كافة مجتمعاتنا العربية تحلم بأن تتذوّق طعم الديمقراطية وتستنشق نسائم الحرية في بلدانها. جميعنا نحلم بأن ننعم بمؤسسات مجتمع مدني حقيقية داخل أوطاننا. كلنا نُطالب بالفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لحماية أجيالنا القادمة من الانزلاق لهوة الضياع. جميعنا نتمسك بمطلبنا في قضاء مستقل عادل يرد حقوق المظلومين، ويُحقق مطالب الباحثين عن مأمن في أوطانهم.
كل ثورات العالم على مدار التاريخ، قامت من أجل تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية وترسيخ الحريات العامة. هل ما يُعرف بثورات «الربيع العربي» نجحت في ذلك، واستعاد الفرد العربي كرامته في بلده؟! مع احترامي لثورات تونس وليبيا واليمن إلا أن المجتمع الدولي يُراهن على مصر، ويتمنى في قرارة نفسه أن تخرج ثورة مصر تحديداً من نفق التخبط والفوضى، لأن نجاحها سينعكس إيجابياً على بقية الأقطار العربية لثقلها التاريخي في المنطقة.
أعترف على خجل بأن الثورات العربية لم تعد تُغريني، على الرغم من أنني كنتُ من أوائل الذين هللوا لها وشرّعوا نوافذهم احتفاء بها! اعتقدتُ مثل كثيرين غيري أن الثورات العربية ستجلب الخير لأوطاننا، وستقضي على مظاهر الفساد السياسي والمالي والإداري المتوغل فيها، ولكنها خيّبت آمالنا ولم تأتِ سوى بالخراب والدمار والنزاعات الطائفية مع سيطرة الجماعات الإسلامية على دفة الحكم فيها!
لا أريد إهانة صانعي الثورات، فهؤلاء لم يحصدوا شيئاً، بل الإسلاميون هم الذين اقتطفوا ثمراتها ويسعون اليوم إلى القضاء على مؤسسات المجتمع المدني بأكمله باسم الدين! وهذا ما يجري حالياً في تونس، منبع الشرارة الأولى لانطلاق ثورات «الربيع العربي»، غير مُصدقة أن تونس هذا البلد المتحضّر الذي لا يُوجد فيه أمي واحد، يئن ألماً ويُعاني من أفعال السلفيين! مندهشة من مطالبهم المتزمتة في تقييد الحريات العامة للناس ومحاربة القوانين الوضعية التي سنّها الرئيس بورقيبة إبان حكمه، الخاصة بحقوق المرأة! ولا ترغب أذني تصديق هذا الكم من الفوضى الحادثة داخل نسيج المجتمع التونسي، الذي زرته منذ عدة سنوات، وبهرتني قاعدة مؤسساته المدنية العريقة.
هناك من يحمّل شعوبنا وزر ما يجري! ويرون أنها المسؤولة الأولى عن خلق الطغاة! بمعنى أنها لم تتعود على تحمّل مسؤوليات حياتها كاملة، لذا هي بحاجة دوماً لمن يقودها لرغبتها غير المعلنة في أن تستكن داخل بيوتها، وتترك الجبابرة يقودون حياتها بوضع أطواق من حديد حول أعناقها! وهذا قول فيه افتراء!
القضاء المصري يمر بمحنة كبيرة بعد إعلان الرئيس المصري محاربة الفساد وتطهير القضاء. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل بالفعل القضاء في أوطاننا العربية فاسد يحتاج إلى الصد له بمعول الإقصاء؟! هل أصلاً لدينا قضاء عربي مستقل، يُدعم مطالب شعبه الإنسانية المتمثلة في حرية التعبير والمظاهرات السلمية وتوفير معيشة كريمة له؟!
في أغلبية بلداننا العربية للأسف لم يزل القضاء تابعاً لأنظمته الديكتاتورية، يُصفّق لكل قول يصدر عن حكّامه! لذا أجد نفسي أرحّب بموقف القضاء المصري في تصديه للقرارات الأخيرة. ويؤكد هذا على أن هناك رغبة حقيقية لدى القضاء في الحفاظ على استقلاله، ويُبيّن أننا في أوطاننا العربية لم يزل بيننا من يسعى لصُنع جبابرة رغماً عن أنوف الشعوب المتعطشة للحرية!
موقف قضاة مصر سيجعل العالم يرفع قبعته احتراماً لنا. وبعد أن كان الغرب متعوداً على إملاء قراراته لأنظمتنا العربية بحجة أن السلطة القضائية عندنا غير مستقلة وأحكامها جائرة! ستجبره على أن يُفكّر ألف مرّة قبل أن يرفع صوته في وجوهنا بنبرة تهديد!
847 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع