د.عبدالقادر محمد القيسي
أوجه مضمون مقالتي لمن يمتلك القرار السياسي ويمثل الدولة في أعلى قمتها، واقول:
مما لا شك فيه ان أحد أخطر انماط الفساد ومظاهره هو الفساد السياسي او فساد النخبة السياسية وقد اعتبرته كافة الدراسات على قمة الهرم بين انماط الفساد الأخرى، فأحد عوامل ديمومة من هم على السلطة من الفاسدين هو انتشار ثقافة الفساد على حساب مفاهيم النزاهة والعفة والاخلاق.
كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله، ويعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بأنه إساءة استخدام السلطة العامة(الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية.
فالفساد مثلا في الانتخابات والهيئات التشريعية يقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي، أما الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون والمشروعية للخطر ويقوض شرعية الحكومية وينتج عنه، انعدام مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان وانعدام مفهوم السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية)وبالتالي يؤدي الى اندماج الثالوث بقوة واحدة الا وهي السلطة التنفيذية حيث تكون هي المشرعة والقاضية والمنفذة في ذات الوقت، وبالنتيجة سوف ينعدم دور الشعب في ادارة شؤون دولته وفق الية المواطنة.
أُُكاتبْ رئيس دولة العراق بما له من مكانة دستورية وسياسية وتنفيذية، ورئيس مجلس النواب، وأنتم الرئيس الدستوري للسلطة القضائية، أردتم تَحمل وَزن مسؤوليتها الثقيل وقبلتم أن تصدر قرارات قضاتها باسم الشعب وأنتم ممثليه، وأكاتبكم كرجل قانون لأنكم على علم أن الصادقين من رجال القانون كثر بالعراق، ينتفضون حبا في العدالة لما تصاب في هيبتها أو تنتهك حرماتها أو تنتهك حقوق وحريات نساءها ورجالها واطفالها.
سادتي الكرام (رئيس الدولة والحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية):
إن كنتم ربما غير عالمين، أنقل إلى علمكم، إن لم يبلغكم أحد قبلي، أن خطرا على الوطن جاثما ومُهدِدا يجب أن يتوقف، وجريمة ترتكب لابد من وضع حد نهائي لها من تدخلات في سير العدالة وعدم تنفيذ قراراتها، وانتهاكات متتالية لا ينبغي استمرار ممارستها، والخطر والجريمة والانتهاكات ترتكب يوميا على مرأى من العام والخاص، ترتكبها قسم من مفاصل الدولة وعدد من المسؤولين معها، وضحيتها الوطن قبل المواطنين.
لقد بلغ السيل الزبى ووصل انتهاك المشروعية رقما قياسيا، من استفحال شطط وتعسف الدولة وتجاوزات السلطة واعتداءات بعض عناصرها على حقوق وحريات المواطنين وتجاوزات الإدارة واهمها واخطرها، على الملكية الخاصة والوضعية الإدارية للموظفين.
ان العراقيين باتوا يؤمنون بان، لا حاجة لهم بالقضاء، لأن الدولة والحكومات المتعاقبة والإدارات والمؤسسات وكبار القادة الحكوميين يوجهون الضربات تحت الحزام بقوة ويوميا، ليقولوا لكم إن إصراركم على تأسيس دولة القانون حلم وخيال، ولا يخجلون من التأكيد، بكل وسيلة، أن لا أحد يمكنه أن يفرض على الدولة التقيد واحترام القانون، وليقولوا لكم إن القانون لا يطبق إلا على الطيبين وحسني النية، الذين يحترمونه ويثقون في سيادته، وليقولوا لكم إن من أراد من المواطنين أن ينتحر أو يحترق أو يلتجئ أو يهاجر، فليرحل دون أسف، لأنه سيريحنا إلى الأبد.
أخبركم: أن بعض عناصر (قيادات ومنتسبين) الدولة يعاملون المواطن بتعسف من خلال انتهاك حقوقه وحرياته، ويخرقون المشروعية وقواعد الدستور يوميا برفض تنفيذ الأحكام القضائية وتسييس المؤسسة القضائية، والدولة بذلك ترتكب جريمة تحقير القرارات القضائية يوميا لأنها تمتنع عن تنفيذها او تؤخر تنفيذها حتى بعد أن تصبح نهائية (كقرارات إطلاق سراح المعتقلين مثلا)، وهناك عبث بالقوانين والتعليمات المحددة في الصيغة التنفيذية للأحكام والتي بها تطالبون السلطات وأعوان الدولة بالسهر على تنفيذ الأحكام.
الدولة بتلك الممارسات تعطي يوميا أسوأ مثال في عدم احترام القانون وسيادة الأحكام وتعطيلها، وتشجع يوميا على مقاومة الأحكام القضائية برفض تنفيذها وتقاومها، والدولة تزج بالمواطن في السجن لما لا يمتثل للأحكام وتنتشي إداراتها عندما ترفض تنفيذها، فكيف إذا كان الممتنعين هم من المعنيين في تطبيقها.
والمؤسسة القضائية لدولة العراق، رغم كفاءة ومهنية أطرها، عاجزة عن فرض احترام الأحكام ووقف التدخلات في سير عملها، فهي لها العلم بما يجري بالمعتقلات من ممارسات انتزاع الاعترافات بالإكراه ولها العلم بما يمارس لأجل تأخير المعتقلين فترات طويلة في السجون لأغراض مختلفة، وتعلم بان هناك ممارسات تخل بشفافية التحقيقات خاصة التحقيقات التي تجري بحق عناصر أحزاب السلطة، وتسير ببعض القضايا المدنية والشرعية أحيانا سنوات أمام المحاكم رغم علمها بالشطط وبالتعسف، وتساهم بذلك في الطعن في قيمة القرارات والأحكام وتغطية شطط واخطاء الدولة بالالتفاف على حقوق الناس.
والدولة وعدد من المؤسسات، تنتهك الدستور بالاعتداء على حق الملكية يوميا بنزع الممتلكات وبيعها لرجالات أحزاب السلطة بثمن بخس او تنتزع من أصحابها بدعوى المنفعة العامة، وتستعملان الصورية فقط لأنها تقوم بتحويلها غالبا إلى الخواص، أشخاصا أو شركات، وهناك استهزاء بالمالكين والدولة لما تقدم لهم ثمنا هزيلا بعض الدنانير للمتر المربع، ما يجعلها كمن يسرق منهم حقوقهم ويعتدي على حق الملكية المصان بالدستور.
الدولة تهين بعض عوائل العراقيين وتسقط حقوق وواجبات موكلة للسلطة القضائية، عندما تمنع عودة هذه العوائل الى ديارها بعد تحريرها من داعش الإرهابي بفرية جديدة(حواضن للإرهاب)، أي ان الدولة اوجدت مصطلح (اتهامات وإدانة عائلية)، واسقطت دور القضاء عندما تكون هي من تتهم وهي من تنتهك وهي من تدين وتنفذ.
وزارات كبيرة وزعامات حكومية وسياسية ودينية تتقلد صدارة مرافق الدولة الممتنعة والمتماطلة في تنفيذ واحترام أحكام المحاكم.
أعتقد أنكم (رئيس الدولة ومجلس النواب)، ستنتفضون بمشاعركم ضد هذه الوضعية التي تسيء إلى الأحكام التي تحمل اسمكم، وهي وضعية، لا شك غير مشرفة للعراق ولقضائه وللأمن القضائي للعراقيين، لأن تسييس المؤسسة القضائية واحتقار الأحكام وعدم تنفيذها، في النهاية، صورة من صور الفساد السياسي في الدولة بل إنه أكبر فساد.
أعتبر أنكم ومعكم رئيس الوزراء (الذي اصدر امره الديواني (57) في شهر كانون الأول من سنة 2014 قد شخص مشكلة التأخير في البت في قضايا المعتقلين) انكم مصرون على خلق الثقة وتعزيزها في نفوس المتقاضين والمواطنين والعراق يطلق مسار الحوار الوطني لإصلاح العملية السياسية والقضاء والعدالة، والعملية الكبرى لحماية المؤسسة القضائية وعدم تسييسها واحترام القرارات القضائية وذلك بتنفيذها على التو، وإعلان نهاية عهد صراع الدولة مع القضاء ووقف الحرب على أحكامه والمصالحة معها باحترامها وتنفيذها، فقرارات المحاكم العراقية بأنواعها، لن تحتاج إلى نصوص ولا إلى مراسيم أو قرارات، بل تحتاج إلى تفعيل المسطرة وتطبيقها ومعاقبة المخالف، وتحتاج منكم إلى صرامة لفائدة المواطن عراقيا وأجنبيا ومستثمرا ومراقبا وحليفا.
عندما يمثل القاضي في عمله إرادة سياسية او دينية فهو فساد سياسي.
عندما يتم فبركة الاتهامات لأغراض التسقيط السياسي فهو فساد سياسي.
عندما يبرئ نائب مزور وقاعدي وسارق فهو فساد سياسي.
عندما يتم استبعاد مرشحين لانتخابات تنفيذا لرغبات أحزاب السلطة فهو فساد سياسي.
عندما يتم تأخير تنفيذ قرارات واحكام قضائية بدون سند قانوني فهو فساد سياسي.
عندما يتم تسخير القضاء لأجل تبرئة شخص او حسم قضية تنفيذا لرغبات حزبية او اجندة حكومية فهو فساد سياسي.
عندما يتم التلاعب بأوراق تحقيقية او تهيئة مصادر سرية لأجل زج الأبرياء بالمعتقلات فهو فساد سياسي.
والصور عديدة لتك الممارسات والتصرفات ولا نريد الاتيان بمجملها.
ان اعادة الهيبة إلى القانون والأحكام امر جوهري لمحاربة الفساد السياسي، وأن على كل السلطات وعلى رأسها الحكومة أن تبتعد عن التدخل بعمل المؤسسة القضائية وتنفذ كل الأحكام العالقة في رفوف المحاكم عبر التراب الوطني دون استثناء وبشفافية ودون ابتزاز ولا محسوبية، وان يتم حسم الملفات التي ترقد منذ سنوات دون تنفيذ.
سئمنا كمواطنين هذا الوضع العنيد والعنيف والمتعسف، وسئمنا الوعود بالحلول التي لم تأت رغم طول التعسف بكرامة قسم كبير من المعتقلين والمتقاضين، وسئمنا جمع بعض الأحكام لتبقى دون قيمة وكـأنها أوراق اليانصيب تمزق بعد صدورها لأنها أوراق غير رابحة، وبكينا على بعض القضاة الذين يتم تهديدهم واتخاذ ممارسات تعسفية بحقهم، ان هم تصدو لإحقاق الحق، نشعر بالاسى لبعض القضاة وهم يحاربون المئات من القضايا بأدوات عمل مخجلة، ولا شفقة عليهم إن هم تظلموا أو صرخوا من ثقل المهام وبؤس الوسائل، ولو أنهم خرجوا إلى الشارع العام أو أعلنوا إضرابا يوما ما، فلن يكون لهم سبب في ذلك إلا واحدا وحيدا، وهو إهدار مجهوداتهم وإهانة أحكامهم وقراراتهم والتدخل فيها من قبل الدولة وإداراتها ومؤسساتها.
إن التدخل بأعمال المؤسسة القضائية واحتقار الأحكام وعدم تنفيذها يعني احتقار القضاء، واحتقار القضاة، واحتقار منتسبي القضاء، واحتقار المتقاضي، واحتقار قيم حقوق الإنسان، وإن تسييس المؤسسة القضائية وعدم تنفيذ احكامها واحتقارها يعني العصيان، فهل تدفع الدولة نحو إعلان العصيان المدني من المتقاضين ومن القضاة؟؟
ولاشك أن هذا الفساد السياسي أضر بالمجتمع العراقي وأدى إلى نهب المليارات والاستيلاء على أموال الدولة بطرق غير مشروعة، وتعجز أحكام القوانين العادية عن ملاحقة صور الفساد السياسي التي كشفت عنها تقارير دولية وتقارير جهاز الرقابة المالية وغيرها من تقارير وتصريحات لبرلمانين وسياسيين وحكوميين.
وهناك ضرورة لتشجيع الدول ومنها العراق والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية على الاعتراف بأن جرائم الفساد السياسي هي جرائم ضد الانسانية وجرائمَ ضد المجتمع البشري برمّته وهي تنتهك القواعد الآمِرة والقانون الدولي.
وأخيرا انقل لكم طرفة عن طفل يكشف الفساد السياسي، سأل طفل اباه:
ما معنى الفساد السياسي فأجابه: لن أخبرك يا بني لأنه صعب عليك في هذا السن، لكن دعني أقرب لك الموضوع انا اصرف على البيت لذلك فلنطلق علي اسم الرأسمالية...وامك تنظم شؤون البيت لذلك سنطلق عليها اسم الحكومة...وانت تحت تصرفها لذلك فسنطلق عليك اسم الشعب...واخوك الصغير هو املنا فسنطلق عليه اسم المستقبل...اما الخادمة التي عندنا فهي تعيش من ورائنا فسنطلق عليها اسم القوى الكادحة اذهب يا بني وفكر عساك تصل الى نتيجة.....وفي الليل لم يستطع الطفل ان ينام .. فنهض من نومه قلقآ وسمع صوت أخيه الصغير يبكي فذهب اليه فوجده بل حفاضته ذهب ليخبر امه فوجدها غارقة في نوم عميق ولم تستيقظ، وتعجب أن والده ليس نائما بجوارها.. فذهب باحثآ عن أبيه فنظر من ثقب الباب الى غرفة الخادمة فوجد أبوه معها وفي اليوم التالي قال الولد لأبيه!: لقد عرفت يا أبي معنى الفساد السياسي. فقال الأب: وماذا عرفت ..قال الولد : عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة وتكون الحكومة نائمة في سبات عميق فيصبح الشعب قلقا تائها مهملاً تماماً ويصبح المستقبل غارقا في القذارة
867 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع