وقف المهاترون والمزايدون والشامتون كلهم في خندق واحد, وقفوا متفرجين كعادتهم على حرائق غزة, حتى الكلمات الهشة التي استعانوا بها في السابق للتظاهر بمواساة غزة, جندوها هذه المرة في مهاتراتهم للتحريض عليها, ووظفوها للانتقاص منها, وتقليل شأن الانتصارات, التي سجلها أبناؤها بدمائهم وأرواحهم وبسالتهم, على الرغم من شهادة العالم كله واعترافه بهزيمة الصهاينة وانكسار شوكتهم الحربية, وليس أدل على هذا النصر من اعترافات المجرم (موفاز) في ملجأه الحصين, في الوقت الذي تظاهر فيه حتى اليهود في تل أبيب دعماً للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
فالذين لبسوا ثوب الذل والعار, وأعلنوا الخضوع والإذعان لقوى الشر, ومنحوا الناتو والبنتاغون أكبر القواعد وأوسع المعسكرات, وقدموا لهم أجزل التسهيلات, يدركون تماما أنهم فقدوا ماء وجوههم عندما تساقطوا في حظيرة العمالة, وخسروا الدنيا والآخرة عندما تهافتوا على خدمة أعداء الأمة, ولم يعد يحترمهم أحد لا في عواصمهم, ولا خارجها, ولن ينجح وعاظ السلاطين في إصلاح صورتهم المشوهة, وتجميل مواقفهم الغادرة وحملاتهم الداعرة, فأخذتهم العزة بالإثم, واستعانوا بالمهاترات والمناورات الكلامية ليثبطوا عزيمة غزة التي قهرت الغزاة, ويسرقوا نشوة النصر المؤزر بإذن الله, وفي مقدمتهم الزعماء والرؤساء والقادة والشيوخ, الذين فقدوا نخوتهم العربية, وتخلوا عن واجباتهم الوطنية, وتجردوا من تكليفهم الشرعي, وتنصلوا من التزاماتهم القومية والأخلاقية. .
حاول المهاترون أن يضللوا الأمة, ويوحوا لها بعظمة القدرات العسكرية, التي تمتلكها تل أبيب, تمهيدا لجرها إلى هاوية الخنوع والاستسلام, وبالتالي القبول بما يسمى (الأمر الواقع), فجاءت انتصارات غزة في الصميم, لتثبت ضعف هذا الكيان الغاصب, وتوجه أقوى صفعة لجند الشيطان ولأصحاب الأفكار الانهزامية, وتلحق الخزي بذوي الخطابات المسمومة والأقلام الملغومة. .
لقد كسر الغزيون حواجز الرعب, وحطموا قيود الفزع, ولم يعد يخيفهم الظالم, ولن يرعبهم الجبان الذي أعتاد على التضليل والتهويل, وفشلت نظريته الانهزامية, فلجأ المهاترون إلى التماس الأعذار الواهية, والبحث عن التبريرات بعد فوات الأوان, ولم ينصفوا الشعب الفلسطيني بكلمة واحدة, فجاءت كلمة رئيس الوزراء الماليزي الأسبق (مهاتير محمد) لتضع النقاط على الحروف, وتكتب أبلغ الجمل, عندما وصفت الكيان الصهيوني بالدولة الإرهابية, جملة لم ينطقها زعماء العرب بهذا الوضوح, وبهذه الصراحة في هذه المرحلة. .
قال مهاتير كلمته في حفل كبير أقامه لجمع التبرعات لأهلنا في غزة, ولتدشين صندوقاُ للطوارئ لصالح المنكوبين, فقال: ((إن إسرائيل تتبع سياسة الضربات الاستباقية ضد جيرانها بحجة حماية أمنها, وتعتقد أن لها الحق في شن الهجمات على أي بلد, في أي وقت, وهو ما تفعله الآن في غزة, وما فعلته مؤخراً ضد السودان, ومن قبلها العراق)). .
ودافع مهاتير عن صواريخ حماس, بقوله: ((إذا كان المجتمع الدولي والأمم المتحدة, والدول الغربية, تتفهم قيام إسرائيل بهذا النوع من الهجمات, فلماذا تنكر على الفلسطينيين قيامهم بحماية أنفسهم بأسلحة محلية بسيطة)). .
وقال: ((إن الفلسطينيين في غزة لهم الحق في أن يكونوا آمنين, وعندما يتم وضعهم تحت الحصار, ويحرمون من الغذاء والدواء, فما الذي يتوقع العالم منهم أن يفعلوه ؟؟)), وقال: ((إن الإعلام الغربي المساند لتل أبيب يركز على صواريخ حماس البسيطة, التي تعد من ضمن المفرقعات بالمقارنة مع ما تمتلكه إسرائيل في ترسانتها الحربية الجبارة من صواريخ بعيدة المدى, في حين يغضون الطرف عن الجرائم والمجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد الناس العزل)). .
نعم. . هذا هو الرجل الشريف المنصف, وهذه هي المواقف الشجاعة, أما الذين تنازلوا عن شرفهم, والذين فقدوا ضمائرهم, وباعوا أنفسهم للشيطان, فلا تتوقع أن يحذوا حذو هذا الزعيم الماليزي المصلح في يوم من الأيام, ولا جدوى من توجيه كلمات العتب واللوم لاستنفار الموتى واستنهاضهم, ورحم الله السياسي العربي الكبير, أحمد أبو الطيب المتنبي عندما قال في رسالته الميمية:
لا افتخارٌ إلا لمن لا يضام
مُدركٍ أو مُحاربٍ لا ينامُ
ذَلَّ من يَغبِطُ الذليل بعيشٍ
رُبّ عَيشٍ أخفُّ منه الحِمامُ
من يَهُنْ يسهلِ الهَوانُ عليه
ما لجُرحٍ بميتٍ إيلامُ
يتهافت سفهاء البترول هذه الأيام على طاولات القمار في الفنادق الفاخرة, ويهرع المسرفون والمبذرون نحو ملاعب سباق الخيول, من دون أن يفكروا بالتبرع بالقليل القليل لدعم المقاومة الحقيقية, بينما تأتي التبرعات من اللاعب البرتغالي (كرستيانو رونالدو), عندما تبرع بجائزة هدافين أوربا, التي تبلغ قيمتها (مليون وخمسمائة ألف يورو) إلى أطفال غزة ولتعمير مدارسها. .
أنت أصيل يا كرستيانو, وسيُكتب لك النجاح في تسديد ركلاتك الحرة المباشرة من خارج منطقة الجزاء, والخزي والعار للمهاترين المسرفين المبذرين المتخاذلين المهزومين حتى في كرة القدم. . . .
1218 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع