كتابة - إيمان البستاني
حكايات الجدة الطيبة
كانت لحكايات الجدة كيمائية عجيبة في نفوسنا عندما كنا صغاراً لما تحمل من سحر و خيالات في الذاكرة والتصاق لقيم و مبادئ تربوية صحيحة , كان الطقس يبدأ حين تتنحنح الجدة و تمد يدها في دهاليز تدعى جيوباً في ثوبها العبق برائحة الامان , و توزع على جوقة الاطفال حلوى و مكسرات معلنة بدء سرد الحكاية التي تم سماعها الالاف المرات بلا كلل او ملل وكل مرة يضاف لها و يلغى منها تفاصيل جديدة , ولكنها تبقى في وضعها العام محتفظة بنفس أمثالها الشعبية واغانايها التي تعزز من فكرة الحكاية
كانت جميع حكاياتها دروس تربوية باسلوب عذب يميز بين الخير والشر والطيب من الخبيث والصحيح من الخطأ , دون التلويح بالعقاب والنصح المبطن بالتوبيخ
ومع تبدل الزمان , عندما اقتحم التلفاز كل البيوت تبعه اختراع اخر اشد ضراوة الا وهو الحاسوب , اغلقت الجدة منذ ذلك الحين فمها و جيبها للابد وتم استبدالها للاسف بالعاب ذات بطارية, يدفع فيها الشيء الفلاني لتركن بعد ايام على الرف لجمع الاتربة , وبقى جيبها موصداَ امام شكوى الاباء بأن ما تقدمه للاطفال بات فجأة السبب في تلف اسنانهم
انه بأختصار زمن المكوك الفضائي والالكترونيات المكلفة مادياً , الباهتة معنوياً , وكأنه تم توكيل مهمة تربية الاطفال وتسليتهم الى مجموعة الكترونات باردة , جشعة , قاسية , لتحل محل الاهل , فانفرط عقد العائلة , و ذهب الاباء ذات الشمال , والاولاد ذات اليمين والمدعو التطور الالكتروني وسيطهما باسطاً نفوذه وكأنه سداً منيعاً يفصل الاثنان من اي حميمية
الأدهى من هذا كله في هذا الزمن العجيب ان هذه الالكترونات الخبيثة قد تسللت لفراش الزوجية و فعلت فعلها حين اصبحت الخيانات الزوجية الكترونية كواقعة مسجلة في هاتف خلوي او موقع تواصل اجتماعي بين طرفين احدهما افتراضي
انها حالة باتت تُفرق ولا تَجمع , تهدم ولا تبني , تبعد ولا تقرب و مقابل كل هذا الدمار الأسري ترتفع ارصدة شركات الالعاب والهواتف والحاسوب
علينا التفكر بحالنا وما وصلنا اليه و كبح جماح التيار الجارف الذي يفضي لجيوب الشركات و العمل على العودة لدفء العائلة و تقاربها و الابقاء على شلة الالكترونات كخدم لتسهيل حياتنا لا كسيد يأمر و ينهي في مصيرنا , و دعائنا اولاً واخراً ان اعادنا الله واياكم الى زمن الخير والجدة الطيبة و نجانا واياكم من زمن و شرور هذا الزمن الالكتروني
في آمان الله
778 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع