نزار جاف
لم يکن سقوط نظام حکم الرئيس صدام حسين، حدثا عاديا أو طارئا وانما کان بحق تطورا تأريخيا فصل بين زمنين، و مرحلتين مختلفتين من کل النواحي، وبقدر ماکان العمل من أجل إسقاط صدام حسين شاقا و مکلفا و معقدا، فإنه کان أشبه بمخاض الجبل الذي ليت ليت ولد فأرا!
صعود صدام حسين الى السلطة کانت في حد ذاتها قصة لمحبيه و لمناوئيه على حد سواء، لکنه ومع کل الذي جرى کان صعودا لايقاوم من حيث الکاريزما و القدرة على الادارة و تسيير الامور و ليس بإمکان أحد أن ينکر ذلك خصوصا من حيث بقاءه أيضا في القمة وهو لم يکن صعودا سريعا کالذي لبطل رواية الفرنسي ستاندال"الاحمر و الاسود" حيث صعد سريعا أبان الثورة الفرنسية ومن ثم يعدم خلال فترة قياسية وهو في منتصف العشرينيات، في حين إن عملية المجئ بمن خلفوه في الحکم(ولاأقول صعود)، والتي کانت أشبه ماتکون بالاکلات السريعة، فإنها صارت من المضحکات المبکيات التي لاأدري هل هناك من يجرٶ على القول بأن التأريخ سيذکرها بخير؟
عندما جلست في القطار في کولونيا يوم 27 أيار الماضي، وأنا أغادر الى باريس من أجل تغطية"المٶتمر الوطني العراقي لإنقاذ العراق"، سألت نفسي: مالذي بقي من العراق لإنقاذه؟ فهو ممزق مشتت مقسم وإن کان على الخارطة کأن شيئا لم يکن، لکنني مع ذلك تدارکت نفسي وقلت أحيانا تجد أمامك من هو ميٶوس منه و مشرف على الموت، لکنك مع ذلك تمنحه الامل و لهذا فقد هونت على نفسي و على العراق بأمل ما قد يلوح من بين الانقاض.
هل يمکن إنقاذ العراق من هنا، من فندق فورسيزنس الباريسي ذو الخمسة نجوم الکائن في الشانزليزيە؟ هذا السٶال طرحته على نفسي وأنا أسير في الطريق الى جانب الشيخ جمال الضاري الذي أصبح فيما بعد رئيسا للمٶتمر حيث تجاذبت معه أطراف الحديث، وسعيت للتجرد من کل أنواع الميل و الهوى وأنا أستمع للرجل بمنتهى الحيادية، خصوصا وإن الذي دار بيني و بينه قد سبق خطابه الذي سيلقيه، وقد کان ذلك بالنسبة لي کافيا حتى أرى مافي قرارته و في جعبته من أفکار و رٶى يمکن لي إستشفافها من خلال ماينطلق من لسانه و المرء کما يقول علي أبن أبي طالب مخبوء تحت لسانه.
مالذي بقي من العراق لتنقذه؟ سألت الضاري فأجابني بهدوء(وهو حقا رجل هادئ و رزن)، قائلا: أنا أحب النظر دائما للنصف المملوء من الکأس، فذلك مايمنحني الامل على ملئ نصفه الفارغ! الحق أقول؛ أعجبتني إجابته کثيرا، لکنني رغم ذلك قسوت معه أکثر فقلت: الکأس کله فارغ بل وحتى مکسور، عن أي نصف مملوء تتحدث؟ توقف قليلا ثم قال:
هل تريد إخباري هٶلاء أسوء من المغول؟ لاأعتقد وحتى لو کانوا أسوء فهناك مايمکن عمله و إنجازه للعراق.
الحقيقة إن العراق الذي عاش زمن صدام حسين بکل صرامته و قسوته و مرکزيته، يعيش اليوم عهدا أشبه مايکون بالخيمة المهترئة القائمة على عکازة منخورة ومن بين مئات الزعامات لاتجد فردا واحدا من بينهم يستحق کلمة زعيم بحق و حقيقة، وبين ذلك العراق الصدامي و هذا العراق"الهدامي" إن صح التعبير، ترى هل يمکن للمٶتمر الوطني لإنقاذ العراق أن ينقذ العراق من الذين يعتبرونه مجرد خروف ينهشون بلحمه وهو حي!
3937 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع