الدكتور رعد البيدر
عنوان المقال حكمة رائعة ، لم نجد رأياً جامعاً مانعاً يُنسبها لقائلها الأصلي .
تُذكِرُنا هذه الحكمة في جانب منها بتقلبات الحُكم وما يعقبها من تغيُّر بأسماء المدن ، والشوارع ، والجسور ، والموانئ ، والمطارات ، وأسماء المعسكرات ، والقواعد الجوية ، والقواعد البحرية ، والمستشفيات ، والمدارس ، والجامعات ، والحدائق ، والمتنزهات ، وحتى بأسماء المواليد الجُدد ؛ فوجدت أن حكام معظم دولنا يختلفون عن حُكام دول العالم المتحضر ؛ إذا يحاولون تقليدهم بالأقوال، ( ويتعثرون ) بل ويسقطون بالأفعال . لماذا لا يتركون الأسماء بمسمياتها لكي تتذَكَر الأجيال القادمة وتقيم (( أبو خير بخيره ، وأبو شر بشره )) كما يُقال في اللهجة العراقية الدارجة ( العامية ) .
حكام مصر على سبيل المثال أبقوا معظم الأسماء التي كانت سائدة قبل قيام ثورة تموز / يوليو 1952 كما هي دون تغيير . وأتذكر نصاً قرأته في يومٍ ما للمرحوم الأستاذ الدكتور حسين أمين يصفُ فيه مشاهداته الشخصية لمراسم توديع الملك فاروق آخر ملوك مصر من ميناء الإسكندرية - عندما كان الدكتور حسين أمين طالباً في جامعة الإسكندرية ؛ فشرح كيفية التوديع الرسمي المهيب الذي جرى للملك فاروق بمراسم أصولية تمثلت بتوديع رسمي و إطلاق المدفعية الساحلية (21) إطلاقة مدفع كتحية توديع ، وكيف أن مدفعية السفينة التي صعد الملك على متنها قد ردت التحية بإطلاق العدد المماثل من الإطلاقات. تلك هي مراسم استقبال وتوديع رؤساء الدول – عندما يستخدمون السفينة كوسيلة للسفر وفق ما مثبت من قوانين وأعرافٍ دولية .
نقارن تلك الحالة مع ما حصل لحُكام العراق المعاصر، ونشير إلى نهايات فترات حكمهم :
بعض المصادر تثير شكوكاً حول وفاة الملك فيصل الأول في 8 أيلول / سبتمبر 1933 في سويسرا وتتهم الأطباء باستخدام علاج قاتل من خلال حقنة طبية ، تلك هي الشكوك التي انتابت العراقيين ورددوها أثناء أهازيج التشيع .
ما زالت الافتراءات والأكاذيب تُلَّفَق والاجتهادات التفسيرية من غير المطلعين تُكتَب عن حادث مقتل الملك غازي في 4 نيسان / أبريل 1939بحادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه بعمود كهرباء .
ولا ينسى من عاش حالة البشاعة التي تهتز لها الضمائر النقية بمقتل العائلة الملكية الحاكمة رجالاً ونساءً وخدماً في 14 تموز / يوليو 1958، وإخفاء جثث بعضهم والتمثيل بجثث أُخرى كجثة الوصي الأمير عبد الإله وجثة نوري السعيد الذي شغل رئاسة الوزارة (14) مرة بين عامي 1930 - 1958 خلال فترة الحكم الملكي .
كيفية الانتقام الذي صُفيَّ به اللواء الركن عبد الكريم قاسم ومن معه في مبنى الإذاعة والتلفزيون أثناء ثورة 8 شباط / فبراير 1963 .
الغموض الذي يكتنف حادث سقوط طائرة الهليكوبتر ( الويسكس ) الذي راح ضحيته المشير ( المهيب) الركن عبد السلام محمد عارف ومن برفقته في 13 نيسان / أبريل 1966 بالقرب من مدينة البصرة .
الشكوك التي رافقت طريقة إبعاد الرئيس المهيب أحمد حسن البكر في تموز / يوليو 1979 على أساس كونها تنازل طوعي عن السلطة ، وما تلاها من قضاء فترة بقية حياته حتى وفاته في 4 تشرين أول / أكتوبر 1982.
الحقد الذي ظهر في مرافعات ومحاكمة والتوقيع على مرسوم إعدام الرئيس صدام حسين من قبل ( رئيس الوزراء ) صبيحة يوم عيد الأضحى في ٣٠ كانون أول / ديسمبر. ٢٠٠٦ بطريقة تخالف نصوص ( الدستور العراقي ) وقبل اكتمال حسم القضايا والتُهم التي كانت موجهة إليه، والشعارات الطائفية التي رددها بعض الحاضرين في اللحظات الأخيرة لتنفيذ الحكم وهو على المقصلة .
من يعرف تسلسل حُكام العراق المعاصر يتضح له أن حاكماً واحداً قد نجى من القتل هو الرئيس الفريق عبد الرحمن محمد عارف ؛ لكنه عاش غريباً عن العراق فترة طويلة دون ذنب ، ومن أباءه وعفته عَمل بشرفٍ بعد إبعاده خارج العراق لكي يعيش دون أن تتفضل عليه أي جهة من مخابرات دولة أجنبية ، مثلما استطاعت أن تحول ( المعارضين ) إلى عملاء لصالحها، ثم سُمِحَ للرئيس عبد الرحمن بالعودة للعراق فأستقر بها معزازاً مكرماً . لكنه ترك بغداد بعد احتلالها في 9 نيسان / أبريل 2003 ؛ ليستقر في العاصمة الأردنية عمان ، وفيها توفي غريباً يوم 24 آب / أغسطس 2007 ، وجرى دفنه في مقبرة شهداء الجيش العراقي بمدينة المفرق بمراسم تليق بمنصبه السابق كرئيس لجمهورية العراق للفترة من 16 نيسان/ أبريل 1966 إلى 17 تموز / يوليو 1968.
نُلفتُ أنتباه القارئ الكريم أننا لسنا بصدد تقيم محاسن ومساوئ الملوك والرؤساء السابقين ؛ لكننا نشير إلى طبيعة نهايات فترة توليهم السلطة والنهاية المحتومة لكل حكم مهما استطال.
للموضوع تكملة في الجزء الثاني ....بمشيئة الله.
322 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع