د. علي محمد فخرو
نحن نعيش في عالم قائم على الكذب والخداع، والدوران حول القضايا، ثم الادعاء بأن قادته يسعون لحل تلك القضايا،
لنأخذ موضوع العنف الإرهابي، الجهادي التكفيري في بلاد العرب والإسلام والعبثي الفردي في مجتمعات الغرب، والذي أصبح كابوساً يؤرق كل مجتمعات العالم، وحديثاً تتلهى به كل وسائل الإعلام ليل نهار بعرض فواجعه وأحزان ضحاياه، وخطاباً سياسياً يومياً لرئيس هذه الدولة أو تلك ليمارس أوهام البطولة، لكن موضوع العنف الشيطاني ذاك يظل قائماً ومترسخاً، بل ويتمدد ويتفنن في ابتداع صور الذبح والحرق التي لا تقف عند حدود، أما عالمنا فإنه ينشغل بتحليل الظاهرة وبالتصنيف المضحك المبكي. فهذا إرهاب متطرف يجب أن يحارب، وذاك إرهاب معتدل يمكن التعايش معه، وتلك مجزرة يقوم بها فرد شاذ معتوه كانت وستكون معنا إلى الأبد.
الكل منشغل بذلك اللغو، لكن قليلون هم الذين يتحدثون عن أهم وأخطر عناصر وجوده: وصول ممارسيه السهل الميسر إلى الأدوات التي يرتكبون بها جرائمهم، واستمرار نشر الإيديولوجية التي تغذي وتربي عقول وأرواح اتباعه وجنوده وانتحارييه.
موضوع الوصول إلى الأدوات يصرخ في وجوه الجميع ويطرح السؤال الآتي: ما الذي يقتل الضحايا ويفجر الأسواق والمساجد والحسينيات ويرمل النساء وييتم الأطفال ويحيل المدن إلى أرض يباب؟ أليست هي البندقية والكلاشنكوف ومواد التفجير؟ وهذه أليست تصنع في مصانع معروفة وتباع من قبل جهات معروفة وتشتريها أنظمة وقوى معروفة لتوصلها بطرق معروفة إلى يد المجنون الذي يمارس الإجرام الهمجي؟
وإذن، لماذا لا يستطيع هذا العالم، الذي نجح إلى أبعد الحدود في الحد من انتشار الأسلحة الذرية والكيميائية والجرثومية، لا يستطيع أن يفعل الأمر ذاته مع إنتاج وبيع الأسلحة، سواء للإرهاب الدولي أو الفرد المجنون، لتصبح عملية محكومة بضوابط دولية صارمة وسجلات شفافة ومقاييس أمنية وطنية فقط؟
لماذا لم يحصل هذا الموضوع بالذات، وبالرغم من كل مآسي الإرهاب الجماعي والفردي، بالدعوة إلى مؤتمر دولي واحد ليصار إلى النظر في إمكانية ضبط تصنيع وبيع السلاح؟ الان مصانع السلاح في دول الغرب وروسيا والصين والكيان الصهيوني وغيرها يجب أن لا تمس مصالحها وتشغيلها لألوف الأيادي العاملة وجنيها للأرباح الهائلة؟ الان مؤسسات الاستخبارات ومؤسسات تجارة السلاح، والإعلام الذي يقف ورائهما، قد أصبحوا جميعاً أقوى من الدول ومن الإرادة الدولية؟
في هذا الموضوع تذرف يومياً دموع التماسيح ويمارس النفاق بصورة مكشوفة ويتم التآمر على الإنسانية، بينما تجري الدماء مدراراً.
الأمر نفسه ينطبق على موضوع الإيديولوجية التي تقف وراء العنف الجهادي التكفيري، وخصوصاً في أرض العرب والإسلام. الجميع يعلم بأنها إيديولوجية فقهية متخلفة متزمتة تعتمد على قراءات خاطئة تلفيقية لما جاء في القرآن الكريم وأحاديث رسول الإسلام المؤكدة المتناغمة مع روح الرسالة السماوية العادلة المتسامحة الرحيمة.
فماذا تفعل المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية والأهلية، التي تدعي بأنها وجدت لحماية سمعة ونقاء هذا الدين، تجاه إنتاج وتوزيع وممارسة تلك الإيديولوجية الفقهية؟
هل حقاً أن هذه المؤسسات جادة في محاربة الإيديولوجية التكفيرية عندما تكتفي بإصدار الإدانات الخجولة، التي تكاد تكون همساً خائفاً، لممارسات الجهاد التكفيري؟
هل حقاً أننا لم نصل بعد إلى الكارثة التي تستدعي أن تكون جميع تلك المؤسسات الدينية جبهة واحدة، متناسقة، تتكلم بصوت واحد جهوري لا غمغمة فيه، ضد كل ممارسات الجهاد التكفيري الإرهابية، تحت أي مسمى كان، وضد كل من يمد أصحابه بالسلاح والمال والدعم السياسي والمعنوي، وضد كل محاولات تشجيعية وتبريره باسم الانقسامات الطائفية؟
أليس الجحيم الذي يعيشه العرب المسلمون والمسيحيون كاف وخطر حتى تتوقف تلك المؤسسات الدينية عن التفكير الطائفي وتقفز فوق كل الخلافات المذهبية، وكثير منها عبث في عبث وسياسة في سياسة، لتبني موقفاً إسلامياً واحداً لإيقاف جنون هذه الإيديولوجية الفقهية؟
نحن أمام جهتين غير جادتين: دولية كاذبة لا يهمها إلا أن تبيع سلاحها وتجني الأرباح، وعربية إسلامية مترددة خائفة لا تريد أن تنقح وتصلح وتجدد وتطهر إيديولوجية فقهية حتى لا يختطف الإسلام باسمها وحتى لا يصبح الإسلام ديناً منبوذاً مفترى عليه.
وما يحز في النفس أن البطش الذي تعرض له المجتمع المدني العربي عبر القرون ولا يزال يتعرض له يجعل التوجه إليه، ليقوم بالجهد المطلوب لإطفاء الحرائق، حديث خرافة يا أم عمر. هنا تكمن المأساة، وهنا يكمن الحل الذي يأتي ولا يأتي.
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع