بقلم - إيمان البستاني
كنت يومها طفلة ذات أربعة أعوام يوم زرت محلة اليهود في الموصل حيث كانت تسكن عمتي وكان اول مكان نزوره بعد وصولنا من المغرب الشقيق مروراً بباريس..
كان الزقاق ضيق ويتوسطه مجرى لمياه تسكبها البيوت فتنبعث رائحة لا تنسى ابدا ، وللبيوت أبواب خشبية اندرس نصفها تحت الارض ،مزينة بمسامير صفراء براقة , ولكل باب مقبض نحاسي بأشكال عديدة منها راس أسد او كف انسان يكفي دقه بأيقاض ساكني الدار وهرولتهم لأستقبال القادم , فكان لعبتي المفضلة في اول يوم وصولنا هو الدق بذلك المقبض على الباب وفي كل مرة أنجو من شتيمة لأني أنا الفاعل ضيفة مدللة
يتوسط الدار حوش على يساره دكة عالية وحنفية واحدة قدر لها ان تكون مقدسة لأهميتها في غسل صحون الدار ولأستحمام اطفال الدار وسط أصوات تهديد ووعيد عمتي لإنهاء طقس بكاء الذي يشحطوه للأستحمام وسط ضحكات اقرانه
ويلف الحوش غرف لها عتبة عند مدخلها حيث يترك الداخل اليها نعليه هناك ، والغرف عالية السقف وعميقة ومرتب فرشها بنظافة واضحة ، وهناك رفوف بنيت في الجدار ولها منظر شباك وهمي كانه لعرض زجاجيات وقطع لا معنى لها دفع فيها الكثير من النقود وكثير من السب والشتم من قبل زوج عمتي
اول مرة اشاهد سطح يعلوه حشيش وكأنه حديقة رفعها الله من الحوش وألقاها في السطح
باتت كل المحاولات بالفشل لارغامي على مشاركة جوق الصبية من بنات وأبناء العمومة في اللعب على ذلك السطح الذي كنت اقدر نسبة الأمان فيه الى ما تحت الصفر وتخيلته سيهوي بِنَا ما ان نجتمع عليه نحن زعاطيط الدار
وفي الحوش ربطوا خروف سفيه لم يكن يسكت لحظة املاً في إعداد وليمة التكريم الرسمية لنا
وفي صدر الحوش سرداب مظلم لم اقترب منه مسافة قطرها كيلومتر مربع او يزيد لما بث حوله من قصص الجان والعفاريت وسط قسم الاطفال بأغلظ الإيمان بان هناك كنز مليء بليرات ذهبية تعود لعائلة يهودية سبقتنا في الغوص بوحل الغربة
بقينا في ذلك الدار ثلاثة ايام وكأنها رحلة لعوالم عجيبة غريبة، وبعد ان اكلنا الخروف عدنا الى بغداد ولازلت رائحة الزقاق ورعب السرداب وحشيش السطح حاضر في ذاكرتي..
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع