د.عزالدين عناية
حازت الثورة التونسية موضع مركز الثقل وسط حراك كوني، هزّ أطراف عدة من عالمنا الراهن، وِفق توصيف أستاذة التاريخ السياسي في جامعة روما لاورا غواتزوني. فالاستثناء التونسي جديرٌ بالتمعن بعين فاحصة، داخل خصوصية التاريخ السياسي والاجتماعي لهذا البلد، وداخل الإطار الجيوسياسي الذي تدور في فلكه تونس.
يندرج كتاب المستعربة الإيطالية لوتشي لاكوانيتي المعنون بـ"جدران تونس" والصادر عن منشورات إيكسورما بروما، ضمن هذا التملّي في الاستثناء التونسي، من خلال التأريخ لفنّ الشوارع العفوي (فنّ الغرافيت) الذي اجتاح البلاد، والذي تحولت بموجبه الجدران الصامتة إلى صفحات ناطقة لكتابة خواطر الناس. فالكتاب عبارة عن ريبورتاج فني عبْر حيطان تونس وشوارعها، خلال الفترة المتراوحة بين 2011 و 2014، تستعيد عبره لوتشي أصوات الحالمين في الأرض. فثورة تونس هي ثورة لفنّ البسطاء أيضا، ولأحلام الناس الذين طالما كُمِّمت أفواههم.
كنت قد عرفتُ لوتشي لاكوانيتي منذ سنوات، حين كانت طالبة تتردد على محاضراتي في كلية الدراسات الشرقية في روما، وقد لمحتُ فيها شغفا بالدارجة التونسية جنب الفصحى، حتى أني كلّما لاقيتها أترك الإيطالية جانبا لأتحادث مع تونسية. أيقظتْ بداخلي شجنا إلى أزقة تونس وساحاتها، حين حدّثتني عن مخطط بحثها، الذي ليس حشدا لرسوم وشعارات، بل هو تدوينٌ بالنص والصورة لسنوات لاهبة في تاريخ هذا البلد، قبل الثورة وبعدها. وهو بالفعل ما تبيّن لي عَقب صدور الكتاب في 176 صفحة، فقد وجدتُ المؤلَّف رصدا فنّيا نبيها لتحفّز تونس لبناء كتلتها التاريخية -بالمفهوم الغرامشوي- أملا في النجاة، في ظل بحرٍ لجّي عربي يغشاه موج من فوقه موج. حيث تبني تونس نموذجها بحكمة وبصيرة لتسوية تلك الإشكالية المزمنة، بين الإسلام السياسي والدولة المدنية، وهي المشكلة التي ضلَّت طريقها في بلاد عربية أدمنت التعاطي اللاعقلاني مع الظواهر الدينية.
فاللافت في كتاب لوتشي لاكوانيتي أنه توثيق مزدوج بالكلمة والصورة للتحول الذي شهدته تونس، كما خربشت وقائعه أنامل محترفة وأخرى مبتدئة، لعقول مسيّسة وقلوب حالمة. يأخذك فيها الكتاب من سحر الشابي في "وأطلَّ الصباح من وراء القرون" إلى حكمة القول الشعبي "الجوع كافر بالله".
الكتاب: جدران تونس.. رسوم الثورة
المؤلفة: لوتشي لاكوانيتي
منشورات إيكسورما، 2015 روما
عدد الصفحات: 176ص.
1137 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع