بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي...الثالثة والعشرين
الصبية والبزاز
عادت جدتي من زيارتها اليومية لمنزل جارتنا ام البنات وحدثتنا: ان لصا دخل لمنزل جارتنا، وشعرت أم البنات بوجود اللص داخل المنزل، وقف اللص أمامها قائلا: سآخذ هذا الغربال الخشن لوالدتي، فهي تحتاجه ولا عندي مبلغ لشرائه لها، وهرب متجها باتجاه سطح المنزل، ومن السطح يستطيع ان يقفز الى سطوح المنازل المجاورة أو للزقاق، وهذا الغربال الخشن يستعمل لتنقية الحبوب أثناء موسم تحضير المؤن الشتوية (عادة أهل الموصل يخزنون الحبوب والبرغل وبقية انواع البقوليات قبل موسم الشتاء) ابتسمت جدتي وقالت: اسمعوا هذه الحادثة تذكرت حادثة اللص والعجوز.
تقول جدتي: في أحد الأيام دخل لصٌ الى منزل لسرقته، ولاحظ أن امرأة عجوز مازالت صاحية تغزل الصوف.
ارتبك اللص وتقرب منها وسألها: لماذا أنتِ صاحية لحد الان.
عرفت المرأة العجوز أنه لص ويمكن أن يؤذيها أو يعتدي عليها، فكرت قليلا وقالت له:أبني نهضت من النوم مفزوعة خائفة من حلم، ويبدو عليك أنك أبن أصول ومن عائلة محترمة وكريمة، لكن يمكن الظروف جعلتك تسرق، وأنا صاحبة ثراء ومال، خذ أبني هذه الحلي الذهبية وتصرف بيها، وأدعو الله ان يوفقك وتكون صاحب ثروة ومال، لكن قبل ما تذهب أريدك تفسر لي الحلم الذي افزعني.
أخذ اللص الحلي الذهبية وجلس بجانبيها فكر قليلا ثم قال مع نفسه: هذه امرأة عجوز خرفانه وعلى نياتها، اسمع منها الحلم ثم أهرب، ورث سيجارته وأخذ نفسا عميقاً وقال لها: تفضلي احكي لي الحلم ربما اقدر اساعدكِ.
قالت العجوز: في الحلم كنت ماشية على حافة النهر وفجأة تعثرت رجلي وسقطتُ بالماء، وبدأت أغرق وأنا احاول الصعود فوق الماء وأصرخ بأعلى صوتي عبود، عبود، وعلى اثرها نهضت من النوم، أبني ما تفسيرك للحلم؟
سألها اللص: من هو عبود؟
قالت العجوز وترفع صوتها: أبني عبود، عبود، الخاطر الله الحقني.
قال لها اللص: اعتقد انكِ ستتزوجين، واحد من اصدقاء أبنك عبود.
صرخت العجوز بصوت عالي: عبود، عبود، أمك راح تتزوج عبود.
لم تمضي لحظات وإلا ابن العجوز عبود ينزل من الطابق الثاني، وبيده عصا غليظة ويمسك اللص ويشبعه ضربا.
خافت العجوز أن اللص يصيبه مكروه، نتيجة الضرب المبرح الذي تعرض له من قبل أبنها، وتعاطفت مع اللص
قالت لأبنها: ابني الله يرضى عليك اتركه سيموت من الضرب الذي تلقاه.
صرخ اللص: أضرب عبود أضرب أنا استأهل الضرب، أني جئت للسرقة أم أفسّر أحلام.
عرفتم الفرق بين ذكاء وفراسة ام عبود وأم البنات. نعود لحكايتنا الاسبوعية .
يحكى انه كان في مدينة بغداد رجل بزَّاز (يبيع الثياب) له ثروة، في احد الايام وهو في حانوته أقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئًا تشتريه، فبينا هي تحادثه كشفت له وجهها، فتحيَّر من جمالها وعيونها الواسعة السوداء، وقال لها: والله تحيرت مما فعلت، وكان عيباً كبيراً يعدّ في ذاك الزمان إذا كشفت المرأة وجهها، فقالت: ما جئت لأشتري شيئًا، إنما لي أيام أتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل أتزوجه، وقد وقعت أنت بقلبي، ولي مالٌ، هل ترغب بالزواج بي؟ فقال لها: لي ابنة عم وهي زوجتي، وقد عاهدتها ألا أُغيرها، ولي منها ولدٌ. فقالت: قد رضيت أن تجيء إليَّ في الأسبوع مرتين
فرضين وقام معها فعقد العقد، ومضى إلى منزلها وتزوجها، وأراد المبيت ليلته الاولى معها فقال لزوجته الاولى: إنَّ بعض أصدقائي قد سألوني أن أكون الليلة عندهم، ومضى فبات عندها، وكان يمضي كل يوم بعد الظهر إليها، ومضى على هذا الحال ثمانية أشهر. شكت ابنة عمه أحواله فقالت لجارية لها: إذا خرج فانظري أين يمضي؟
فتبعته الجارية فجاء إلى الدكان، فلمَّا جاء الظُّهر خرج من دكانه وتبعته الجارية وهو لا يدري، إلى أن دخل بيت تلك المرأة، فجاءت الجارية إلى الجيران فسألتهم: لمن هذه الدار؟ فقالوا: لصبيَّة قد تزوجت برجلٍ تاجر بزَّاز.
فعادت إلى سيِّدتها، فأخبرتها، فقالت لها: إياك أن يعلم بهذا أحدٌ ولم تُظهِر لزوجها شيئًا.
فأقام الرجل تمام السنة، ثم مرض ومات، وخلف ثمانية آلاف دينار، فعمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة وهو سبعة آلاف دينار، فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين، وتركت النصف في كيس وقالت للجارية: خذي هذا الكيس واذهبي إلى بيت الصبية وأعلميها، أنَّ الرجل مات وقد خلف ثمانية آلاف دينار، وقد أخذ الابن سبعة آلاف بحقِّه، وبقيت ألف فقسمتها بيني وبينها وهذا حقُّك وسلِّميه إليها، مضت الجارية فطرقت عليها الباب ودخلت وأخبرتها خبر الرجل، وحدثتها بموته وأعلمتها الحال فبكت، ثم فتحت صندوقها وأخرجت منه رقعة، وقالت للجارية: عودي إلى سيدتك وسلِّمي عليها عنِّي، وأعلميها أن الرجل طلقني، وكتب لي براءة ورِّدي عليها هذا المال فإنِّي ما أستحق في تركته شيئًا.
مصدر القصة : صفة الصفوة ، ابن الجوزي ، 300 / 1
4795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع