د. ضرغام الدباغ
سؤال مدير الندوة الحوارية، ما هي أولويات العمل بالنسبة لأي نظام حكم.
في علم السياسة هذه الأمور لا تدخل في التنجيم، ولا الخيارات المزاجية.
وبادئ ذي بدء، فالنظام يعني دولة متكاملة دستورياً، وذات سيادة كاملة، ونظام شرعيته ليست موضع تجريح، وإذا تواصلنا في طرح القواعد الدستورية فسوف نتوصل إلى نتيجة مؤسفة، أن هناك العديد من الأنظمة ليست شرعية، برغم ما تحاول من فرضه على الواقع الموضوعي من تزوير بوسائل القوة المسلحة، والعنف الدموي لحمل الآخرين بالاقتناع بها والقبول بها، فهي بالتالي أنظمة غير شرعية، يتعامل معها البعض لمصالح سياسية على أنها شرعية، ولكن الفقه القانوني الدستوري والدولي، يضعها في مصاف الأنظمة غير الشرعية. وهذه الأنظمة الغير شرعية تحتاج قبل كل شيئ إلى تصحيح وضعها.
ولكن دعنا نتحدث أولاً عن الأنظمة الشرعية.
يضع علم السياسة والاجتماع السياسي في مقدمة المبادئ الأساسية ما يعتبر حاجات الإنسان الأساسية، وهي على تنوعها، وتشعبها :
ــ السكن.
ــ الصحة.
ــ التعليم.
ــ العمل.
ــ الغذاء.
ــ الأمن.
وبديهي أن تحقيق هذه المبادئ الأساسية المتلاحمة المتكاملة، تعني في نهاية المطاف : أمن اجتماعي بمعناه العريض، وأن ينال كل إنسان حقه، وابتداء الحرية والعدل والمساواة. ومن جملة حقوقه ابتداء أن ينال الاحترام، احترام وجوده وكينونته الاجتماعية وحقه في أن يفكر، وأن يعبر عن رأيه، وأن يثقف نفسه كما يشاء، وأن يكون له رأيه الشخصي.
والغريب أن العديد من الأنظمة يستحيل أن تقبل بهذه المعطيات، فهي تعتقد أن القبول بها يعني زوال حكمها وهيمنتها وسيطرتها، وهو غير صحيح طبعاً، ولكن إذا استطردنا بالقول أن ذلك يعني نهاية هيمنتها، واستبدادها، وهو الصحيح، وإنهاء فسادها ونهب المال العام دون رقيب أو حسيب، رغم وجود قوانين محاسبة الفاسدين والهيئات النزاهة، وما شابه، ومن يدعي حماية الأخلاق والمثل، ووجود قوانين وأنظمة ودستور وكل مستلزمات التحايل، ولكننا بعيدون عن كل ذلك بعد كوكب المشتري والزهرة عن الأرض.
النظام الذي لا يستطيع تأمين هذه المهام ليس بنظام، بل هو محض استيلاء على النظام تحت شعارات لا يهم ذكر أسمها طالما هي غير حقيقية وذر للرماد في العيون.
تصدر دور نشر عالمية باللغات الرئيسية موسوعات إحصائية عن كل شيئ في الحياة، وهي تصلح لإجراء القياسات (International Survy) أو (The world in figures) وإذا أطلع عليها كل شخص سيعرف مقدار البئر الذي يرقد في قعره يعاني من أجواءه. وقد يمتلئ قلبه حزناً وكمداً، وقد يخرج على الناس شاهراً سيفه، وعجباً إن لم يفعل ذلك، لأن الجوع لا يرحم، ولا يدارى بالكلمات.
بالنسبة لأوضاع كأوضاع بلداننا، هناك الكثير جداً من الأعمال العلمية الرصينة ومن اتجاهات مختلفة، تعنى باقتصاديات التخلف أو التنمية(development economics)، وهي ظروف تحكم بلدان كثيرة. وشاعت بين المفكرين السياسيين والاقتصاديين مسألة : ترى هل التخلف الثقافي ينتج التخلف الاقتصادي، أو بالعكس ..
ولعل رأياً جامعاً هو الأقرب للصواب، أن التنمية الاقتصادية والثقافية ينبغي لهما أن يسيرا جنباً إلى جنب بتلاحم وتماسك، لا يستغني أحدهما عن الآخر. وبتقديري أن مرفقاً ثقافياً هو بذات الأهمية لإقامة لمنشأة صناعية، وخطط التنمية ينبغي أن تؤكد على التطور الاقتصادي والثقافي خطوة بخطوة.
التنمية تهدف في نهاية المطاف، مجتمعاً لا يعاني أفراده من الحرمان للحاجات الأساسية، وهي المقدمات الضرورية والحاسمة لمجتمع متطور يسوده الأمن والأمان والثقة المتبادلة بين أفراده وهيئاته القيادية، ومن البديهي يمكن معرفة وقياس مثل هذه النسب والتقدم بدقة كبيرة، نصف سنوياً، وسنوياً، وخطط طويلة ودقيقة تصل حتى الخطط الخمس سنوات.
لا يمكنك أن تطلب من أمرؤ أن يعمل ويداه مغلولتان .... وأن يفكر ودماغه معبأ بالخرافات والمحرمات ... ولا يمكن أن يكون هناك وطن محترم، ومواطنون لا يحضون بالاحترام.... وفي النهاية، ليس هناك وطن حر بلا مواطنون أحرار.
أما حالنا البائس لدرجة ما بعده بؤس، فأختصره لك بكلمتين لسيدنا علي بن أبي طالب (رض) بقوله : يا محنة الدهر كفي، وإن لم تكفي، فخفي، ثور يناطح الثريا وعالم مستخف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 1 / آب / 2016
1774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع