عبد الكريم الحسيني
بغداد ماشتكيت عليك الاعصر
الا ذوت ووريق عمرك اخضر
بغداد مدينة الخلافه والعلم والثقافه مدينة الاسلام والسلام غنية في تراثها غنية في علومها شاهقة في تاريخها ,, بغداد ام الدنيا وسيدة البلاد وجنة الارض ومجمع المحاسن والطيبات عالية الشأن عامرة البنيان وارفة الظلال طيبة المعدن ونقية الهواء وزلال ماؤها وعطر هوائها كانت قبلة الجميع فهي دار لمن لادار له وبيت لمن لامآوى له فهي ام الجميع وحاضنة التاريخ والاديان والطوائف حتى بات فيها الخائف آمنا الجائع شبعا ,,
امتاز اهل بغداد على مر السنين بطبائع وخصال قل نظيرها في غيرهم من البلدان فقد كانت يوما جنة السلام وقبلة البلدان وحاضرة الزمان عاش فيها من جميع الاقوام والاديان وتآخى فيها الاسود والابيض والاحمر والاصفر وسادها الاخاء والسلام وساد فيها صفاء العيش وقد ذكر الكثير من الرحالة والشعراء والمؤرخين احوال اهلها على مر التاريخ والى الامس القريب ..
لقد استقبلت بغداد على مر العصور العديد من الاقوام واللغات والطبائع والمهن والاذواق حتى اختلط فيها كل ماهو جميل وبات اهلها مضرب الامثال وحلاوة المعشر وحب الطريفه والطرب وحاضري البديهيه واصحاب معشر وذوق وكرم ابوابهم مشرعة للضيوف ومجالسهم عامرة بالعلماء والطلاب ومساجدها مملؤة بالعابدين الساجدين فقد اجتمع لبغداد مالم يجتمع لغيرها من المدن فقد كانت مركز الحضاره ووافرة الارزاق ومركز العلوم ورخيصة الاسعار ..
ومع ماحضيت به بغداد من مزايا فلم تتركها عاديات الزمن حتى مرت بظروف صعبه وتكالب عليها اوباش التاريخ في مرات عده ولاتزال تعاني كل شدة وهذا حال كل جميل وعزيز ان يكون هدف الرعاع والاوباش على مر الزمن ولكن في كل مره نهضت بغداد من بين الانقاض ووقفت شاخصة تعلن عن نفسها وكيف لا وهي سيدة التاريخ وحاضرة الزمن ..
امتاز اهل بغداد ( البغاده ) كما يحلوا للبعض تسميتهم بخصال قلما تجدها في غيرهم من مدن العراق بل حتى المنطقه وكانت خصالهم تلك لاتفتر ولا تتبدل في اسوء الظروف من فيضانات واوبئه وحروب وحصارات بل على العكس كانت في كل مره تزيده من خصالها الجميلة جمالا ,, فقد امتاز البغاده وخاصة في فترة الحكم الملكي 1921 – 1958 باللطافه والظرف والنكته والتسليه وحب اللهو والانس والطرب وكادت تخلو الا القليل من الجرائم والعنف ولفتره قريبه كانت تزخر بغداد بالامن والامان ويدير امنها رجال مدنيون تحت اشراف الشرطه ( الجرخجيه ) بسلاح قديم وبعض الاحيان عصا وصافره ويتفق جميع المؤرخون ان بغداد واهلها كانت تتسم بسمات ولدتها طبيعة العصر ..
كانت في بغداد حياة راقيه وعلوم عاليه ناضجه وكان فيها فنا راقيا وطربا وتسليه وكان يرنو اليها كل العرب والجوار لما فيها من ترف ونعيم ووسائل عيش مترفه قياسا بالاخرين ولقد قدمت بغداد للمنطقه اخلاق وطباع واسلوب حياة وعلماء وفنون وثقافه لم تبلغها دول المنطقه ,, لقد قيل فيها ( بغداد جنة الارض ومدينة السلام وقبة الاسلام ومجمع الرافدين وغرة البلاد وعين العراق ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الطرائف واللطائف وبها ارباب الغايات وفيها من كل فن وكل نوع ) ..
البغاده يحبون الترف ويحبون العلم وموصوفون بحسن المعرفه والاداب وشدة الورع ويقول المؤرخون عندما سألوا عن بغداد كيف رايتموا البغداديون فقالوا راينا نسائهم تنطق بالعلوم والثقافه ويشمل ذلك الرجال ايضا ولايقتصر على علية القوم واثريائها بل شمل الجميع ممن ساروا بطلب العلم ..
اشار العديد من الرحاله الاجانب الذين زاروا بغداد انهم تأثروا كثيرا بالحريه النادره التي اختص بها سكان بغداد من غير المسلمين والتسامح الفريد الذي بينهم ويقول (روسو الفرنسي) ان اهل بغداد سادة الاقوام يتصفون بالجساره والكرم وحسن الخلق والالمعيه وسرعة البديهيه وحسن الضيافه محبة كل شي جميل والاستمتاع بالحياة والمرح والولع بالفنون والطرب ولن تجد فيهم من يتعصب لدين او طائفه او قوميه او عرق ويشير (ريشارد كوك) الى طيبة اهل بغداد والعنايه بالنظافه والسخاء والاريحيه والتمدن ..
اما الفتاة البغداديه فهي لاتفارق ثغرها الابتسامه الحلوه والصوت الهادىء الرزين عنوان الانوثه ولاتفارقها الدعابه والمرحوخفة الدم والروح والجاذبيه القويه والحسمه والوقار وجمال الخلق وحسن الطباع وهي فوق كل هذا تجدفيها فصاحة اللسان وقوة البيان تجاهد لاسعاد بيتها وتربية ابنائها وتفتخر بامومتها ..
لقد ثبت لدى اكثر المؤرخين والرحاله والمقيمين في بغداد في القرن العشرين ان اهل بغداد هم اعدل الناس سيرة واسلمهم سريره وهم كأناء العطر حتى اذا نفذ العطر منه تظل رائحته عطرا والبغدادي يحب مدينته قليل الهجرة وان سافر يتحرق شوقا الى بغداد ويذوب حنينا اليها ..
هذه هي بغداد حبيبتي مدينة حوت كل ماهو جميل وظريف وكريم وخلوق ونادر ...
ولكن هل ظلت بغداد على ماهي وهل انصفها الزمان بعد ان اجتاحها الطوفان الاسود ونهبها الوحوش وسادت فيها كل رذيله وجريمه وضاعت فيها الاخلاق والصفات والحسنات ....
فدى لك يابغداد كل قبيلة
ومن الارض حتى خطتي ودياريا
فقد طفت في شرق البلاد وغربها
وسيرت رحلي بينها وركابيا
فلم ارى فيها مثل بغداد منزلا
ولم ا رى فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل اهلها ارق شمائلا
واعذب الفاظا واحلى معانيا
1370 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع