كتابة - إيمان البستاني
من خصائص رحلتنا المكوكية الصيفية من بغداد الى شمال العراق وقوفاً في مدينة الموصل لزيارة الجدات والعمات والخالات , بعيدا عن هدفها النبيل في الفرار من حر وسموم بغداد في آبها اللهاب
انها تمتاز بالاثارة والتشويق في جزئها الخاص بمكوثنا اسبوعاً في الموصل , لما ينقل الينا من الجيل الثاني من ابناء وبنات العمات والخالات ماحدث طيلة عام , مع الوقوف اكثر عند الغريب من الاحداث والمغالاة في السرد والتسابق فيما بينهم لنقل الحدث , حتى كنت أظنهم ينتمون لعالم مختلف عني , جيل يقدس الخزعبلات والعيش على التفاصيل , و ظننتُ ايضاً ان هذه الجوقة من الحكواتية لو وجدوا انفسهم في بغداد بنسق حياتها لأختنقوا وماتوا بعد ثلاثة ايام ضجراً
كانت تلك السنة أحد سنوات السبعينات , وكان مهرجان الربيع في تلك السنة قد أنقضى وفات , ولكنه يحمل حدث غريباً نوعاَ ما , كان من نقل الينا الحدث هم الجيل الاول نفسه بعد ان تراجع الجيل الثاني لأهمية ما سيتم سرده , كانوا المتحدثين ازواج العمات والخالات وبعض من الاقارب
كانوا جميعهم يتكلمون بوقت واحد , منفعلين حد الدهشة التي سرت عدوتها الينا ايضاً وهم يصفون كيف ان مهرجان أم الربيعين حمل لهم زيارة أثنتين من الممثلات المصريات , ( قارورة العسل ) ليلى طاهر , والثانية اعتقد والعهدة على الذاكرة انها ( لبلبة ) , التي لا تقارن طبعاً بزميلتها في الزيارة
لذا كانت القارورة هي محور الحديث كله , وكيف أكرمها المسؤولون عن المهرجان بزيارات لمواقع آثارية وتاريخية انتهت باصطحابها لسوق الصاغة الشهير
وكان احد المتحدثين الينا من الاقارب ويعمل صائغاً في ذلك السوق مما جعله يتولى دفة الحديث فبدا منتشي بجلسته وزادت طلباته من اقداح الشاي ولم يكن يطفئ سيكارته حتى يشعل الثانية متلكأً بين كل حركة ليستهلك مخزون صبرنا وحتى نسمعه كلمة ( ديلا بقى)
كان في بداية كل مقطع يستخدم التعبير ( يول يابا ) دليل اهمية ما يتحدث به وفداحة مايأتي بعد هذا التعبير او لتهويل أمر عادي
قال بأن الزائرتين كانتا يمشين معاً مرتديات نظارات شمسية ليس لحجب اشعة الشمس بل لحجب بريق ولمعان الذهب الذي يأخذ العيون والعقل
وكانت القارورة بنت أم القارورة ترتدي ثوباً بدون اكمام وكانت تلمع مثل الذهب
وقد قاموا الصاغة بالسوق بالتباري في اكرامها بهدايا ذهبية للذكرى وبقوا يمشون خلفها تاركين محلاتهم بيد الصناع
وهذه شيمة العراقي بأكرام ضيفه ان نزل في بصرته او موصله
طبعاً هذه الجلسة كانت وسط وجوم وصمت وحنق نساء الدار , كان شعور الغيرة يرفرف في الجلسة كغيمة مثقلة حتى اندلقت برذاذ الكلام من احداهن عندما قال المتحدث بعد ان صفق بيديه والتفت ذات اليمين والشمال لاستقراء مستوى الدهشة , ( يول يابا ....اول مرة نغشع (مغا لونها وردي
انهالت عليه زوجته بقصف معادي بالكلام ...مما جعله ينهي الجلسة لصالح الرجال عندما قال (( غماد بغاسكم ...اي من جت لمن غاحت ليلى طاهر ولا وحدي منكم نامت بلا دموع
لا اعرف كيف هم ناموا الازواج ليلتها بعد ان طردوا عقاباً لمهرجان أم الربيعين تلك السنة
في أمان الله
717 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع