رئاسة الجمهورية ووزارة العدل، الإعدام مباح لا يحتاج الى حكم او مؤتمر او تناحر

                                          

                      د.عبد القادر القيسي

عودتنا الحكومة العراقية، على عدم محاسبة المقصرين والفاسدين والمتواطئين والمندسين في الاجهزة الأمنية، بسبب التفجيرات والجرائم التي ترتكب واخرها تفجير الكرادة المأسوي، وأنهم خارج المسائلة والاستجواب، وتعودنا على التصريحات التي ترافق تلك الفواجع وغالبها بشعارات حزبية وطائفية والتي سوف تمنع وتصادر تعاطف المجتمع الدولي مع ضحايانا.......

ان الاعدام لا يجيب على مسألة الارهاب والعنف والهمجية السائدة في المجتمع في العراق حاليا، وان ما حدث من تفجير هو عمل اجرامي، ويجب أن يحاسب كل الأشخاص والجهات المسؤولة عنه وفقا للقانون، لكن من غير الممكن من نعتبر تنفيذ الإعدامات هي الحل لأنها لا تتصدى للأسباب الجذرية للإرهاب، ومن غير المستساغ أن يحاسب السجناء او غيرهم،  وتسرع الية تنفيذ احكام الإعدام  كردّة فعل أو انتقام، ولا يجوز أن يستمر العراق بالتذرع بمكافحة الإرهاب كمبرر لإساءة تطبيق أحكام العدالة عبر التعجيل بتنفيذ احكام الإعدام، وما هي علاقة محكومين بالإعدام ينتظرون إجراءات قانونية لأجل ان تكون احكامهم مستوفية لشكلياتها القانونية وجاهزة للتنفيذ في تفجير يشير بالدليل القاطع ان الخلل في المنظومة الأمنية، وتلفّ الانفجار علامات استفهام عديدة حول كيفية دخول الشاحنة المفخخة وتجاوزها لتسعة حواجز تفتيش، تسبق موقع الانفجار، مما يشير قطعا وجود فساد في حواجز التفتيش الموجودة على مشارف الحي، فضلاً عن شدة الانفجار الهائلة (أتى على مساحة تُقدّر بأكثر من 800 متر)، والا هل يعقل ان التكنولوجية المدمرة التي استخدمت في تفجير الكرادة هي من صنع وعمل تنظيمات داعش ؟ ام ان هناك ايادي مخابراتية لدول متقدمة لصنع هكذا سلاح مدمر، بخاصة ان الخراب الذي حل بالمنطقة لا يمكن ان تحدثه انفجارات عادية مهما كان حجمها، بل ان الجثث المتفحمة للشهداء تثبت ان هذا السلاح الذي استخدم في جريمة الكرادة هو سلاح دمار شامل (وكانه صهريج مفخّخ كالذي انفجر سابقا في منطقة الحسينية في ببغداد، مخلّفا نحو 500 قتيل وجريح)، وهناك دلائل وشواهد ومواد جرمية في مسرح الجريمة، رافقها ترتيبات وأستحضارات تمت قبل التفجير بوقت قصير لتسهيل مهمة الجناة، وتلك الاجراءات لا يمكن ان يحظى بها التنظيم الارهابي بهذه السهولة وفي منطقة الكرادة بالذات، والمؤسف المبكي انه لم يتم غلق منطقة الانفجار وعدم التقرب منها لغرض حفظ الادلة والوسائل التي تكشف هذا النوع من السلاح، واللغز المحير هو السيارة التي لم يشاهد لها اثر في موقع الانفجار، مما يؤكد أن هناك وجها ثانيا لحقيقة التفجير، بخاصة ان الحكومة لم تكشف عن نتائج التحقيق، كما وعدت، سيما، هناك كاميرات مراقبة.........
التناحر بين رئاسة الجمهورية ووزارة العدل لا يؤسس لدولة::::::
ان عبث التصريحات يحجب بزوغ دولة مدنية، بخاصة عندما ارتفعت الأصوات للمطالبة بتعجيل تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق المدانين في العراق بالتزامن مع التقدّم نحو إقرار قانون للعفو العام من البرلمان، الذي يبدوا انه بائسا ولم يكن بمستوى ما يمر به العراق من تجاذبات وشحن طائفي، ولا ينسجم ومضامين الاتفاق السياسي، وما حصل من قرار لرئيس الوزراء في(4 تموز 2016)بانه امر وزارة العدل بتنفيذ احكام الاعدام بمجموعة من الارهابيين المحكومين فورا، وما تلاها من تصريحات لوزارة العدل في 5/7/2016 بأنها "ترفض رفضا قاطعاً" أي تدخل دولي في تنفيذ الإعدامات، وأضافت أنها لن تقبل سماع أي حديث من منظور حقوق الإنسان يناهض عقوبة الإعدام،  وقالت الوزارة أنه ثمة 3000 سجين تحت طائلة الإعدام لم تتم المصادقة على أحكامهم من قبل رئاسة الجمهورية، وتم بعد التفجير تنفيذ حكم الإعدام بحق (7مدانين)، وفندت رئاسة الجمهورية اتهامات وزارة العدل، معتبرة اياها باطلة ولا أساس لها من الصحة، وأكدت في 5/7/2016 بان "رئيس الجمهورية صادق على جميع مراسيم الاعدام المتعلقة بالإرهاب التي تستهدف المواطنين العراقيين ...ولا يوجد حكم من ملفات الاحكام متعلقة بالإرهاب في الرئاسة بانتظار توقيع الرئيس عليها.. ووجود اكثر من 170 ملف اعدام تمت المصادقة عليه قبل اكثر من سنتين وأرسل للحكومة ولم يتم تنفيذها... والدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية ستقوم بتحريك شكوى جزائية ضد وزارة العدل بتهمة تضليل الرأي العام والتشهير برئاسة الجمهورية محملة إياها التبعات القانونية كافة"، وبعدها وبعد انتقادات حادة من منظمة هيومن رايتس؛ عادت وزارة العدل في مؤتمر صحفي بائس يوم 6/7/2016، ليؤكد وبطريقة فيها استخفاف بعقول المستمعين، ان احكام الإعدام لم تكن ردة فعل على تفجيرات الكرادة وانه لم يؤخر أي حكم اعدام وهناك مراسيم معطلة بسبب إجراءات قانونية وبرأ ساحة رئاسة الجمهورية من التأخير، وكأن المجتمع الدولي طفل صغير بإمكاننا ان نجعله يصدق بكلامنا، وافعالنا تشير الى عكس ذلك، بخاصة عندما يخرج علينا الأمين العام لمليشيا أبو فضل العباس مع اتباعه ويعلن في 6/7/2016 ويتوعد بتنفيذ حكم الإعدام من قبل قواته وبدون حاجة لأي مراسيم او إجراءات، وجعل من الإعدام مباحا، ولم ترد الدولة عليه ولم تتخذ أي إجراءات، وتلك الشروع بتنفيذ جرائم قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد......
أنى اسال جميع القيادات الحكومية والسياسية: ما هو الشكل الذي سنعكسه للعالم عندما يكون شكل العلاقة بين وزارة العدل ورئاسة الجمهورية لدولة العراق بتلك الصورة، وزير يكيل اتهاما لرمز دولته وراعي وحامي دستورها، ورئاسة الجمهورية تكذبه وتقيم شكوى جزائية بحقه ومليشيا تتوعد المحكومين بتنفيذ احكام الاعدام خارج سلطة الدولة؟؟؟؟؟؟
بالرغم من ان الشعب العراقي كان ينتظر ان تكون الفاعلية الإجرائية لرئيس الجمهورية اقوى واشد ويكون حاضرا في الميدان ويقاضي حكومة حيدر العبادي وقبله نوري المالكي وطنيا ودوليا بقصورهم الواضح في حماية أرواح العراقيين وممتلكاتهم ومصالحهم قدر تعلق الأمر بالمسؤولية الوظيفية باعتبارهم المسؤولين التنفيذيين عن الملف الامني وكونهم يشغلون منصب القائد العام للقوات المسلحة، ويحث المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية أن تتحرك في هذا الاتجاه أيضاً، لكن المانع الجاهز هو الخوف على اللحمة الوطنية والعملية السياسية؟؟؟؟؟
ان تلك التصريحات تذكرنا بتصريح سابق للسيد عدنان الاسدي عندما صرح بان (هناك 7 الاف ارهابي صادرة بحقهم احكام بالإعدام الا ان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم يمتنع عن المصادقة على قرار اعدامهم) الامر الذي نفته في وقتها رئاسة الجمهورية وقالت (ان عدد الاحكام الموجودة لديها لا تتعدى الـ 160 حكماً وان الرئيس فؤاد معصوم لا يمتنع عن المصادقة عليها لكنه لا يستعجل بإصدار المراسيم بشأن هذه الملفات خاصة وانه شكل لجنة لدراسة ما يتعلق بقضايا الإرهاب)، كما نفت السلطة القضائية الاتحادية وجود 7 الاف مدان بالإعدام لم تنفذ احكامهم بسبب عدم صدور مراسيم جمهورية بذلك.....
ان اصدار احكام الاعدام هو وسيلة للسيطرة على المجتمع وليس للحد من الجريمة او تقليل الإرهاب، والاعدام وسيلة للسلطة لإنجاح العملية السياسية ومن اجل تثبيت اقدامها على الأرض، التي ربما تكون هشة ورخوة تحت اقدام تلك السلطة، فلا علاقة لتنفيذ احكام الإعدام بردع الارهاب.....
ان التعامل مع احكام الإعدام بهذه الطريقة يعد خطوة أخرى للخلف واستجابة للضغوط السياسيّة والانتقام لضحايا التفجير، خاصة نحن في ظل حراك تشريعي لإصدار قانون العفو، وهناك قناعة لدى الغالبية بأن هناك العديد من المحكومين الابرياء ينتظرون وعوائلهم تشريع قانون العفو، خاصة ان التقارير الدولية وتصريحات لمسؤولين وبرلمانيين تشير الى ان نظام العدالة الجنائية المطبق في العراق لازال يعاني بعض العيوب وهناك محاكمات لمتهمين وفق أحكام قانون مكافحة الإرهاب على قدر من الجور، وهناك احكام عديدة تسترشد بالأدلة المنتزعة بالإكراه، حتى في الحالات التي يقوم المتهمون فيها بسحب اعترافاتهم في المحكمة، وهذا مؤشر لدى رئيس الجمهورية عندما أكد في 23 شباط عام 2015 عندما أشار الى ".. انه متردد في التصديق على 500 حكم اعدام تنتظر تصديق رئاسة الجمهورية لوجود اعتراضات وطعون سياسية وجنائية فيها.. داعيا الى مراجعة بعض هذه الاحكام لوجود شك في الاجراءات المتعلقة بالاعترافات والادلة) وهذا من صميم واجبه الدستوري والقانوني كونه رأس الدولة والحكومة ويمثل إرادة الشعب وسلطان الدولة، وعليه حماية الحرّيات والحقوق الأساسية للإنسان، ومنصب رئيس الجمهورية ليس تشريفا أو مفاخرة كما يدعي البعض ويقول ان الرئيس ليس له ان لا يصادق على احكام الإعدام، وان لا قيمة لمصادقته على الاحكام؛ لان في ذلك تدخل في اعمال القضاء؛ ونسوا هؤلاء ان منصب رئيس الجمهورية يرتبط بسيادة ومصداقية وصورة بلد وشعب في العالم، وهو (رئيس دولة العراق)......
وأخيرا، ولتعزيز ما سبق وصفه، صرحت عضو المفوضية بشرى العبيدي لشفق نيوز في 17-06-2015 إن “العراق رفع عدد المواد التي يحكم فيها بالإعدام الى 170 مادة في القانون، ولكن الجرائم لم تشهد انخفاضاً وهذا يدلل على ان اهداف العقوبات القانونية لم تتحول الى الاصلاح”. واضافت العبيدي أن “هناك ارتفاعا خطيرا ومخيفا بالجرائم الارهابية رغم ان العراق لايزال يعمل بعقوبة الاعدام وعقوبة السجن المؤبد والعقوبات الاخرى، وهذا يعود الى ان العقوبات التي تفرض هي للانتقام وليس للإصلاح والردع”......
ونحتاج التذكير بقولين لقانون العدل ورسالة التسامح الامام علي (عليه السلام)::::
"شيئان لا يوزن ثوابهما: العفو والعـدل"
"أحمق الناس من يمنع البر ويطلب الشكر، ويفعل الشر ويتوقع ثواب الخير".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع