من يتجول في شوارع بغداد بعقل منصف وفكر غير منحاز، يدرك للوهلة الاولى ان هناك تحسنا فيما يتعلق بالتشجير والنظافة وزيادة المساحات الخضراء وغيرها امور محسوسة، وان لم يكن حجم المنجز منها يساوي الجهد الموجود بشريا والمال المخصص حكوميا، ويدرك في خضم هذا التحسن النسبي، ان هناك أمور غير معقولة، أكثرها مشاهدة هذه الايام أوعية الزبالة البرتقالية والزرقاء اللون التي انتشرت في احياء بغداد، اذ وعند التقرب منها اعجابا بلونها الزاهي، يشاهد الراغب بالتقرب تلك التصدعات والشقوق الحاصلة في جوانب بعضها، وانسلاخ اطارات بعضها الآخر، نتيجة الاستخدام الذي لم يمض عليه أشهر معدودات.
اذا ما تجاوزنا في مناقشة هذا الواقع افتراضات الفساد التي باتت تحشر نفسها في كل شيء، وركنا أمرها جانبا على وفق حسن النوايا بالمسؤولين عن استيراد مثل هكذا مواد، وناقشناها من زوايا أخرى تتعلق بالمعرفة والوطنية، يمكن القول لما يتعلق بالمجال الاول:
اذا ما تعاقد مسؤول مع جهة اجنبية لاستيراد مادة ولم يحسب أجواء العراق التي تذيب المعدن صيفا، ولم يأخذ بالاعتبار نوع الزبالة التي ترمى في هذه الاوعية وأثقال قسم منها، ولم يفكر بعدوانية السائق الذي يرفعها ليفرغ محتوياتها في سيارته، وكيف يمكن ان يسقطها من ارتفاع أعلى ليفرغ معها شحنات ضجره النفسية، واذا لم يدرك توجهات الاطفال بدفعها لأغراض التسلية أحيانا، فانه والحالة هذه تنقصه المعرفة اللازمة لجعله مسؤول اداري او فني، ويستحق ان يحاسبه المجتمع عن فعلته باستيراد أوعية لم تصمد في استخدامها عدة شهور.
ويمكن التأشير في المجال الثاني وعلى نفس السياق، أن المسؤول الذي لم يأسف على هدر المال العام، ولم يراعي حاجة دائرته للمُعِدة المناسبة، ولم يوخزه ضميره عند مشاهدة التلف السريع لمواد كان طرفا في استيرادها، فان صفة المواطنة الشريفة تسقط عنه، ويستحق ان يحاسبه المجتمع خائن للامانة الوطنية.
واجمالا او بعيدا عن التشكيك والاتهام الذي اعتدنا عليه خاصية في مجتمعنا العراقي الشكوك، فان استيراد او حتى تصنيع مثل هكذا معدات وبمثل هكذا مواصفات رديئة، ومهما كانت الاسباب ذات الصلة بقلة التخصيصات او بمساعي التوفير لتسهيل شراء مواد اخرى او دعم موازنة بنود أخرى، خطأ يستحق البحث عن دوافع حصوله، ويستحق توجيه العقاب لمن تسبب في حصوله، حتى وان تم التأكد من حصوله خارج أروقة الفساد.
د. سعد العبيدي
19/11/2012
1139 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع