عدنان حسين
تفاخر منذ أربعة أيام عضو مجلس النواب حالياً والوزير السابق ورئيس منظمة بدر وقائد قوات الحشد الشعبي هادي العامري، بما لا يتعيّن على سياسي وطني ورجل دولة أن يتفاخر به على الإطلاق.
السيد العامري تباهى بأن منظمته التي كانت في ما مضى فيلقاً عسكرياً ثم أُعلِن عن حلّه وتحويله إلى حزب سياسي خاض الانتخابات العامة والمحلية وصار له ممثلون في مجلس النواب الاتحادي وفي عدد من مجالس المحافظات، وبات محظوراً عليه حمل السلاح بموجب الدستور وقانون الانتخابات .. تباهى بأن قوات منظمته المسلحة غدت الآن ” أقوى من الجيش العراقي والشرطة العراقية"!
منظمة بدر وقواتها المسلحة ليست الوحيدة في الميدان، فثمة ما يزيد على عشر ميليشيات نشطة وقوية تعمل تحت عباءة الحشد الشعبي، البعض منها كان موجوداً منذ عهد الحكومة السابقة وحظي ببركاتها، المعنوية والمادية، وببركات مماثلة من خارج الحدود، والبعض الآخر وجد فرصته بعد احتلال داعش ثلث مساحة البلاد وإطلاق المرجعية الدينية في النجف فتوى الجهاد الكفائي، فذهبت بعيداً بهذه الفتوى لتشكيل ميليشيات جديدة.
لابدّ أنّ تصريحات زعيم بدر ستُحرّض الآخرين على تقوية مليشياتهم، فـ "ما من حدّ أحسن من حدّ"، ومآل هذا كله لابدّ أن يكون قيام جيوش عدة، وليس جيشاً واحداً، أقوى من الجيش العراقي والشرطة العراقية. لنتصور حال الدولة العراقية والمجتمع العراقي ومستقبلهما مع هذه الجيوش.
قبل وفاته بثلاث سنوات، كتب مؤسس الدولة العراقية الحديثة، الملك فيصل الأول، مذكّرة وجّهها إلى سياسيي البلاد البارزين في العام 1930 ضمّنها أفكاره بشأن بناء الدولة المستقلة التي سيحين موعد الإعلان عنها بنهاية فترة الانتداب البريطاني في العام 1932.
تُظهر المذكرة أن واحداً من أكبر الهموم التي كانت تشغل الملك هي قوة الدولة المسلحة المتدنية في مقابل القوة المسلحة المتفاقمة للعشائر، فما من دولة يمكن بناؤها وصون استقلالها وهي في وضع أضعف من قوى أخرى. الملك حذّر في مذكرته من بقاء الحكومة "أضعف من الشعب بكثير"، مشيراً الى أنه "يوجد في البلاد سلاح كثير، فلدى الشعب 100 ألف بندقية بينما لا تملك الحكومة سوى 15 ألف بندقية"، لافتاً إلى أنه "لا يوجد في بلد من بلاد الله حالة حكومة وشعب كهذه".
منطق الملك المؤسس هو منطق رجل الدولة الذي يريد التأسيس لدولة، بخلاف منطق العامري الذي لا يفضي إلا إلى تعويق بناء الدولة.
أمس شهدت بغداد حادثاً مروّعاً لم يكن الفاعل فيه تنظيم داعش، وإنما إحدى الميليشيات التي كدّست بعض اسلحتها وذخيرتها داخل منطقة العبيدي السكنية الشعبية. لسبب ما تفجّر مخزن الأسلحة والذخيرة ما أدى الى هدم منازل على رؤوس ساكنيها ليس في المنطقة نفسها وحدها بل أيضاً في مناطق أخرى انقذفت اليها صواريخ من موقع الانفجار. حصيلة الحادث عشرات القتلى والجرحى وهدم عشرات المنازل!
قبل يوم من ذلك كان مسلحون في النجف يُطلقون النار عشوائياً في الهواء في جنازة أحد مسؤولي المحافظة، فأصيب أكثر من ثلاثين شخصاً في الحادث الذي أثار الرعب في نفوس السكان.
هذا أدنى ما يمكن أن نجنيه من ضعف قوة الدولة، فما معنى أن نتفاخر ونتباهى بقوة غير نظاميّة إذ تفوق قوة الدولة؟!
713 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع