صديق المجله ـ بغداد
عندما قال باراك أوباما واصفا الاتفاق النووي مع إيران بأنه «فرصة العمر»، فإنه سحب سيفون الماء على كل ما قاله منذ بداية ولايته الأولى، عن أن حل أزمة الشرق الأوسط عبر إقامة الدولة الفلسطينية وهو فرصته التاريخية لترجمة شعار «التغيير» الذي حمله إلى البيت الأبيض.
صحيح، ان الاتفاق مع مجموعه 5+1 هو «فرصة العمر»، لكن للإيرانيين وليس لامريكا ولا للمنطقة والدول الإقليميه، التي تمادت إيران في التلاعب بشؤونها الداخلية، وقد وصل بها الأمر إلى حدّ المباهاة بأنها باتت تسيطر على أربع عواصم اختارت منها بغداد لتكون عاصمة إمبراطوريتها!
عند رفع العقوبات ستحصل إيران على مايقارب 150 مليارًا دولار المحتجزه جراء العقوبات ، ومع تهافت الشركات النفطية وانفتاح السوق ستتعرض إلى غزو كثيف من الاستثمارات ورجال الأعمال، وكل هذا سيخلق بيئة مستجدة تفرض التنفس في بلد مخنوق، ولهذا كان الملالي يغلون غيضا وغضبًا وهم يتابعون المظاهرات الحاشدة التي خرجت لاستقبال محمد جواد ظريف ورفاقه العائدين من لوزان، وهي لا تعكس حماسة لظريف ، بل تعكس أملاً في تغيير جدي يفتح الأبواب المغلقة على هواء جديد وعلى الحريةوعلى عهد جديد بعيدا عن سيطرة الملالي ونهج الخميني الذي لم يقدم شيئا لايران على مدى اكثر من 36 عاما .
الحشود الصاخبة التي خرجت إلى الشوارع في طهران واكثرها من الشباب تعود بنا الى الوراء قليلا وتذكرنا بما حدث في شهر (آب) من عام 1969، عندما قام الرئيس ريتشارد نيكسون بزيارة الرئيس الروماني تشاوشيسكو، يومها خرج أكثر من 300 ألف روماني لاستقباله، وعندها سأل نيكسون:
إلى هذا الحدّ يحب الرومانيون أميركا، قيل له: لا، إلى هذا الحد يكره الرومانيون نظام تشاوشيسكو ،
فإن الإيرانيين الذين تدفقوا إلى الشوارع لا يحبون ظريف ولا الاتفاق النووي، بمقدار ما يكرهون النظام ويتوقون إلى نافذة قد تنفتح تلقائيًا على الحرية بعد رفع العقوبات.
لكن ابواب ونوافذ الحريه لدى النظام الايراني صدئة إلى درجة قد لا تسمح بدخول الهواء المنعش، ثم إن الانفراج المالي الكبير الذي ستحصل عليه إيران سيساعدها في تدخلاتها في الدول العربية وفي تمويل خلاياها المتواجده في انحاء العالم وخاصة العربي، وإن بصماتها ليست خافية لا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان أو فلسطين أو البحرين، ولا في اليمن الذي يدفع الآن ثمن غباء وتصرف النظام الايراني والاصرار على الإمساك باليمن عبر الحوثيين وعلي عبد الله صالح، حيث كانت تسعى لإقامة كماشة حول الخليج من مضيق هرمز جنوبًا إلى باب المندب شمالاً!
لكن هبوب «عاصفة الحزم» جاء مفاجئًا وقاصمًا عسكريًا وسياسيًا، فبعد ثلاثة أيام على بدء قصف الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح المندفعين إلى عدن، اتصل الإيرانيون بدولة عُمان التي لم تشارك في عمليات «عاصفة الحزم»، وطلبوا منها التوسط لوقف النار والعودة إلى المفاوضات، لكنها رفضت لأن الطلب لم يأتِها من السعودية التي تقود التحالف، لكن هذا لم يمنع محمد جواد ظريف من الذهاب إلى مسقط مكررًا طلب القيام بالوساطة!
زيارة ظريف إلى مسقط جاءت مباشرة بعد وصول رجب طيب إردوغان إلى إيران، في زيارة كانت قد أُلغيت الأسبوع الماضي على خلفية دعمه «عاصفة الحزم» وانتقاده طهران بالقول: )تبذل إيران جهودًا للهيمنة على المنطقة ولا يمكننا السماح بذلك، لقد تجاوزت حدود الصبر وعليها سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق . ) .
لكن طهران أجرت اتصالات حثيثة معه سعيًا لإقناعه ببذل وساطة في اليمن بالتعاون مع مسقط على ما يبدو، وهكذا قبل أن يصل إردوغان إلى طهران أعلن في أنقرة أن تركيا رغم تأييدها «عاصفة الحزم» ستقوم بوساطة في اليمن، وهنا لا بد من أن يكون إردوغان قد استمزج رأي ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في الأمر خلال زيارته إلى أنقرة.في الوقت نفسه كان محمد جواد ظريف في طريقه إلى باكستان، التي سبق أن أعلنت دعمها القوي لعملية «عاصفة الحزم» وحذّرت من أنها ستتصدى لأي محاولة اعتداء على السعودية.
ومن خلال عملية عاصفة الحزم ظهرت الكثير من المؤشرات التي يمكن ان يستدل منها على تهرأ النظام وعلى الاحداث القادمه في ايران ومن هذه المؤشرات :
1 . ان سياسة ايران على مدى ثلاثة عقود ونص اثبتت فشلها بالرغم من بعض النجاحات هنا وهناك ولكنها جميعا قابله للفشل والانكفاء وستشهد المنطقه ذلك قريبا .
2 . ان الاموال الهائله التي انفقها النظام الايراني على التسليح وتمويل الخلايا الشيعيه حول العالم عموما وفي المناطق العربيه خصوصا لم تؤتي بنتائج في مصلحة ايران عموما وا انها وضعت ايران في موضع المتهم والمنبوذ في المنطقه والمحاصر عالميا .
3 . محاوله تصوير الاتفاق النووي الايراني مع 5+1 بانه نصر ايراني والحقيقه هو استسلام وانبطاح من جميع النواحي وفرض سيطره على كافة الفعاليات النوويه والعسكريه وتحجيم القدره النوييه والعسكريه لايران .
4 . عدم تمكن النظام من رفع مستوى المعاشي واحوال الشعوب الايرانيه وعدم تمكنه من تحقيق الحريات وفرض القوانيين المخالفه للعداله .
5 . تململ بعض الاقليات داخل المجتمع الايراني مثل العرب الاحوازيين والبلوش والاكراد بسبب سياسة التهميش والابعاد وعدم المساواة .
6 . حركة الشباب وخاصة الاصلاحيين وبالرغم من محاولة امتصاصها عن طريق قيام المعممين مثل رفسنجاني وغيره بتزعم قيادتها الا انها تزداد قوه وتوسع ولابد ان يكون لها تأثير كبير على مستقبل النظام .
وهنا لابد ان نذكر النظام الايراني ان عاصفة الحزم سوف تغير الكثير من المعادلات في المنطقه وهنا نحن نتحدث عن عشر دول بينها ثلاث دول إقليمية وازنة، وليس سرًا أن وجود تركيا على حدود إيران الشمالية الغربية ووجود باكستان على حدودها الجنوبية الشرقية، إضافة إلى أفغانستان وتركمانستان في الشرق، كل هذا يمكن في وقت من الأوقات أن يرسم صورة كمّاشة حول إيران أكبر وأقوى من الكمّاشة التي تريد أن تقيمها بين مضيق هرمز وباب المندب.
ملخص كل هذا الحراك العسكري والسياسي، أن قرار خادم الحرمين الشريفين رسم مفترقًا تاريخيًا في مسار الأحداث الإقليميه، وأن ما بعد «عاصفة الحزم» وليس قبلها من ان المنطقة لن تبقى مشاعًا إيرانيًا يتصرف بها كما يشاء مسخرا بعض عملائه هنا وهناك تحت غطاء الدين والمذهب والكل يعلم ان الهدف غير ذلك وانما تحقيق الحلم الفارسي القديم المتجدد !
صديق المجله ـ بغداد
706 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع