المهندس/احمد فخري
عندما كنت طفلاً ذو الثمان سنوات وبالتحديد عام 1962 عاد والدي رحمه الله (الذي كان كثير الترحال) عاد من سفره الى امريكا وهو يحمل لنا الهدايا والملابس والادواة المنزلية الحديثة، ومن اغرب ما جاء به في ذلك الوقت فرشاة اسنان كهربائية.
تعلمت استعمالها بوقت قياسي وصرت اتعامل معها على انها جزء لا يتجزأ من ادواة المنزل. وبعد اكثر من نصف قرن اي في عام 2013 ذهبت لزيارة احد الاصدقاء هنا بالدنمارك واصابتني الدهشة عندما قال لي، "هل تعلم يا صديقي ان هناك اختراع جديد يتمثل بفرشاة اسنان كهربائية تعينك على دعك اسنانك دون اي عناء؟"
علمت وقتها انني كنت قد سبقت صديقي بنصف قرن. السبب الذي يدفعني الى ان اقص عليكم هذه الحادثة هي ان تعرض الانسان للتكنولوجيا المتطورة بسن مبكر من حياته تجعل ذلك الانسان يرمو ان يتقدم الى الامام في بحثه نحو الجديد والمتجدد.
حفيدي اوس ذو الربيعين، يستيقض في الصباح الباكر وبدلا من ان يطلب اللبن من والديه فانه يصرخ (آي پاد) ومهما حاولت اقناعه باشياء اخرى فهو لن يهدأ له بال ابداً حتى يحصل على جهازه الذي تنازل عنه والده بآخر المطاف لصالح اوس واقتنى جهازاً آخر بدلاً عنه. اليوم يتعامل اوس مع هذه الآلة كما لو كانت جزء من جسده فهو يقوم باستخدامها بشكل صحيح وبدقة مدهشة ويحافض عليها اكثر من والديه.
فماذا يجري؟
انا متأكد من ان جميع القراء في وقت ما من حياتهم قد شاهدوا مشهداً مشابهاً لما يحصل مع حفيدي. وهو كيفية تعامل الاطفال مع التكنولوجيا الحديثة. مما يدفعني الى احياء النقاش الدائم الذي صار الناس يتناقشون به بكل مجلس وهو: هل نعلم اولادنا جدول الضرب ام نتجاوز جدول الضرب ونعتمد على الحاسبات الالكترونية والهواتف الذكية؟
الكثير من الآباء والامهات يصرون على تعليم اولادهم جدول الضرب لانهم مؤمنين تماماً بان ذلك سيكون اداة مهمة ومفيدة بحياة الانسان في الكبر. وهم دائماً يستشهدون بالمثل التالي، "ماذا لو كنت بالسوق وتريد شراء بعض المواد واحتجت لحساب بعض الاسعار، فهل تلجأ للحساب الذهني ام انك ستلجأ للتكنولوجيا؟ والجواب بدون اي منازع نعم. نعم سترجع للتكنولوجيا لانك ستصاب بالدهشة عندما تعلم بانك ارتكبت خطأً في الحساب الذهني لان البائع سيدخل اسعار المشتريات على آلته الالكترونية ويطلب منك مبلغاً مغايراً لما توقعته بسبب خطأك بالحساب الذهني ولان اليوم لم يبقى شخص بهذه الدنيا بدون جهاز هاتف محمول وبه آلة حساب بدائية على اقل تقدير، اي انها تقوم بالعمليات الاربعة (الجمع والطرح والقسمة والضرب). واليوم وبكل صراحة فان الحاسبات الحديثة تقوم بعمليات معقدة اكثر بكثير من العمليات الاربعة السالفة الذكر. لذا فان تضييع وقت الطفل بحفض جدول الضرب عن ظهر قلب ووضعه امام اجهاد ذهني كي يستطيع ان يعوض عن الآلة الحاسبة البدائية لهو امر في غاية التفاهة. الا اننا تعودنا ومنذ الصغر ان نخضع لضغوط شديدة من ذوينا كي نكون جاهزين لنعرف حاصل ضرب (ستة في سبعة). ولماذا نحفظ ذلك مثلا ولا نحفظ ناتج ستمائة وسبعة وثمانون في الف واربعمائة وتسعة وتسعون؟ هل هناك فرق بين الرقمين (اي الكبير والصغير)؟. هل اصبحت حياتنا محدودة لارقام صغيرة فقط؟ الم يصبح العراقيون اليوم يتعاملون مع آلاف وملايين الدنانير التي كانت بالامس القريب اقل بآلاف المرات؟
الغربيون ينظرون الى الامور بمنظار آخر، هم يعتقدون ان العقل البشري يجب ان لا يضيع وقته في تعليم الاطفال امور تافهة بامكانهم ان يحصلوا عليها بكبسة زر من هواتفهم المحمولة، ويركزون على تعلم علم هو اعقد واعظم بكثير من (ستة في سبعة). وهم دائما يقولون، ليس عليك ان تعلم كيف يعمل محرك السيارة كي تستطيع قيادته سيارتك ودع الامور للمهندس المصمم.
اخواني الاعزاء/ يجب على الآباء ان يسايروا عصر التقنيات لان هذا العصر يسير بخطاً سريعة جداً يكاد لا يلحق بها أولئك الذين هم من اجيال الخمسينات والستينات. ولكن على الاقل ان يفسحوا المجال امام اطفالهم كي يمتطوا قطار التقدم التقني الحديث.
1811 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع