الدكتورعبدالقادر القيسي
بداية ان مضمون مقالي فيما يتعلق بتركيا ليس له علاقة باي توجه ديني او سياسي تركي، وأقول::::
في 15/ 7/ 2016 حدث الانقلاب العسكري في تركيا وفي يوم 16/7/2016 دعا السيد رئيس مجلس الوزراء العبادي المجلس الوزاري للأمن الوطني للانعقاد بسبب أوضاع تركيا، وحادثة تفجير الكرادة حدثت في يوم ٣/7/2016، ورغم بشاعة جريمة تفجير الكرادة التي أودت بحياة المئات من مواطنينا الأبرياء، لم يدعو السيد العبادي المجلس الوزاري للأمن الوطني للانعقاد، رغم ان التفجير تم في منطقة محصنة تخضع لسلطة جهات سياسية نافذة وهي منطقة محشوة بالأمن والنقاط العسكرية والأمنية، ولا يفصلها عن المنطقة الخضراء الا نهر دجلة؛ وبيوت كثير من المسؤولين في هذه المنطقة، فكيف تمكنت سيارة التفجير اجتياز كل مفارز التفتيش من ديالى الى بغداد وصولا الى الكراده، وتذكيرا، أن ألية التنفيذ تشير الى ضلوع قيادات سياسية وامنية في تدبير عملية التفجير وتشير بالدليل المادي الملموس لأمرين::
الأول: لا علاقة لإعلان تنظيم داعش الإرهابي المزعوم بتبني تفجير الكرادة لان التبني يتم عن طريق موقع تابع لداعش ليس هو بالدليل القطعي بتبعيته لتنظيم داعش الإرهابي؛ حيث بالإمكان صناعة عشرات المواقع بأسماء مشابهة وتلك لعبة مخابراتية دولية تديرها دول معروفة.
الثاني: إعلان تنظيم داعش تبني التفجير يؤكد بوضوح هناك تواطؤ بين القيادات الامنية والسياسية مع أحد اجنحة تنظيم داعش الارهابي.
والفرضيتين لهما ارجحية الواحدة على الأخرى، واثباتا لما ذكرناه، ادناه التصريحات التي صدرت من قيادات حكومية وبرلمانية، تعزز من ان تفجير الكرادة كان يحتاج الكثير الكثير من الاجتماعات العاجلة لمجلس الامن الوطني، ولعل أبرز هذه التصريحات التي تحتاج لجهد لحلها وبحلها نصل للمنفذين، هي:
الف- تصريح وزير الداخلية بان السيارة قدمت من ديالى، واكد انه تعرض لضغوط، لكنه لم يفصح عن ماهية الضغوط وعن كيفية دخول السيارة الى بغداد هل تم تفخيخها في ديالى ام دخلت وتم تفخيخها في مكان قريب للانفجار أي داخل منطقة الكرادة؟ تصريحات الوزير تقاطعت مع تصريحي (محمد الربيعي وحاكم الزاملي).
باء- تصريح محمد الربيعي نائب رئيس اللجنة الأمنية لمجلس محافظة بغداد ما نصه(( بأن السيارة المفخخة كانت موجودة في منطقة الكرادة في يوم 13 حزيران، ولم تدخل من سيطرة تفتيش كهرمانة / مستشفى الراهبات في يوم التفجير، وحسب ما تم أبلغنا به من قبل مديرية مكافحة الكرادة مباشرة الى اللجنة الأمنية لمحافظة بغداد)).
جيم- تصريح حاكم الزاملي رئيس اللجنة الأمنية البرلمانية في جلسة البرلمان العراقي((أنه تم ايقاف السيارة فى سيطرة الخالص للاشتباه بالسائق وتم تفتيشها بواسطة الكلاب البوليسية لكشف المتفجرات K9... وأن عملية تفتيش السيارة المفخخة استغرق سبع دقائق ولم يتم اكتشاف أي شيء ...))
وهذا يشير الى ان التفخيخ قد تم داخل منطقة الكرادة...
وصرح بعد انفجار الكرادة مباشرة بان قال(ماحدث في الكرادة من تفجير لم نرى متابعة من وزير الداخلية، الذي عندما يحقق الجيش او جهاز مكافحة الإرهاب او الحشد انتصارات، يهرع مسرعا لالتقاط الصور من أجل سرقة الانتصارات، وتجيرها لنفسه لا لمؤسسات الدولة...هذا الوزير أضعف أمن بغداد، بسبب إضعاف استخبارات الداخلية، حيث تم نقل وإحالة الإكفاء من عناصر الاستخبارات والشؤون، وجلب بدلاً عنهم عناصر غير مهنية على أساس الولاءات، وإنشغل بخلافاته مع قائد عمليات بغداد، ولجنة الامن والدفاع البرلمانية، ومحافظة بغداد، تاركاً أمن المواطن المسكين، لم ينصب عجلات كشف المتفجرات التي كلفت الدولة ملايين الدولارات....تفجير الكرادة حدث في قاطع الشرطة الاتحادية، وهو مسؤولية الداخلية، ...)) وصرح أيضا بعد تفجيرات مرقد السيد محمد(أن المواد المتفجرة المستخدمة في استهداف مرقد سيد محمد هي ذاتها المستخدمة في استهداف الكرادة...)) أي ان التفجيرين لمنفذ واحد.
ان هذه التفجيرات وما رافقها من تصريحات لو أردنا استخلاص مضامينها الوطنية البعيدة عن الصراعات الحزبية سنجد اننا امام حقائق كارثية علينا البحث الدقيق للوصول إليها، وتحتاج اجتماع عاجل للمجلس الوزاري للأمن الوطني؛ لا ان ندعو مجلس الامن الوطني للانعقاد بعد ساعات من حدوث انقلاب في تركيا، لم تتحدد معالمه ولن تظهر نتائجه، وانتهى بعد اقل من عشر ساعات، وهل ان في ذلك الامر من جلل وشر مستطير يستوجب ذلك؟ وهل الاخطار التي تحدق بنا بسبب هذه التفجيرات وحوادث الاغتيالات وصور الجريمة المنظمة التي تحدث وحدثت بعد تفجير الكرادة، هي اقل شانا من احداث تركيا؟؟؟؟
وهذا ما دعا الرئيس التركي في خطابه بعد الانقلاب، لان يقول للعراق ((ان الدول التي دعت لاجتماعات لمناقشة أوضاع تركيا عليها ان تعقدها لمناقشة تفجيرات مروعة..))
اننا امام انتهاك خطير للأمن القومي والوطني في البلاد، فتفجير الكرادة وما بعده في السيد محمد وحوادث الجريمة المنظمة؛ يشير بالدليل القاطع هناك مواد مستخدمة في التفجير تحتاج الى إمكانيات هندسية فنية وطريقة خزن ونقل لا تمتلكها مجاميع مسلحة او تنظيم داعش نهائيا، واننا امام جيش من المتلكئين، والمتسترين، والمنفذين، وبخاصة هناك اخبار تشير الى سحب بعض قطعات، وفتح طرق مغلقة، وتامين دخول سيارة اجتازت اكثر من مائة سيطرة من ديالى الى الكرادة، وهناك تواطؤ في تأمين المنطقة من قبل القوة الماسكة، وهناك ورشة او ورش تفخيخ في منطقة الكرادة، وغيرها من الألغاز التي تحتاج عقد جلسات لمجلس الأمن الوطني؛ ليوضح للناس حل الغاز تلك الجرائم، كل هذه الأمور، يجب أن تصل إليها الحكومة لمحاسبة كل هذه العناوين وعدم تكرار هكذا اعمال وحشية بربرية، بخاصة كان هناك عمل جاد طال مسرح الجريمة من المنفذين لضياع خيوط العدالة ومحو معالمها، بالرغم من ان الحكومة لحد الان لم تظهر لنا نتائج التحقيقات وما توصلت اليه ومن هم المجرمين؛ بل اكتفت بإقالة ضباط بدون إحالة للمحاكم ولا ندري هل العقوبة الإدارية تنسجم وجسامة الاجرام الوحشي والدماء التي ذهبت بسبب التفجير؟؟؟؟
وللتنويه ان انقلاب تركيا كان انقلاب كبير، ولاحظنا في الإعلام وما رافقها من مواقف سياسية اوربية (بخاصة فرنسا)، تعلوها حالة من التردد والتواطىء، حيث أنهم لم يسارعوا في إدانة ما حصل، بل على العكس، كانت بعض التصريحات شامتة وبعضها كأنه يعطي للانقلاب قدراً من الوقت لإثبات نفسه؛ وكان هناك تواطئ غربي كبير، ظهر من خلال التغطيات الإعلامية.
وبالمجمل اغلبها لم يدين ولا يشير لأفعال الانقلابين الاجرامية، وأبرز هذه الافعال:::
1-مقتل أكثر من 300 شخص مدني على يد الانقلابين.
2-قصف الانقلابين مقر تواجد الرئيس التركي اوردغان في فندق مرمريس بطائرات مليئة بالجنود من أجل اعتقال الرئيس أو قتله.
3-قصف الانقلابين بطائرات اف 16مبنى البرلمان.
4-احتجزوا رئيس اركان القوات المسلحة.
5-طائرات مروحية تضرب مقر لمكافحة الإرهاب وتقتل أكثر من خمسين عسكري.
6-ألقت طائرة حربية قنبلة في محيط القصر الرئاسي.
7-مروحيَّات أطلقت النار على مقرّ المخابرات العامَّة ومبنى رئاسة الأركان.
8-بشكل موازي تقوم وحدات من جيش الانقلابين بالسيطرة على أهم المواقع الاستراتيجية في البلاد (طريق البوسفور ومطار انقرة ومطار أتاتورك في إسطنبول)، وغلق جسري البسفور.
كل تلك الجرائم التي طالت مؤسسات الدولة والرئيس والمدنيين، لم تدينها الحكومات الغربية والأمريكية.
ولو حصل هذا كله على أي بلد حتى لو كان أوروبي لفعل أكبر مما فعلت الدولة التركية، فهل من حق أحد أن يتجرأ على رفع أصبع التنبيه في وجه السلطات التركية لما تقوم به ضد هذه الأعمال التخريبية التي حصلت في داخل البلاد، ولو أنها قامت بإعتقال (9004) من المتورطين في العملية الإنقلابية الفاشلة؟؟؟؟
اننا نطلب من الحكومة العراقية متوسلين اليها ان تبتعد من ما يجري في تركيا، لان الذي يجري في سوريا لهو أسوء وتأثيره على العراق اشد خطرا، وما يجري في دول أخرى افظع؛ لكن هذه الأمور لا تستدعي دعوة المجلس الوزاري الوطني للأمن الوطني للانعقاد (الذي لم اجد له أي غطاء قانوني، ولا اعتقد ان هناك صلاحية لمجلس الوزراء بأنشاء مجلس وزاري بدون قانون)؛ لان تركيا لديها تجربةً ديمقراطيةً وصلت إلى مرحلة النضج الشعبي، والإجماع الكامل، بغض النظر عن الايديولوجيا والانتماءات الطبقية والمذهبية، وهذا شيء مهم للغاية، وأن الذي يحمي الديمقراطية هو الشعب، وحماية الديمقراطية ليست مسألة صناديق اقتراع فحسب، وإنما بناء على إجماع شعبي عابر للأيديولوجيا، وعابر لكل الفئات الشعبية ويستوعب الجميع.
وأخيرا؛ فلنتذكر ما قاله الغزالي حينما طلب الزمخشري منه شرح قول القرآن الكريم:::
(الرحمن على العرش استوى). رد عليه الغزالي من جملة أبيات:::
قل لمن يفهم عني ما أقول اترك البحث فذا شرح يطول
أنت أكل الخبز لا تعرفه كيف يجري فيك أم كيف يؤول
فإذا كانت طواياك التي بين جنبيك بها أنت جهول
كيف تدري من على العرش استوى لا تقل كيف استوى كيف الحلول
وقال الإمام علي عليه السلام:::
فإذا وليت أمر قوم ليلة فاعلم بأنك عنهم مسؤول
وإذا حملت الى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول
925 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع