عبد الوهاب القصاب
نشرت صحيفة "العربي الجديد"، الأربعاء 29 أبريل/نيسان 2015، أن رؤوس ما يسمى التحالف الوطني (الشيعي) في العراق اجتمعوا في منزل عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى، وناقشوا الحالة المتردية الناجمة عن عجز قوات الحكومة، ومن يساندها ممن لم تسمهم، لكن الواضح أنهما الحشد وإيران ونخبتها العسكرية، التي سحبت من العراق، في التصدي لداعش التي بدأت تظهر مهارةً وعزماً في عملياتها، وباتت فعلاً على أبواب بغداد، مما دعا إلى الاجتماع الذي حضره رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي.
وتفيد تسريبات نشرت بأن العبادي أوضح الموقف المتردي في الجبهات، وعجز قواته عن التصدي الفعلي الحاسم لوضع حد لتهديد داعش وتمددها، وقدم ثلاثة مقترحات، وجدها أوجه الحل المتاحة، وهي:
تسليح العشائر السنية لتتولى تنظيف مناطقها من داعش، وخصوصاً أن هذه العشائر مجربة في القتال، وسبق لها وأن طردت القاعدة عام 2008. قوبل هذا المقترح برفض بات من الجميع وكما يقول الخبر، وعدم موافقة على تسليح هذه العشائر، وكان المقترح الثاني استقدام قوات برية أميركية للقتال ضد داعش، وهو ما رفضه الصدريون. أما المقترح الثالث فكان إعادة الجيش السابق، وقوبل، هو الآخر، بالرفض، لأن في ذلك اعترافاً بكفاءة هذا الجيش، خصوصاً وأن أغلب قياداته مشمولة بالاجتثاث، كما أن إيران ترفض إعادة هذا الجيش لمرارة تجربتها معه، والهزيمة المذلة التي لاقتها على يده. وتقول تسريبات، وعلى ذمة مصدرها، أن الجميع اتفقوا فيما بعد على إعادة الجيش السابق، لأنه أهون الشرور من وجهة نظرهم. ويستمر الخبر مبيناً أن رئيس الوزراء سيجتمع مع وزير الدفاع، لوضع اللمسات اللازمة لتحقيق هذا المقترح.
نناقش هذا الموضوع بروية وبهدوء، فليس هنالك عراقي لا يريد الخير لبلده، والسلم الأهلي المرتكز على المساواة المطلقة والناجزة بين أبنائه ومكوناته. نبدأ، أولاً، بأحقية زمرة من السياسيين، مهما كبرت قاعدتها في اتخاذ قرارات مصيرية تخص العراق ككل، خصوصاً وأن هؤلاء احتكروا السلطة ثلاثة عشر عاماً متوالياً، والبلد يسير نحو الهاوية يوماً بعد يوم. وهنا، نوجه السؤال إلى رئيس مجلس الوزراء، الذي يفترض أنه يمثل حكومة الشراكة الوطنية المفترضة، والتي لم ترَ النور، ألم يكن من الأجدر، وخطوة أولى في سبيل الخروج من هذا المأزق الأمني والطائفي المتأزم، والذي يتزايد يوماً بعد يوم، أن يدعو إلى حوار وطني عام، برعاية مجلس الأمن الذي اتخذ القرار ضد داعش تحت الفصل السابع؟ وهنا، ينبغي أن لا تضع هذه الحكومة اعتراضاً على أحد، لأسباب طائفية أو سياسية. لا نريد أن نسمع صوتاً نشازاً ينادي بالويل والثبور، إذا ما عاد المجتثون. الحوار الوطني الجامع، تحت مظلة مجلس الأمن، هو الضمان للوصول إلى أولى خطوات إنهاء العنف في العراق، وهو التوصل إلى العقد الاجتماعي الجديد، الذي ينظر للعراقيين نسيجاً واحداً، لا فرق بين مكون وآخر أبداً.
ثم ألم يسأل هؤلاء السياسيون المحتكرون للسلطة أنفسهم ما الذي فعلوه للبلد طوال الأعوام الثلاثة عشرة المنصرمة، غير استيراد القتل على الاسم والهوية، وتسوية الساحة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، ذات الصفة الطائفية التي أضحت تتحكم بالحياة العراقية وبشكل فج؟ داعش والمليشيات نسيج واحد، لا يختلف عن بعضه إلا باللون، ولا قيمة للون إن كانت المخرجات واحدة، قتلاً وتدميراً وحرقاً وتدميراً مبرمَجاً للبنية التحتية.
وألم يسأل هؤلاء أنفسهم، وهم يراجعون الحسبة مع رئيس مجلس الوزراء، ما الذي جنوه من إيران المحملة بروح الانتقام من البلد، الذي انتصر عليها وأذلها، ومن ذلك الجيش الذي حقق الانتصار الناجز عليها؟ نحن واثقون بأن العراقي من بين هؤلاء سيتوقف ويفكر ويتبصر. نظن أن رئيس مجلس الوزراء، على الرغم من تكبيل هذا التحالف يديه، قد توقف وتفكر وتبصر، وتوصل إلى نتيجة أن لوناً واحداً لن يتمكن من حكم العراق، وأن لوناً واحداً لم يحكم العراق، قبل هذه الزمرة الطائفية التي ابتلي بها العراق. ولذلك، اجتمع معهم ليوصل إليهم خلاصة ما اقتنع به، لكنهم ما زالوا يدورون في دوامة مفرغة أن حكم المذهب هو الأغلى، متناسين أن المذاهب أتت لا لتحكم، بل ليتعبد بها وهكذا كانت، وستبقى.
أما الجيش العراقي العزيز، الذي حمى البوابة الشرقية للعراق وللوطن العربي، والمجرب في الملمات، فقد أثبت قدرته على استيعاب أسس الحرب والمناورة الحديثة، في وقت لم يتميز جيش إيران طوال ثماني سنوات من المواجهة إلا بإرسال الأطفال لابسي الأكفان معلقي مفاتيح الجنة، التي منحهم إياها الولي الفقيه، ليفتحوا حقول الألغام، أمام الدفاعات العراقية في موجات بشرية تجعل الإنسان يتساءل: هل هذا هو الإنسان الذي كرمه الله تعالى؟
هذا الجيش، الذي استطاع تنفيذ مناورات اقتران بمستوى فيلقين بكل قطعاتها المقاتلة والمعاونة والساندة (جيشين ميدانيين) في المكان، على مدىً زمني غير مسبوق في تاريخ الحروب، هو فقط القادر على صيانة أمن العراق. لكن كيف؟ نعلم أنه مضى على حل هذا الجيش ثلاث عشرة سنة منذ قرار بول بريم،ر سيء الصيت، في مايو/أيار 2003، وهذا يعني أن الجندي الذي كان عمره عشرين عاماً أصبح عمره الآن ثلاثة وثلاثين عاماً، وأن الضابط الملازم حديث التخرج في حينه هو الآن بعمر 34-35 عاماً، وهكذا فالعميد في وقت حل الجيش هو الآن بعمر الستين. إذن، المطلوب هو إعادة روح الجيش الذي كان قبل 2003، أو بالأحرى قبل كارثة الكويت في 1990.
كيف يمكننا، إذن، أن نعيد الجيش. علينا أن نعيد التجنيد الإلزامي (الخدمة الوطنية) ولو لفترة محددة بعشر سنوات، لكي تعود اللحمة لنسيج المجتمع العراقي. وأن نشرع بالتدريب المكثف، وعلى كل المستويات، لجيش جديد لا يزج بمهام قبل اكتمال تجهيزه وتسليحه وتدريبه. سنرى أن من سيخطط لإعادة بناء هذا الجيش هم ضباطه الذين طوحت بهم قرارات الاجتثاث في المنافي، لكنهم سيعودون ويتولون إعادة بناء هذا الجيش تحت علم العراق، وليس تحت راية قاسم سليماني، أو الأعلام الثأرية التي ترفعها المليشيات، ذلك أن جيشاً وطنياً لا يمكن إعادة تشكيله بالقطع، انطلاقاً من هذه الشعارات والأعلام، أو توجيهات "الحجي" قاسم سليماني.
ليست مهمة كهذه سهلة، لكنها ليست مستحيلة أبداً، فالجيش الذي حسم الحرب العراقية الإيرانية، حسمها بعد تدريب مكثف، أعاد له شخصيته وانضباطه بتدريب مكثف تسعة أشهر، وهذا ما يمكن القيام به، إذا ما تم تصليح فلسفة نظام الحكم في العراق جذرياً. المتحفظون على تسليح العشائر العربية السنية وإعادة الجيش العراقي الأصيل، اليوم، هم المتشبثون بالحكم، بكل ما جاد عليهم به من أموال اختلست وسرقت، بحيث أن الخزينة اليوم أضحت خاوية في بلد دخل إليه طوال هذه السنوات ما يساوي ترليون دولار. لكن، آن لهؤلاء أن يدركوا أنهم لن يتمكنوا من حكم العراق بمفردهم، وهم لم يستطيعوا أن يحكموه مع الوجود الأميركي الكثيف لغاية نهاية 2011، ولم يستطيعوا أن يحكموه مع وجود سليماني، الذي طالب بعضهم بنصب تمثال له.
بوجود هؤلاء، لا يمكن إعادة الجيش الأصيل، نظراً لصراع الولاءات، وبوجود هؤلاء سيستمر تفاقم الوضع من سيىء إلى أسوأ. فهل يعي رئيس مجلس الوزراء هذه الحقيقة؟ نتمنى .
1162 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع