د.سعد العبيدي
بغداد حقاً حبيبتي، قبلتي وملاذي، وقدر خط مآله ألماً، وحساب بات وقعه في دنيا الحاضر ناراً وعجاف أيام قبل حلول القيامة ببضع سنين.
ما الذنب يا بغداد؟، ليجعلوك هكذا تنزفين:
جلادٌ يمسك سيفاً يرفعه باسم الإله، ينحر رقاب الفتية الآتين بعمر الزهور متكلاً على الله.
داعيةٌ يمكث طويلاً في بيت الله يؤدي فروض الصلاة وأكثر منها أدعية وخشوعاً وتضرعاً، يخرج مسعوراً، يقدم تسهيلات القتل والتفجير والحقد الطائفي متكلا هو الآخر على الله.
شيخٌ يأخذ مسجداً فيه وكراً يحث التابعين على الكره الأصفر والتفخيخ سنة جهاد يتقرب منها الى الله.
مسؤولٌ فاسد يشتري جهازاً فاشلاً يسهم في وأد الطفولة وابادة الشباب، وبالسحت يتوجه الى الكعبة حجاً خمس مرات.
سياسي مأجور يجوب العالم جرياً، يجمع أصوات الحقد والتفريق والتخريب يدفعنا الى الموت أفواجاً، وندفع بأنفسنا حشراً بين الحيطان العتيقة مأسورين.
قبلنا يا بغداد عيشاً فيه عذاب، ولبسنا السواد، وسكتنا عن أعداد اليتامى والأرامل، وأطفال يتسولون، ومهاجرون في البحار يغرقون، وغربة تهرس النفوس، وقتل وتشريد ولهيب صيف قائض وقطوع الكهرباء، وموت بطيء يملأه الأنين.
ألا يكفي سيدتي كل هذا وما زلت تطلبين المزيد؟.
أي مزيد بعد فاجعة الكرادة، وأي عيش نقترب في ثناياه من الذهول، سمعنا أنين أحبتنا يحترقون، رأينا أجساد أطفال عادت الى بطون أمهاتها خنقاً تفتش عن ملاذ، وأب ملكوم يُقلِبُ جثمان شهيد، تأخذه العبرة بكاءً، يجلس بين الجثث لا يقوى على النحيب، وأم تفتش بين بقايا المتفحمين عن ابنها الوحيد، وأخرى معها تسأل عن ثلاثٍ كانوا لها أملاً في هذه الدنيا قبل ساعات. ورابعة وعاشرة لا تستكين.
نُقرُ حبيبتي نحن الواقفين في نقاط السيطرة، والعاملين في الدفاع المدني، ومراقبي الأمانة، والراشين والمرتشين والفاسدين وتجار الدين وآباء القتلة الارهابيين وجيرانهم الساكتين، والمعارضين والمؤيدين، والسياسيين والعسكر ورجال الأعمال، والطائفيين المتأسلمين، ونعترف علناً أننا السبب فيما حصل، ونعاهدُكِ أننا سنكف عن البكاء بعد أيام ونقبل بالمقسوم، وسندفن أحزاننا في أعماقنا الممزقة من كثر الأحزان، وسنوكلُ أمرنا الى الله عرفاناً بمشاركتنا فيما حصل مثل كل مرة، ونوعدكِ أننا سنختلف مع بعضنا لنؤسس الى كارثة أخرى وموت آخر، واتهام لبعضنا كذلك آخر، وسنؤدي التحية مرغمين.
عذراً بغداد على مساهمتنا في اغتصابك ليلاً وفي النهار. لا تبتئسي حبيبتي فرابعة العدوية كانت هي الأشرف بين الأقوام. ستعودين كذلك مثلها أجمل وأشرف كل البلدان، وسنعود يوماً اليك حبيبة خالدة الى يوم الدين.
سنرفع أيدينا الى الخالق قولاً بأعلى أصواتنا المبحوحة مؤمنين:
أيها الخالق العظيم أتعَبَتنا الأحداث، جاءنا الإرهاب من كل فج وصوب ليس لذنب سوى أننا بتنا متفرقين.
أيها الرب الأوحد فاض الصبر وطفح الكيل وابتلانا الجهل وعشعش وسطنا الشيطان، فأعنّا يا إلاهي على من يقصد بنا سوءً وأنت الأدرى بهم وبنا، وأنت خير معين.
3712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع