى ذلك الى إحراق بيوت الشهداء والجرحى مِن عناصر الحشد من ابناء المنطقة في منظر مروع وعمل همجي”. لقد حصل كل هذا في مناطق شروين ثم تلاها في اليوم التالي فعل أشنع وأوجع وهو ما حصل في قرى بروانه من قتل للمدنيين العزل الذين هم ضحايا لداعش والكثير منهم فروا من جحيمه في القرى المجاورة وحوصروا في بروانة بعد ان تقطع السبيل للخروج منها فكرر الظلاميون المشهد في مجزرة بشعة اخرى طالت العشرات منهم.)
ثانيا/ تصريح محافظ ديالى عامر المجمعي بتاريخ 27/1/2015: (( ..ان قرية بروانة شمال المقدادية شهدت مجزرة شنيعة راح ضحيتها عشرات المدنيين والنساء والأطفال بعد ان قامت مجموعة من العصابات الاجرامية المنظمة باعتقال عدد من الاشخاص وتنفيذ الاعدام بهم... وان الضحايا اغلبهم من العائلات التي نزحت من قرى سنسل الى منطقة بروانة بسبب العمليات العسكرية..) وقالت النائبة ناهدة الدايني إن المسلحين دخلوا البلدة واعدموا أكثر من 70 شخصا. وأضافت "هذه مجزرة حقيقة" نفذها المسلحون.
ثالثا/ ما صرح به نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، الاحد الماضي ((عبر نائب رئيس العراقي اسامة النجيفي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري عن الغضب لقيام المليشيات الشيعية بحرق وهدم بيوت السنة بمحافظة ديالى وطالبا بتحقيق عاجل ووضع آليات وضوابط تمنع تكرار هذه الأعمال التي تسيء للوحدة الوطنية وتقوض الأمن وثقة المواطن بمستقبله)).
رابعا/ تصريح اتحاد القوى الوطنية وقائمة ديالى هويتنا والنواب (صلاح الجبوري وناهدة الدايني ورعد الدهلكي وعدة وجهاء ورئيس لجنة حقوق الانسان (أرشد الصالحي) وغيره أكدوا على حرق أكثر من 1400 منزل وهدم أكثر من عشرة مساجد وقتل أكثر من سبعون مدني ومن خلال بيانات ومؤتمرات صحفية موجودة على المواقع الالكترونية وعلى صفحاتهم.
خامسا/ ما تناولته عدة صحف عالمية (نيويورك تايمز: الاتهام بقتل عشرات السنة بديالى يتوجه لمليشيات الحكومة) وقنوات فضائية (ديالى -الشرقية 25 يناير: اقدمت ميليشيات في ديالى على حرق وتفجير أكثر من 1400 منزل و12 مسجدا في قرى شروين) ومواقع الكترونية تناولت جريمة بروانة وشروين، ومشاهد حية على اليوتيوب تبين جريمة القتل المروعة والحرق للبيوت والمساجد.
سادسا/ ما صرحت به منظمة العفو الدولية في نهاية شهر كانون الثاني من عام 2015، حول نفس الجريمة وجرائم أخرى قامت بها داعش والمليشيات الإرهابية، وما اوضحه تقرير وزارة الخارجية البريطانية عن أوضاع حقوق الانسان لعام 2014 في العراق.
ان هذه التصريحات وما يرافقها من صيحات للاهالي ومشاهدات عيانية، وما حمله رئيس مجلس النواب لوزير الداخلية من ادلة ووثائق وما اكده نواب ديالى، كلها تؤكد بما لا يقبل الشك، بان الجريمة قد حدثت وان هناك بيوت احترقت ومساجد دمرت واموال نهبت؛ حتى المرجعية الشريفة قد تصدت لذلك في خطبتين من النجف الاشرف، وطالبت بمحاسبة المسببين بذلك، فكيف لرئيس لجنة الامن والدفاع ان يكذب رئيسه وزملائه من النواب وهو رئيس لجنة الامن والدفاع وهي لجنة حساسة وخطيرة، وهو عضو في لجنة تحقيقية من المفترض به ان لا يصرح نيابة عن أعضاء لجنته بخاصة ان التحقيق في بدايته لكنه قد اعطى قرار اللجنة مسبقا بدون حاجة لاجتماعات وتحقيقات، وهذا الامر دعا محافظ ديالى ان يطلب يوم 3/2/2015 تحقيق اممي لاستشعاره مسبقا نتائج لجنة التحقيقات، لاسيما ان هناك تهديدات صدرت بحق نواب ديالى من قيادات حكومية في ديالى، ان المثير للاستغراب والمؤسف ان البعض من نواب البرلمان العراقي لا يجيد حتى مناقشة الامور السياسية بمعرفة وخبرة طالب في الدراسة الإعدادية، والا بماذا نفسر تصريح رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية، الذي فقد أي مصداقية وتعلوه إرادة حكومية سياسية حزبية واضحة، حينما اعتبر ان المجنى عليهم الذي قتلوا في بروانه اكثرهم من غير سكنة القرية، وكانه يقول انهم دواعش ويبرر قتلهم، وتناسى الأفلام والصور التي تداولتها القنوات والمواقع والتي تشير بالدليل المباشر بانهم مدنيين لا يحملون السلاح ومنهم من حارب داعش وتم التغرير بهم وجمعهم وقتلهم، ان الامر يتطلب من رئيس مجلس النواب ان يتصدى لتصريح رئيس لجنة الامن والدفاع وفق ثلاثة محاور:
المحور الأول / وظيفيا: حيث لا يجوز لنائب(مرؤوس) ان يكذب رئيسه، لان في ذلك مخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب(المنشور في الوقائع العراقية، رقم العدد:4032 تاريخ:05/02/2007 وحسب ما ورد في نص المادة43) وينتج عنه اسقاط لهيبة رئيس مجلس النواب وبالنتيجة اسقاط لهيبة السلطة التشريعية ككل، عندما ينبري نائب لتكذيب رئيسه وعدة نواب؛ مما يتطلب من السيد رئيس مجلس النواب احالة رئيس لجنة الامن والدفاع للتحقيق الإداري البرلماني.
المحور الثاني: موضوعي: على رئيس مجلس النواب ان يثبت صحة ادعائه ونوابه معززا ببيان يوضح ذلك، لان تكذيب رئيسه، ينبئ بواقع خطير لعمل مجلس النواب في نظر المواطن، لاسيما التجاوز او التجريح او الاهانة (قد تمت بطرق العلانية والتكذيب أحد صور الإهانة)، قد صدر بحق رئيس السلطة التشريعية في البلد،
المحور الثالث/ قضائيا: بعد البيان، يوجه دائرته القانونية باقامة الدعوى بنوعيها الجزائي (وفق المادتين225و330عقوبات) والمدني (يطالب بالتعويض المادي للضرر الادبي الذي لحق به بسبب الاساءة لشخص رئيس البرلمان).
وذلك لن يحدث نهائيا لان الموضوع اكبر من رئيس مجلس النواب، اضف ان رئيس مجلس النواب استلم منصبه بصفقة خارجية معروفة وتم اسقاط التهم عنه بساعة ونصف، وتم تسوية ملفاته الاحدى عشر الموصوفة بالإرهاب من خلال اصدار قرار الافراج وليس البراءة، وهذا ما ذكره القاضي (رحيم العكيلي)، ولا اريد ان اعيد ما كتبته سابقا في مقالتي عن السيد رئيس مجلس النواب، واني والله والله والله احبه كأستاذ جامعي وصديقي لكن الخطأ لا بد ان يؤشر عليه، واحب ان اراه مثل ما عرفته اول مرة أستاذ صافي السريرة حسن النية راس في العقل والرجاحة والفصاحة، لكن المكاسب والنفوذ قد غيرت كل شيء، وعليه الاستقالة اذا لم يتمكن من تغيير شيء لأنه ونوابه يتحملون مسؤولية شعب كامل تنتهك حقوقه وحرياته.
ان القيادة لا تأتي بالصدفة او من خلال شكليات او دورات أسبوعية تأهيلية، فالقيادة وفي كل الاعتبارات موهبة ومهارة، حيث هناك الية في فهم وتطبيق وتنفيذ مبادئ القيادة الناجحة، فالقائد والبرلماني الناجح يترجم بيان رؤيته وافكاره الى اهداف وخطة عمل تربط عمله اليومي بالنتائج المتحققة ويتابع تقدمه نحو تحقيقها، والقيادة ليست بالضرورة ان تكون سياسية بل قد تكون مهنية او إدارية او عسكرية والسياسي والبرلماني، المفروض به، ان يكون ملما ولو قليلا بعلوم المعرفة الإنسانية، منها معرفته بكوامن النفس والهوى والميول والاتجاهات للأشخاص المحيطين به حتى لا يضطر الى اتخاذ قرارات مستنبطة من مشورة الحاشية المحيطة به.
ان غالبية البرلمانيين العراقيين لم يدخلوا في مرحلة العمل الحزبي والسياسي قبل وصولهم الى البرلمان، وأغلبهم كانوا يعملون في مهن لا علاقة لها بالسياسة، وليس لهم القدرة على الدخول في مناقشات عالية المستوى، غالبيتها ذات طابع قانوني وسياسي، تمهيداً لاتخاذ قرار يتوقف عليه مصير العراق الذي يعاني أصلاً من صراعات قد تحتاج الى ساسة محنكين، فمثلا لم يستطيع البرلمان على حل مشكلة رئاسة الجمهورية وخلوها من الرئيس لفترة طويلة، ولم يجرؤ رئيس البرلمان حينها وبقية البرلمانيين حتى نهاية الدورة البرلمانية على كسر القواعد والاتفاق على بدلاء للرئيس ونائبيه،.
فمتى يفهم قادتنا ان المسؤولية تكليف وليس تشريف متى؟
واني ادعو السيد رئيس مجلس الوزراء صادقا وأقول له، إذا كان نهج حكومتكم في التعامل مع الأزمة الامنية يقوم على مجرد استبدال عصابات داعش تعدم بالسيف تحت نهج الخلافة وراية البغدادي بأخرى تمارس ذات الفعل لكنها تُعدم بالرصاص وتحت راية الجهاد الكفائي فان ذلك إساءة لأبناء الحشد الشعبي الشرفاء والذين يقفون مساندين لجيشه، ذلك لان الموت واحد، والمواطن لا يتمنى الخلاص من ممارسات وتصرفات الدواعش على أمل نيل شرف الشهادة اعداما بالرصاص او الحرق تحت راية المليشيات الاجرامية، وذلك سيكون اشبه (بالوضوء بالماء النجس، ولن يزيل النجاسة الا الماء الطهور) حسب ما ذكره احد المحامين الأعزاء.
ونقول للسيد رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب المحترمين، ان ما حصل في الكرادة يمس هيبة الدولة ونظامها السياسي والأمني والإنساني، وقد اصدرت الحكومة امرا بجعل الكرادة منطقة منزوعة السلاح وهو تعبير غير صحيح لان ذلك يطلق على المناطق الحدودية وهناك شرح اكثر لسنا بصدده هنا، وكان يجب استخدام عبارة (حضر حمل وحيازة السلاح بنوعيه الناري والحربي في العاصمة بغداد وليس الكرادة فقط) وقد اصدر وزير الداخلية التعليمات رقم 4 لسنة 2014 والتي تنظم حيازة العراقيين للسلاح، وهي مخالفة للقانون ويجب تصحيحها لأن هذه التعليمات لم تميز بين السلاح الناري والحربي، حيث سمحت للمواطن حيازة البندقية الكلاشنكوف وهي سلاح حربي تستخدمه القوات المسلحة والقوى الأمنية وهذا ما أكده قانون الاسلحة رقم 13 لسنة 1992النافذ، وان ذلك له تداعيات خطيرة على الامن الداخلي.
ووفق ما سبق وصفه، ليس مهما تعدد بيارق الانتصارات في الميدان، وليس مطلوبا رمي او نفي الاتهامات جزافا، فهناك ضرورة لتشخيص مكامن الخلل ومعالجتها ومن أي جهة، فالمجاملات الطائفية والعرقية والسياسية أنهكت العراق وشتت جهوده وموارده مثلما عبثت بسيادته، ما يتطلب جرأة في قول الحق ومحاسبة من لديهم الحماسة الفائقة في اثارة الفتن بكل قسوة لأنهم وجه آخر أخطر من الارهاب، كونهم يتحركون بين الصفوف بغطاء رسمي، ومسيمات مختلفة، تلتقي عند مشروع خطير هو الابقاء على الفوضى والتجاوز على القانون والمواطن لمنع العقاب.
نحن هنا لا نقلل من الجهود المبذولة للملمة الشمل بصعوبة بسبب قوى تعمل في الخفاء ولديها من المصالح ما يخفى، ننتظر كشفا للمتورطين بقتل العراقيين ونهب اموال بلادهم، لأن العقاب كان وسيبقى رادعا للمسيئين والمجرمين.
526 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع