د. محمد صالح المسفر
في مطلع خمسينيات القرن الماضي شهدت مصر العزيزة ثورة وطنية قادها الجيش أسقط على إثرها النظام الملكي في مصر وقام شعب مصر العزيزة بحماية تلك الثورة من أي محاولة اعتداء أو انحراف بها، حدثت تلك الثورة وظروف مصر في غاية الصعوبة، كان يربض على أرضها قرابة السبعين ألف جندي بريطاني مسلحين بأحدث أنواع سلاح ذلك الزمان، كانت الدول العربية في غرب مصر تحت النفوذ البريطاني والفرنسي، وكان الخليج والجنوب العربي تحت النفوذ البريطاني. كانت مصر تتنازعها أحزاب سياسية متصارعة لكنهم عندما قامت الثورة عام 1952 لم يحاولوا الوقوف ضدها لكن الكل راح يقترب منها، وآخرون حاولوا اختطافها، وسارت الثورة بحماية الشعب المصري العزيز لتحقق أهدافها.
ما أردت قوله هنا إن ثورة 1952 يا دكتور عصام العريان لم تطرد مواطنا مصريا يهوديا كان أو مسيحيا وحققت إنجازات في كل الميادين رغم كل الصعاب. داخليا، أممت قناة السويس وأصبحت ملكا لمصر، بنت السد العالي الذي أنقذ مصر من العطش، الإصلاح الزراعي، بناء قاعدة صناعية يعتد بها، وخارجيا، كانت مساعداتها العسكرية منتشرة من الجزائر إلى الكنغو إلى اليمن.
وجملة القول في هذه الحقبة إن زعيم ثورة عام 52 انتقل إلى جوار ربه في أواخر عام 1970 وليست مصر مديونة بديون صعبة إلا بمبلغ 1.7 مليار دولار رغم كل حروبها ومساعداتها للدول الصديقة في العالم الثالث وكلها ديون عسكرية. بينما كانت ديون مصر عندما اغتيل أنور السادات وفي عهد قال عنه السادات إنه " عهد آخر الحروب " أي أن السلام قد حل على مصر، بلغت ديونها الخارجية عام 1980، 21 مليار دولار.
وفي عهد حسني مبارك يذكر أحمد النجار بمركز دراسات الأهرام أنه في عام 1988 وبعد مرور سبع سنوات على حكم مبارك كانت ديون مصر 49.9 مليار دولار، وبلغت ديون مصر في عهد حكومة الدكتور نظيف 962.2 مليار جنيه عام 2011، وفي يناير 2011 شهر الثورة 25 يناير وصل الدين الخارجي 34.9 مليار دولار والداخلي 962.2 مليار جنيه بمعنى أن إجمالي ديون مصر التي خلفها حسني مبارك على شعب مصر تريليون و172 مليار جنيه يتوجب على الرئيس محمد مرسي سداد تلك المديونية قبل أن يتعاظم أمرها.
(2)
ثورة 25 يناير 2011 ثورة شعب حماها الجيش من كل العابثين الذين كانوا يتربصون بها، ورثت حملا ثقيلا مديونية عظيمة أشرت لها أعلاه، وفسادا إداريا وماليا وسياسيا لا سابقة له في تاريخ مصر، ظروف عربية ليست في أحسن حال، أحزاب سياسية داخلية تتشكل ليس لها مشروع سياسي كما هي الأحزاب السياسية في العالم ليس لتلك الأحزاب قيادات تاريخية قادرة على الاستقطاب، طغى على الأحزاب السياسية الجديدة في مصر العامل الديني " الإسلام السياسي "وأخرى لا تعرف لها اتجاها.
خرج على مصر الجديدة مجموعة أفراد أطلقوا على تجمعهم " جبهة الإنقاذ " البرادعي، وعمر موسى، وحمدين صباحي وحزبه الجديد القديم ولم أرض له، أي صباحي، بكل أمانة أن يقف إلى جوار الثنائي البرادعي وموسى، هذا التجمع هدفه إسقاط النظام الجديد الذي يقوده حزب الحرية والعدالة، وهو لم يكن له في سدة الحكم إلا بضعة أشهر.
الثالوث " البرادعي وموسى وصباحي"، راحوا يدعون الجماهير المصرية إلى مسيرات مليونية لإسقاط النظام وهم يعلمون حال مصر الاقتصادي، كنت أتمنى لو أنهم خرجوا على الناس وعبر أجهزة التلفزة ووسائل الإعلام بكل أنواعها يناشدون الناس في مصر بمضاعفة الإنتاج والانضباط الإداري والتفاني من أجل حماية الأمن بدلا من الدعوة لمسيرات مليونية تعطل الإنتاج وتزيد في خسائر الاقتصاد المصري وتؤجج الكراهية ضد الإدارة الجديدة.
لست أدري ما أصاب قضاة مصر عندما زجوا بأنفسهم في أتون السياسة، لم أسمع أن قضاة إيطاليا أو البرتغال أو اليونان أضربوا عن العمل احتجاجا على حكوماتهم، لم أسمع أن إعفاء النائب العام عن منصبه في أي دولة متحضرة يؤدي إلى إضراب وكلاء النيابة عن العمل. لم أسمع وأنا في خريف العمر أن رئيس الدولة عندما يجري تعديلا وزاريا يخرج موظفو تلك الوزارة الذي خرج وزيرهم من التشكيلة، ويعلنون الإضراب العام من أجل إبقاء الوزير السابق إلا في مصر. أوباما رئيس أمريكا عين وزيرا للدفاع في الأسبوع الماضي ومن حزب غير حزبه ولم يضرب قادة الجيوش الأمريكية احتجاجا على تبديل الوزير، وفي قادم الأيام سيعين أوباما وزير خارجية جديدا ولن يقدم السفراء الأمريكان وكبار موظفي الخارجية استقالاتهم بسبب تغيير وزير الخارجية.
آخر القول: مصر تعاني من ثقل المديونية، ومؤامرات تحاك لإفشال تجربة التيار الإسلامي في الإدارة. إني أدعو كل مصر إلى أن يتجاوزوا المرحلة الراهنة وأن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب وأن يكون الولاء لمصر لا لأفراد أو جماعات
1062 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع