د.عبد القادر القيسي
تكملة لمقالنا السابق نتناول المحور الثاني من فقرات الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهي:
ثانيا: حصانة المحامين:
تساهم مهنة المحاماة في الإسهام بتقديم الخدمة العامة ولهذا تولي من يمارسها الحقوق والحصانات والضمانات التي ينص عليها القانون كما تلزمه بالموجبات التي يفرضها عليه، وقد حصلت عدة ممارسات وتصرفات من السلطة القضائية والتنفيذية أدت إلى القبض والاعتداء على عدة محامين بعضها كان خلل بالإجراءات القانونية والبعض الأخر بسبب التعسف في تطبيق القانون صاحبها اجتهادات في اتخاذ الإجراءات النقابية أدت إلى ضبابية في موقف النقابة في نظر الهيئة العامة للمحامين، وكانت بعض من مواقف النقابة انتقائية وبحسب ردود الأفعال والشخصية الموقوفة، ولم تكن على مستوى واحد وبخط بياني متساوي حيث كانت هناك ردود أفعال جادة بصدد محامين تم توقيفهم ليوم آو يومين ووصلت إلى حد الاعتصام عندما توقف(عضو مجلس النقابة) لمدة 24 ساعة في عام 2009، بينما هناك محامين متهمين بالإرهاب ظلما وبهتانا تركوا يلاقون مصيرهم، والنقابة تعلم حقيقة قضاياهم وتعلم يقينا انها مفبركة وسياسية، لكنها لم تقم بعمل حقيقي لمساعدتهم، مع العلم ان سبب اتهامهم واستهدافهم كان بسبب مهام مهنية بتكليف نقابي واولهم كاتب المقال وليس بسبب عناوينهم المهنية الشخصية، وهناك عشرات الحالات التي تعرض لها محامين للاعتقال والانتهاكات وكان صوت النقابة خافت وتعلوه غالبا، الانتماءات الطائفية والسياسية والمصلحية والشواهد بالعشرات، وكنا نتمنى أن تكون المواقف متساوية وبنفس المسافة عندما يحدث أي انتهاك يمس المحامي.
إن حصانة المحامي المنصوص عليها في قانون المحاماة النافذ، هناك ضرورة لتقويتها وتفادي نقاط ضعفها في مشروع القانون الجديد؛ حتى لا تحتاج إلى تأكيد من إحدى الجهات القضائية، والضرورة ملحة لإزالة الفهم الخاطئ لهذه الحصانة من بعض القضاة الذين يفهمون النصوص على نحو يتيح لهم الحق في حبس المحامي، والخلل في نصوص القانون النافذ حاليا، والغريب، اننا امام حالات عديدة تجسد التجاوز الصارخ على المحامين وحبسهم وتوقيفهم واتخاذ إجراءات تعسفية قانونية لم يحسب لها حساب، بأن هذا الشخص محامي ويمثل القضاء الواقف، وبالتالي لا يجوز اتخاذ إجراءات غير مشروعة بحقه، عنوانها النيل منه، والممارسة أدت الى صدور قرارات وممارسات من بعض القضاة تصب في اتجاه عدم الثقة بين القضاء الجالس والقضاء الواقف، وولدت ضبابية في أطار العلاقة بينهما، وانطوت هذه التصرفات على ضرر أكيد ومباشر على المحامي والمواطنين وعلى سير اجراءات الدعاوى، وصنعت بيئة مفعمة بالضغوط والتربص والتخلي عن الأسس القانونية.
وأجد أن الضعف والخلل الذي يجب مواجهته في مشروع القانون الجديد في هذه المحور، نسطره في ادناه:
أولا: ان إحاطة المحامي بضمانات كافية تتيح له أداء مهام وواجبات مهنته، بدون هاجس الخوف من الوقوع تحت طائلة أي تعسف من إحدى السلطات، من خلال ما يلي:
تفعيل الضمانات من خلال النص صراحة بالقانون الجديد ببطلان أي إجراء يأتي بالمخالفة لنصوصها، وموضوع الحصانات والضمانات اللازمة للمحامي أثناء أداء عمله والتي نص عليها قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 بالمواد(24، 26، 27،29،30) والتي قصد بها المشرع عند وضعها إحاطة المحامي ببعض الضمانات، والتي كانت غير كافية في نظرنا، إلا إنها كانت بداية؛ ومع الأسف، ان قرارات القضاء الجنائي مؤيداً بقرارات محكمة التمييز؛ اعتبروا كافة هذه النصوص تنظيمية ولا يترتب على مخالفتها أي بطلان وبالتالي افقدوا هذه النصوص من محتواه وكأن المشرع وضعها نوعا من اللغو، ولذلك فانه عند سن قانون المحاماة الجديد يجب وضع هذا الاتجاه القضائي في الحسبان؛ لأنه من الواضح انه في حالة وجود أي ثغرة في النص التشريعي سيكون هذا باب لإهدار حجية النص بالكامل(وإعادة مسلسل هدر ضمانات المحام مجددا)، واعتبارهً مجرد نص تنظيمي لا يترتب على مخالفته أي جزاء وكأنه والعدم سواء وقد وضعت نصوص المواد المشار اليها انفا، كما وردت في قانون رقم 173 لسنة 1965 ثم اتبعتها بمقترح منى للتعديل المقترح .
ولا ادعي لنفسي أننى قد وجدت صياغة التعديل بحيث لا يكون به ثغرة ما ولكنها مجرد محاولة.
القانون الحالي /المادة (24)
للمحامي أن يسلك الطريقة المشروعة التي يراها مناسبة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسئولا في عريضة الدعوى أو مرافعاته الشفوية أو التحريرية مما يستلزمه حق الدفاع.
النص المقترح بمادة (24):
(للمحامي أن يسلك الطريقة المشروعة التي يراها مناسبة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسؤولا جنائيا أو مدنياً عما يورده في عريضة الدعوى أو مرافعاته الشفوية أو التحررية أو الأوراق الثبوتية التي تقدم لصالح موكله ومما يستلزمه حق الدفاع).
القانون الحالي / المادة(30)
(يجب إخبار النقابة بأي شكوى تقدم ضد المحام وفي غير حالة الجرم المشهود لا يجوز استجواب المحامي أو التحقيق معه بجريمة منسوبة إليه متعلقة بممارسة مهنته إلا بعد أخبار النقابة بذلك ولنقيب المحامين أو من ينوب عنه حضور الاستجواب والتحقيق).
النص المقترح لنص المادة(30):
(يجب استحصال موافقة النقابة بأي شكوى تقام ضد المحام خلال مدة 24 ساعة على الأقل وفي غير حالة الجرم المشهود لا يجوز الشروع في التحقيق مع محام أو استجوابه او احالته للمحكمة المختصة او تفتيش مكتبه إلا بعد استحصال موافقة النقابة بذلك، وعلى النقيب أو من ينوب عنه حضور الاستجواب او التحقيق او المحاكمة او التفتيش، ولا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة عمله أو بمعرضها إلا بقرار من مجلس النقابة بأذن الملاحقة ويجب إصدار قرار الإذن بالملاحقة او رفضه خلال شهر من تاريخ إبلاغ النقيب ووقوع الفعل بكتاب خطي وإذا انقضت مهلة الشهر ولم يصدر القرار يعتبر الإذن واقع ضمناً، وأي أجراء يتخذ خلافاً لما سبق يعتبر باطلاً ولمجلس النقابة طلب صور التحقيق بدون رسوم) .
القانون الحالي (المادة 27)
أولا \ على المحاكم والسلطات الرسمية التي تمارس سلطة قضائية أو تحقيقية والمجالس والهيئات والمراجع الأخرى التي يمارس المحامي مهنته أمامها أن تأذن بمطالعة أوراق الدعوى أو التحقيق والاطلاع على كل ما له صلة به قبل التوكل ما لم يؤثر ذلك على سير التحقيق على أن يثبت ذلك كتابة في أوراق الدعوى.
ثانياً: يعتبر المكلف بخدمة عامة مخالفاً واجبات وظيفته إذا اخل عمداً بحق من حقوق المحامي المنصوص عليها في هذا القانون أثناء ممارسة مهنته المحاماة أو إذا منع المحامي من ممارسته وتطبق بحق الأحكام الخاصة بمخالفة المكلف بخدمة عامة واجبات وظيفته0 ثالثاً ........... )
النص المقترح لنص (م 27)
أولا \ (على المحاكم والسلطات الرسمية التي تمارس سلطة قضائية أو تحقيقية والمجالس والهيئات والمراجع الأخرى التي يمارس المحامي مهنته أمامها أن تأذن بمطالعة أوراق الدعاوى او التحقيق والاطلاع على كل ما له صلة قبل التوكل، وعليها ان تقبل حضوره في التحقيق الابتدائي او أي اجراء اخر يقرره القانون، وتسهل له حق الحصول على البيانات المتعلقة بالدعوى والأوراق الرسمية أو نسخة ضوئية منها بعد التوكل ما لم يؤثر ذلك على سير التحقيق، على أن يثبت ذلك في اوراق الدعوى بقرار مسبب).
ثانيا، ثالثاً لا تعدل.
القانون الحالي (نص المادة 26)
(يجب أن ينال المحامي من المحاكم والدوائر الرسمية وشبة الرسمية والمراجع الأخرى التي يمارس مهنته أمامها الرعاية والاهتمام اللائقين بكرامة المحاماة وان تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه ولا يجوز أن تهمل طلباته بدون مسوغ قانوني)
النص المقترح (نص المادة 26)
(يجب أن ينال المحامي من المحاكم والدوائر الرسمية وشبة الرسمية والمراجع الأخرى ودوائر الشرطة التي يمارس مهنته أمامها الرعاية والاهتمام اللائقين بكرامة المحاماة وان تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه، وتمكينه من الاطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقاً لإحكام القانون ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ قانوني مكتوب وعلى الجهات المذكورة عدا المحاكم والجهات القضائية البت في طلبات المحامي التحريرية خلال مدة أقصاها سبعة أيام من تاريخ تسجيل الطلب لديها).
القانون الحالي (المادة 29)
يعاقب من يعتدي على محام اثناء تأديته اعمال مهنته او بسبب تأديته بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف عام اثناء تأديته وظيفته او بسبب تأديتها.
القانون المقترح (المادة 29)
يعاقب من يعتدي على محام اثناء تأديته اعمال مهنته او بسبب تأديته بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على قاضي اثناء تأديته وظيفته او بسبب تأديتها.
ويجب العمل حاليا قبل تشريع قانون المحاماة الجديد على:
1) إنشاء لجنة مشتركة مكونة من عضو من مجلس نقابة المحامين وعضو من مجلس القضاء الأعلى يكون هو رئيسها وعضو من إحدى الجهات الآتية حسب طبيعة النزاع(الداخلية والدفاع ومجلس الوزراء) وتكون مهمة هذه اللجنة النظر في حل توفيقي في حالة حدوث أي نزاع مدني أو جزائي مهما كان بين احد المحامين واحد منتسبي السلطة القضائية أو بقية الجهات ويكون اتخاذ أي إجراء ضد المحامي أو خصمه من أعضاء السلطة القضائية أو التنفيذية باطلا إذا لم يسبقه العرض على اللجنة المذكورة التي تحاول حل النزاع بين أطرافه مستهدية في ذلك من طبيعة العمل المشترك الذي يجمع بين إطراف النزاع وإذا فشلت اللجنة المذكورة في التوصل لحل فأنها تصدر توصية بما تم ويحال النزاع بعد ذلك لجهاته الطبيعية لاتخاذ إجراءاتها.
2) ضرورة عقد مؤتمر كبير يضم وزارة الداخلية والعدل والدفاع ومجلس القضاء الأعلى برعاية نقابة المحامين لغرض الوقوف بجدية على كافة الخروقات الصادرة من الجهات ذات العلاقة بحق المحامين، والتصدي لكافة الجهات التي أفرغت القوانين من محتواه في التطبيق.
3) تأمين حرية المحامين في اتخاذ الوسائل التي يرونها مناسبة في الدفاع عن مصالح الموكلين وفي إطار القانون والشرعية، وعلى النقابة التدخل في كل حالة فردية أو جماعية يكون فيها المحامي قد تعرض لحرمانه من ممارسة واجباته، وان تنقل النزاع من المحامي المتضرر إلى النقابة لتحل النقابة محل المحامي، ولو لم يشأ المحامي المتضرر متابعة الأمر.
المحور الثالث في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهي:
(المقاطعة والاعتصام ضرورة مؤازرة المحام للنقابة، والتزامه بتنفيذها بمهنية وانضباط عالي)
يجب ان يكون العمل النقابي حق دستوري ليستمد المحامون حقهم في الوجود بالعمل المهني والنقابي من الدستور مباشرة، ولابد من وجود تشريع يحمي النقابة ويحدد وينشئ ويقر حقوقها وواجباتها وعلاقاتها مع سلطات الدولة الثلاث، وتحتاج النقابة الى جهد مضني وكبير لأجل النص على هذا الحق (تشكيل النقابة) في الدستور الذي يحكم استقرار هذا الحق ويصبح حقاً طبيعياً يجب احترامه.
انه لمن الضروري، أن يقف المحامون اليوم بكل جرأة وشجاعة على ما أفرزته عقلية التعاطي الحالية مع قطاع المحاماة من سلبيات جمة أهمها ظاهرة عدم المبالاة والعزوف عن متابعة ما يحدث للمحامين بصورة خاصة وللمهنة المحاماة عموما، وما افرزته هذه المرحلة من تكتلات تعمل وفق مصالحها، الأمر الّذي عمّق تشتُّت المحامين وأضعفهم أمام تعدّد القوى، وزاد من تعميق الهوّة في العلاقة بين النقابة والمحام وبين المحامين والقضاة، وكذلك تنامي ظاهرة العداوة المفرطة بين المحامين بسبب اختلافاتهم المذهبية والقومية والسياسية في قطاع من أهم سماته التضامن والشعور بالانتماء الى عائلة واحدة.
ان هذا التردي المستمر الذي يحيق بالمحاماة والسلبية المفرطة من جانب بعض القيادات المهنية رافقها اداء غير مشجع من النقابة في التواصل مع المحامين والإحساس بمشكلاتهم وألية إيجاد الحلول المناسبة لها، خصوصا هناك اعتداءات وانتهاكات وممارسات تعسفية تصدر بحق المحامين، والنقابة وكثير من المحامين يتحدثون بعبارة(كرامة المحامي خط أحمر)، لكن الانتهاكات بحق المحامين تتنامى ولم ولن تتوقف، ولا اريد ان اقارن ذلك مع يتحدث به السياسيين والحكومة عن موضوع السيادة في الارض خط احمر والسيادة في السماء خط اخضر، لا سيما ان وجه المقارنة بدأ يتطابق مع وضعنا نحن المحامين ككل، فحينما يكون هناك اعتداء على المحام يصحبه امتهان لكرامة المهنة، وتبدأ معه النقابة بالمطالبة بالاعتصام او المقاطعة، يقابله تقاعس وتجاهل كبير من عدة محامين، وفي بعض الاحيان يكون مقصودا وعمديا لأجل تصفية حسابات شخصية غير مهنية، مما اسس لممارسات عنوانها البارز، كرامة المحامي ليست خط احمر، وهذا حدث سابقا؛ عندما كنت رئيس غرفة المحامين في المحكمة الجنائية المركزية، حيث اعتقل بطريقة متعسفة احد اعضاء مجلس النقابة(السيد النقيب الحالي)في المحكمة، ونظمنا اعتصام في المحكمة الجنائية المركزية لأجل اخراج القيادي المهني(مشرف على غرف محامين الكرخ) وعملية اعتقاله لم تكن منسجمة مع الفعل المنسوب له، وعملت جاهدا على تطبيق المقاطعة بجدية، ونفذ الامر محامين عديدين، لكن هناك نفر ضال كان سلبيا جدا ورفض تنفيذ الاعتصام، ودخل الى المحكمة ومارس عمله المهني، بل واخبرني هذا النفر، بان بعض القضاة سيقومون بفتح شكاوى عليّ وعلى اعضاء هيئة الانتداب، مع العلم كنت في تلك الممارسة بمفردي، والحمد لله نجحت المقاطعة، لكن المؤسف والمثير للاستغراب، اننا سلمنا اسماء من لم يلتزم بتطبيق المقاطعة، على امل معاقبتهم مهنيا لكن تم تسويف الامر من النقابة، ولم يتم معاقبتهم ولا حتى طلب حضورهم، مما ولد حالة من الاحباط لدى غالبية محامي المحكمة وتلك كانت ممارسة غير موفقة.
ان نقابتنا هي قلعة الفرسان، وتحتاج منا مؤازرتها؛ لان فارس بلا كرامة أمر لا يستقيم ولا ينسجم مع مقومات مهنتنا؛ وكرامتنا وكرامة المحامي في الفترة الاخيرة بدأت تنتهك بصورة مؤلمة؛ وهيبة ووقار المهنة بات مستباحا كسماء العراق، لكل من تسول له نفسه ألتعرض لها دونما حساب أو عقاب، بسبب عدم تكاتف المحامين مع نقابتهم في التصدي لتلك الممارسات من خلال تفعيل اي اجراء تتخذه النقابة، وترك مسالة النقاشات والصراعات والتصفيات والمماحكات والتناقضات والسلبيات الى جنب، وان كانت موجودة، علينا تركها جانبا وقت العمل الجمعي، ونتحاور فيها فيما بيننا، لا ان تكون مدار نقاشات في غرف مظلمة، ونحط ونطعن ونتهم وتُدبر المكائد وتعد الخطط وتحاك المؤامرات، وتبدأ وتيرة العمل التسقيطي الشخصي شاخصة ومعرقلة، وبطريقة فجة تفوح منها عطور خبيثة غير مهنية، تنال من نقابتنا وشيوخها القيادين ومن اسم قلعة الفرسان.
وكل ما كانت المواقف عظيمة وداعمة ومؤيدة، تكون النتائج ذات أثر منتج وفَعّال، وعلينا ترك المداهنة والمحاباة والتباكي على امور عنوانه البارز والابرز، يتعلق مسائل الكرامة، لكن المخفي غير مهني.
فهناك ضرورة بان يتم ادراج مادة في قانون المحاماة الجديد يتيح للنقابة إلزام المحامين باتخاذ اجراء المقاطعة او الاعتصام، في حالة هناك ضرورة لذلك ووفق ما يقرره مجلس النقابة، لاسيما أن المقاطعة والاعتصام عند اعتقال محام او الاعتداء عليه، تعطي نتائج وإشارات تصب في عدة اتجاهات منها:
الأول/ يثبت لجميع من يتعامل مع المحامين من قضاة وادعاء عام وأجهزة أمنية وشرطة إن النقابة ممثلة بنقيبها وأعضائها لن تترك المحامي وحده في مواجهة أي تجاوزات تحدث معه، وانه في حالة حدوث أي تجاوز سيكون للنقيب والأعضاء وقفة حازمة وتصعيد للأمور إلى أعلى جهات الدولة، وبالشكلية التي تعزز مهنة القضاء الواقف بتفسيرها الحقيقي.
ثانياً/ المقاطعة والاعتصام تعطي انطباع أن الموضوع لم يعد تعرض لمحامي لتجاوز ما، ثم اللجوء إلى الشكوى وانتظار رد الفعل؛ بل انه بإصدار قرار المقاطعة أو الاعتصام (ولو لمحكمة واحدة) يصبح الحل في أيدي المحامين أنفسهم ويكون المحامون هم من يقوموا بمعاقبة المتجاوز بعدم الحضور أمام محكمته.
ثالثاً / صدور قرار المقاطعة آو الاعتصام وتطبيقه في محكمة من المحاكم يعطي انطباعاً بان ليست هناك حصانة لأحد مهما كان، طالماً هناك تجاوز وهدر للشرعية الممثلة في حصانة المحامي المنصوص عليها في القانون.
رابعا: نجد عندما تطرح مسألة المقاطعة من قبل النقيب أو بعض الأعضاء أو قسم من الهيئة العامة للحفاظ على كرامة المهنة نجد انه في الجانب الأخر تصرف بعض من ينادون بالحفاظ على كرامة المحامي ليلا ونهار تصرفاً مختلف تماما، فبمجرد انعقاد النية لإصدار قرار المقاطعة يملئون الأرض ضجيجا بأنه لا يجوز صدور قرار المقاطعة ومن الأفضل تقديم شكوى وينتهي الأمر، بل ذهب البعض منهم إلى إن حبس المحامي مسألة جوازيه من سلطة القاضي، متناسين إن هذه السلطة مقيدة بعدة أمور قانونية لابد للقاضي أن يراعيها قبل اتخاذ أي إجراء والمحامين يمتازون بالذكاء الكافي ليدركوا أسباب هذه المواقف لان المحامي لا يحب ابدأ أن يرى كرامته وكرامة مهنته تكون رهينة تحت ظل امزجه وأهواء أو اجتهادات القضاء والسلطة التنفيذية.
وبالطبع لم يكن المطلوب صدور قرار المقاطعة أو الاعتصام والاستمرار فيه إلى فترة طويلة بل مطلوب إرسال رسالة رمزية إلى جهات كثيرة وأهمها السادة القضاة وان مضمون الرسالة هي، للمحامي حصانة نص عليها القانون وان النقيب والنقابة لن يتهاونا أبدا في هذا الموضوع لاسيما إن اعتقال وحبس المحامي لم يكن فقط نتيجة تجاوز فردي بل كان نتيجة قناعات موجودة لدى عدد كبير من القضاة يدعمه توجه فعال من قسم من الاجهزة الامنية، وقد ظهر ذلك جلياً عندما صرح الناطق بلسان مجلس القضاء الأعلى الموقر (عبدالستار بيرقدار) عند توقيف المحاميان( ف ب، ع ق) في عام 2011 وقد نشر ذلك بالصحف، والذي أكد فيه حق القضاة بحبس المحامي المتجاوز لذلك تبدو أهمية المقاطعة في حينها فاعلة جداً حتى تصل الرسالة إلى كل من يفكر في مثل هذا التجاوز على حق المحامي، وتحضرني في هذه النقطة ما فعلة الأستاذ (سامح عاشور) عند توقيف محامي في إحدى المحاكم في مصر في شهر شباط من 2005 حيث أعلن مقاطعة المحاكم إلى إن أعلن مجلس القضاء الأعلى المصري اعتذاره وإحالة القاضي إلى التحقيق وهذا معناه ان رسالة المقاطعة وصلت وحققت كل ما كانت ترمي إليه، وفي حادثة اخرى:
قال سامح عاشور، نقيب المحامين( ..إن الاعتداء على المحامين الأربعة مرفوض ... وإنهاء الأمر ودياً لن يحفظ كرامة المحامين،...) و (أنهى عشرات المحامين اعتصامهم بمحكمة شبرا الخيمة،.. بعد اعتذار اللواء سعيد شلبى مدير أمن القليوبية، ورئيس محكمة شبرا، للمحامين عن واقعة الاعتداء على زملائهم..).
وتعرض أثنان من المحامين المصريين للاعتداء بالضرب من قبل أحد أفراد قسم شرطة أكد سامح عاشور نقيب المحامين، لـ"الوطن"، استمرار اعتصام المحامين أمام قسم أول مدينة نصر حتى إقالة وزير الداخلية، وأكد سامح عاشور على مشاركته في مسيرة رد الكرامة غدا بأذن الله ويدعوا جميع الساده المحامين للمشاركة توحيدا لصف المحامين، وكان نقيب المحامين، قد تلقى أتصالا من ألرئيس محمد مرسي أستمع فيها الرئيس خلالها لمطالب المحامين، وكان عاشور التقى أمس، مع وزير الداخلية، محمد إبراهيم.)
لذا من المؤكد في العراق، نحتاج الى مسيرات واعتصامات ومقاطعات لرد الكرامة عندما تنتهك، تقوم بها النقابة(مجلسا ونقيبا) ويؤازرها المحامين والمحاميات، بكل قوة ورباط، لتكون النتائج فورية وتحفظ الكرامة.
نتمنى أن تكون عنايتكم باستقصاء أخر الكلام أتم منها في أولها، وأن يأخذ الحق والقانون من المحامي منبرا
علينا ان نقف بالمرصاد لكل من يحاول أن يخطف نقابتنا ليحقق طموح حزب أو جماعة أو طائفة ما أو طموحه الشخصي مؤمنين بأن المحاماة لابد أن تقوم من كبوتها وأن يعود لها شأنها وكرامتها وعزتها ولا نبتغى غير رضا الله عنا في رسالة نحتسب أجرنا فيها عند خالقنا عز وجل.
نتناول المحور الرابع في الحروب الشاذة التي تعيشها مهنة المحاماة، وهي:
الانتماء للنقابة لنيل صفة محامي ليس اجباريا:
ان من دراسة قانون المحاماة النافذ وملاحظة بدقة ما ورد في المادة(1) منه المعدلة، نجد ان الانتماء لنقابة المحامين لممارسة مهنة المحاماة ليس اجباريا وباستطاعة الشخص الذي تخرج من كلية القانون ان يوكله أي شخص للترافع عنه في قضيته، وليس لنقابة المحامين الطلب من المؤسسة القضائية عدم السماح لخريجي القانون من غير الموظفين بالترافع في دعاوى تم توكيلهم من المدعيين، وليس لها الطلب من مجلس القضاء الاعلى عدم السماح للمحامي وقبول مراجعاتهم لدوائر المؤسسة القضائية والترافع الا بتجديد هويته، وليس لها ان تطلب محاسبة المحامين على عدم تجديد انتمائهم الى نقابة المحامين، وهذا مانص عليه قانون تعديل قانون المحاماة رقم 101 الصادر في 1/1/1988 المعدل لقانون المحاماة رقم (173) لسنة 1965، وقد نص التعديل على ما يأتي:
(يكون الانتماء الى نقابة المحامين اختيارياُ لمن يريد ممارسة المحاماة وذلك بتسجيل اسمه في جدول المحامين)، في حين كان النص القديم للمادة 1:
(يشترط فيمن يمارس المحاماة ان يكون اسمه مسجلا في جدول المحامين).
ولعل المشرع كان يبغي من تعديله ان يكون (في رايه) أقرب الى العدالة والانصاف وان يكون هذا النص أكثر اتساقا مع مبدأ الحرية الشخصية للفرد، وعَدّ نقابة المحامين نقابة مهنية، فمن الأفضل والمناسب، ان يكون الانتماء اليها اختياريا وبإرادة خريج القانون وليس اجبارياُ، وهذا التوجه من المشرع لم يكن صائبا.
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ليس للمحاكم ودوائر السلطة القضائية مطالبة المحامين بإبراز هوية نقابة المحامين عند الترافع فيها، ذلك (ان الانتماء الى نقابة المحامين ليس شرطاُ لممارسة مهنة المحاماة).
وبحدود ما سبق وصفه في أعلاه، وفي نطاق ما ورد في قانون المحاماة النافذ فان صفة (محام) يحوزها الشخص بمجرد حصوله على شهادة البكالوريوس في القانون؛ وليس رهناُ بانتمائه الى نقابة المحامين، كما سار عليه عرفا مجلس القضاء الأعلى وقبله نقابة المحامين العراقيين.
وإثباتـا لما سبـق ذكره، فان ابراز المحامي شهادة البكالوريوس في القانون باسمه والصادرة من اي من الجامعات العراقية او أي كلية معتمدة لدى وزارة التعليم العالي العراقية، يعد كافياُ لإثبات كونه محامياُ ولقبول ترافعه امام المحاكم العراقية.
وعليه وبموجب هذا التعديل غير الموفق، فان عدم الانتماء الى نقابة المحامين لا يمنع المحامي من مباشرة حقه في ممارسة المحاماة، كما ان عدم تسديد المحامي (المنتمي الى نقابة المحامين) الاشتراك السنوي الى النقابة لا يرتب منعه من ممارسة المحاماة، اما بقية الشروط المنصوص عليها في قانون المحاماة فهي شروط للتسجيل في سجل المحامين وليست شروطاُ لممارسة مهنة المحاماة.
هذه الوقائع والحقائق لا نسوقها حشوا، ولا نذكرها ترفا، فهناك ضرورة ملحة مراعاة ذلك في مشروع قانون المحاماة الجديد وإعادة نص المادة القديم لأنه أكثر ملائمة مع متطلبات ومضامين مهنة المحاماة؛ لاسيما هناك تخمة من اعداد المحامين وتحتاج الى ترشيق لأجل تفادي تدهور واقع المهنة، ويجب التأكيد بمشروع قانون المحاماة الجديد بان: يعد محامياً من يقيد بجداول المحامين التي ينظمها هذا القانون، ويحظر استخدام لقب المحام على غير هؤلاء.
1005 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع