الدكتور عبدالــــــــرزاق محمــــــد جعــفـــــر
استاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقا
قصص بين الحقيقة والخيال تنقصها الصراحة
أولاً: لهيب الحب!
قصة واقعية من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة بين سنة 1948-1958م.
*** وقعت احداث هذه الرواية في الخمسـيـنات من القرن الماضي في مدينة الشـطرة جنوب العراق في محافظة ذي قار, ويشطر هذه المدينة نهر صـغير الى شــطرين, احدهما يسـمى: "الصوب الكبير", ا لذي يضم معظم بيوت الأهالي وأســـواق المدينة المتعددة الأختصـاص, مثل : ســوق الصفارين والعطارين و غيرها , واكبرهذه الأسواق هو ســوق الخواجة, الذي يضم معظم حوانيت الكماليات ومكاتب التجار.
والصوب الآخر يسمىى بـ " الصوب الصغير", ويضم دوائر الحكومة "السراي" والمستشفى الملكي والمدرسة الأبتدائية ونادي الموظفين ودارالقائمقام ومقهى الشباب.
قضاء الشطرة / يرتبط الصوبان في وســط المدينة بجســر لعبور السابلة والدواب,.. وبالقرب منه يقع"الســـيف", وهو مكان تخزن فيه المنتوجات الزراعية المستوردة من القرى المحيطة بالمدينة مثل: الشلب,وهوالرز قبل ازالة قشـرته , والحنطة والشــعير لبيعها الى تجار المدينة او التجار القادمين من مدن اخرى.
***تحيط بمدينة الشــطرة قبائل امتهنت زراعة الحبوب فقط, واخرى امتهنت زراعة الأنواع المختلفة من الخضروات يطلق عليها اسـم"الحساوية" وفي اطراف المدينة تسـكن جماعات تمتهن تربية الجاموس والأبقار وتصــنع مـن حليبها الكيمر"القشــطه" والزبد والروبه,... ويطلق الناس على تلك الجماعات اســم المعدان, ووجد الباحثون الكثير من عاداتهم متشابهة لعادات سـكان العراق القدماء"الآشوريين" فالنساء يمتهن بيع المنتجات في اسـواق المدينه, ويشــترين بأثما نها اللوازم البيتية ولهذا,.. تتوجه القرويات صباح كل يوم نحو المدينة لبيع انواع المنتجات اللبنيه و لشــراء كل ما يحتجن له لمعيشتهن مثل السـكر والشاي والسـكائر و التبغ وغيرها. والرجال يعملون برعاية الدواب في المزارع , وحماية القبيلة من اي غزو.
بائعة الگيمر
*** كان في ذلك العهد,.. نظام لجباية الضريبة على المنتجات التي تدخل المدينة لبيعها في اسواقها تسمى : "الكاعيه", يقوم بجمعها عمال متخصصون , يرصدون كل قادم من كافة مداخل المدينة المتعددة ويفتشـون بضاعته لتحديد, المبلغ الواجب دفعه, حســب نوع المادة وكميتها وفي بعض الأحيان حسب الجنس وجمال المرأة القروية ومقدار تحملها لغزل ذلك الجابي معها , سواءا باللمس أوبالكلام وخاصة الصبايا الوسيمات!
***وفي بغداد, كان في تلك الحقبة شابا وسيما اســمه "عزوز الثعلبي" , تخرج حديثا من كلية الحقوق وفتح مكتبا للمحاماة قرب ثانوية الكرخ للبنات,.. واعجب عزوز بفتاة مراهقة من عائلة فقيرة نزحت من جنوب العراق وســكنت دارا قرب مكتبه اسمها صبرية, و كان يراقبها بأعجاب ملفت للنظر,.. كل يوم في ذهابها وايابها نحو مدرستها برفقة زميلاتها الطالبات من بنات المحلة .
الطالبة صـبريه
***بعد وفاة والد صبرية تكفل المحامي عزوز بمتابعة راتبه التقاعدي , ولذا صــار يتردد بمناسـبة اوبدونها على دار صبرية حاملا الهدايا لها , فزاد تعلقها به وهي تصغي الى حديثه المنمق والأطراء بجمالها والأعجاب بحشمتها وهي تســير برفقة زميلاتها نحو المدرسة,... وهكذا اكتســب ثقتها وارتاحت الأم لأقواله حتى صار بمرورالأيام هو الوالي!, فأزداد تعلق صبرية بالثعلبي , واخذت تبادله مشاعرالمودة , والتي سرعان ما تحولت الى هيام , اعمى بصيرتها وصار معبودها, وعزفت عن دراســتها, وراحت تحلم به كفارســها وتنتظر اليوم الســعيد الذي تحلم به كأي عذراء مراهقه!
*** تزوج عزوز المحامي من أمرأة تكبره بعدة ســنوات,... اســمها" راغبه خاتون", من اســرة غنية لها نفوذ قوي في نظام ذلك العهد لقربها من الباشــا رئيــس الديوان الملكي,.. وعن طريقها عين قائمقاما,... ونسب الى مدينة الشــطرة!,.. وبعد اتمام مراســم الزواج وشــهر العســل توجه مع راغبه خاتون الى مقر عمله كقائمقام قضاء الشطرة.
***ومرت الأيام وصبرية تـزداد شــوقا وهياما بالحبيب ولم تدرك مصيبتها الا بعد زواجه من امرأة غنية وتعيينه قائمقاما,.. فأنهارت ولم تستطع اكمال الثانوية بسبب الصدمة,التي تلقتها من ذلك الثعلبي الذي هيمن على عواطفها , وراحت تساعد امها في اعمال الخياطة النسوية لبنات المحلة وكسـبت مودَ ة العوائل لحسن سلوكها وعدم انزلاقها في الرذيلة.
*** بدأت صبريه بالأستقرار , الا ان دوام الحال من المحال, وتوفت أمها الحنونة, والتجأت الى خالتها,... التي كانت تعمل معينة (شــغالة)عند عائلة تركية ثرية جدا, فمن غيرالمتعارف عليه اجتماعيا, ان تعيــش فتاة بمفردها من دون رعاية من ناحية الأم او الأب, حفاظا عليها من الذئاب البشـرية وحرصا على سمعة العائلة.
*** ازدهرت احوال عزوزالمكنى ," بابي عزام " كقائمقام لمدينة الشطرة , الا ان الزوجة الأرستقراطية لم تروق لها الحياة في الشطرة , بسـبب رداءة الأوضاع الصحية في تلك المدنية , فســاء ت صحتها عندما فقدت وليدها البكر عزام , واقترح الأطباء عودتها الى بغداد ولو لفترة من الزمن لتنسى محنتها وتخضع للعلاج الطبي تحت اشراف المختصين للتحقق من اعراض مرضية غير معروفة في الرحم.
** فرح ابوعزام بذلك القرار, وبســرعة البرق ســفر زوجته الى اهلها في بغداد حتى تكون قريبة من الأطباء المختصين ولغاية في نفس يعقوب!
*** اسـتغل ابو عزام غياب زوجته وعادت شهواته الجنسية المكتومه منذ زواجه, ... فأنغمس في مجونه وملذاته مع كبار الموظفين في مركز القضاء ,... ومع بعض الشباب من ابناء وجهاء المدينة.
** استمرابوعزام في مجونه من دون ان يعير اي اهتمام لمركزه الأجتماعي واعراف الناس المتمسكين بها, وردة أفعالهم ضد من ينتهكها, وفاحت روائح افعاله, وصارالأهالي يرصدون حركاته وهو في غفلة عنهم , ...ويا غافل الك الله!
*** اخذ ابوعزام يتردد على بغداد بحكم عمله, وليتفقد صحة زوجته راغبه خاتون, وفي احدى الزيارات دب حنينه للصبية صبريه , واستغل حادث وفاة امها,... ليكمل الأســتحواذ على عواطفها! , ولذا أغدق عليها وعلى خالتها الهدايا , وفاتحها بالزواج العرفي (السري) حتى لا ينكشف امره أمام زوجته راغبه خاتون, ولية نعمته ويفقد وظيفته والمال!
*** وعلى أية حال تمكن عزوز من اقناع المراهقة صبريه, وطلب منها مهلة لأعلان زواجه رســميا عندما يتم طلاق زوجته راغبه خاتون ,..اوان يأتي يومها الموعود, حيث انها تعاني من مرض لم يتمكن الأطباء من تشخيصه لحد الآن ,.. فعسى أن يكون خبيثاً!
*** ساء الوضع النفسي الذي آلت اليه صبريه بعد وفاة امها, اضافة الى وحدتها في دار خالتها وخوفها منالتحرش بها!,.. ولذا لا تخرج بمفردها او ان تســمح لأحد بزيارتها الا عندما تكون خالتها او زوجة المختار أبو رزوقي متواجدة في الدار.
*** وافقت الخاله على المقترح وفرحت صبرية بالحبيب, ولم تحسب اي حساب لما يضمره ابوعزام من خطط,.. اذا ما طرأ تغيير في وضعه بعد شفاء زوجته وعودتها لبيت الزوجيه؟,.. وهكذا, تراقـصت الأفكار في ذهنها,... وأخيرا تغلبت عاطفتها المتأججة واستسلمت لكل ما اقترحه ابوعزام , وتم كل شيئ!, و حان يوم الرحيل وسـافرت بصحبته الى داره في الشطرة.
وهكذا حقق القائمقام أبو عزام كل شــيئ , المال والســلطة بزواجه من راغبه خاتون, و من زواجه السـري( العرفي),.. من الصبيه صبرية !
*** كان لصبريه بن عمه أسـمه "دايخ" جمعته واياها مودة منذ الطفولة, الا ان الخلافات العائلية ودخول المحامي عزوز على الخط عندما كانت طالبة في المرحلة الثانوية,أي بســـن المراهقة , حال دون استمراراللقاء,.. وخفتت المودة بينهما, وأزداد نفور دايخ منها نتيجة لتردد ذلك الغريب عزوز على دار خاله, من دون اي تواجد لرجل من الأقارب , او من ابناء الجيران , وهكذا انقطع التواصل بينهما وسار كلا منهما في طريقه, حيث اكمل دايخ الثانوية ودخل كلية الطب , واختارت صبرية طريقها محفوفا بالمخاطر , كأعمى بطريق مظلم !,...
ولم يعلم دايخ بزواج صبريه الســري الا بعد فوات الآوان ,.. وكان في تلك الفترة طالبا في المرحلة الثانوية , وآمن بالأمر الواقع وركز على دراسته, وبعد سنوات تخرج من كلية الطب وعين في احد مســتشــفيات بغداد لتفوقه على طلاب دفعته.
*** تحيط بمدينة الشــطرة العديد من العشائر المنطوية تحت زعامة شيخ ذو بأس شديد اتخذ من المدينة مقرا له وصارت المدينة عاصمة لنفوذه واعتبره السـكان الأب الروحي لهم وقد اكتســب شهرة في كافة ارجاء العراق , وكان عضوا في مجلــس الأعيان.
كان الشيخ صارما في قراراته ولا يتهاون مع المذنبين مهما كانت منزلتهم , ولا يخشى لومة لائم في قول الحق حتى ولو كان من اقرب المقربين له , ولم يســمح باي انحراف داخل منطقة نفوذه ,... حتى لو كان القائمقام مصدره!
***فقدَ القائمقام عزوزالأمل بالذرية بعد مرض زوجته راغبه خاتون, وصار يتحســر عند رؤيته لأي طفل , وراح يداعب اطفال المدرســة المجاورة لبيته عند مرورهم امام داره,... وصار وقوف القائمقام وهو بالدشداشة (الجلابيه) , البيضاء يتكرر امام باب داره المشرف على الضفة الثانية من النهرالمقابلة لداره وهو المكان الذي تتجمع فيه صبايا المدينة لغســيل الملابــس والصــحون والســباحة في ملابسهن احيانا في ايام الحر , من دون خجل من الرجال المستطرقين بمحاذاة الشريعة , حيث كل القاطنين في المدينة يعتبرون كأســـرة واحدة والويل لمن تسـول له نفسه الأستهانة بتقاليد الأهالي, والتعمد في مجونه,.. أوالنظر للسـابحات الفاتنات!... ولهذا وقع القائمقام ابوعزام في المطب , لأنه لم يحســب لتصرفاته اي حســاب ولم يُنبههُ احد لخطورة تصرفاته,.. وهو يراقب الصبايا يسبحن في الشــريعة , متذرعا بمداعبة الأطفال المتوجهين الى مدرســتهم بين الحين والحين.
*** اثارت اعمال القائمقام الأدارية انزعاج اعيان المدينة,... وزاد الطين بلة , وقوفه صباحا امام داره, حيث لم يكن ذلك متعارفا لديهم ,اضافة لمجونه داخل النادي , وتردده على الغجر( الكاوليه), في ضواحي المدينة ليلا , مع زمرة من الشباب من ابناء الوجهاء,.. والموظفين الغرباء , واضافة الى ذلك سلوكه الصلف , حيث لم يعراهمية للعلائق مع وجهاء المدينة!,..
ولاحضـوره ديوان الشيخ في اية مناسبة ,... مقربا له الأنتهازيين ليتسكع معهم في شــارع المدينة الرئيــس امام عيون الأهالي من رواد المقاهي المنتشرة على ضفاف النهرعندما يأتي المســاء, ثم يتحول بصحبة شــلته الى نادي الموظفين لأحتساء المشـروبات المحرمة!
** وما أن تخلد المدينة الى النوم , يتوجه ابو عزام وكبيرشــرطة المدينة ورئيــس البلدية, ولفيفاً من ابناء الوجهاء الى اطراف المدينة لأكمال الســهرة عند الغجر!
***لم يشعر القائمقام ولا اي فرد من شــلته بأســتياء الأهالي من تصرفاتهم, الى ان حل اليوم الأســود! والذي كان من اهم الأســباب التي غيرت مجرى حياة ابوعزام.
*** كانت مدينة الشطرة مشهورة بكيمرها(القشطه), ومعظم الأهالي , يتناولونه عند الفطور ولذا يهرعون في الصباح الباكر للحصول على صـحن الكيمر قبل نفاذه ! , الا ان وجهاء المدينة يصلهم الصحن المحسن والمميز الى بيوتهم , تحمله القروية الجميلة لهم,... والتي يفوق جمال بعضهن , صــحن الكيمر!,...مما يغري المراهقين بالتحرش بهن شـــفهيا ومن ثم تكريمهن ماديا بدفع ما يســمى ب (البخشيش)!
.وفي أحد الأيام , مرضت بائعة الكيمر,.. التي تمون الوجهاء والقائمقام و لذا كلفت ابنتها "نسمة",.. التي ما زالت طالبة في السادس ابتدائي , لأيصال الكيمرالى الزبائن , والقائمقام اولا... , واوصتها بعدم الدخول الى الداراو الحديقة والعودة فورا !
*** وصلت نسمه حاملة صحون الكيمر لتوصيلها الى دار القائمقام,.. ووجدته واقفا عند البوابة الخارجية,.. وارادت تسليم الصحن له , الا انه امرها بتسليمه الى زوجته في الداخل وترددت نسـمه بالدخول, فزجرها بعنف فخافت وما ان خطت بعض الخطوات الى الداخل , حتى اغلق القائمقام باب الحديقة , وهجم عليها كالغول , وراح يتحرش بها ويمســها في مناطقها الأنثوية!..فراحت تصرخ بأعلى صوتها ورمت صحون الكيمرعلى رأسه وتلطخت دشــداشــته وســقط على الأرض , وفلتت منه,.. وقفزت سـياج الحديقة مهرولة نحو امها باكية, فوبختها الأم لعدم ألتزامها بأمرها.
*** حاولت الأم التستر على الحدث خوفا من ثورة الأب ومن خطيب نسمه بن عمها والطالب بدار المعلمين العالية في بغداد, والمعارض للسلطة الا ان الخبر أنتشر, وعلم ابو نسمه بالحادث وقدم شكوى على القائمقام لدى شيخ المدينة, صباح اليوم التالي , فأنزعج شيخ الشطرة بسلوك القائمقام , وطلب من ابو نســمه التريث.
*** ازدادت تذمرات الأهالي من تصرفات ابي عزام و راحوا يلفقون له تهما,... ويصدقها الصغير الكبيرعلى حد سواء, وصارت قصصه تروى كل يوم في مضيف الشيخ ولم يحسب
القائمقام عزوز (ابو عزام), اي حساب للعلاقات الشخصية مع شـيخ المدينة وعضو مجلس الأعيان والأب الروحي للشطرة , ورئيس اكبر عشائرالمنطقة , ولم يقم بأية زيارة مجاملة له,... منذ تسلمه السلطة, مما زاد من امتعاض الشيخ منه!
***اتصل الشــيخ بالجهة المسؤولة في العاصمه وحصل على وعد بنقله او فصله من وظيفته, وتم ذلك بسرعة حيث لا يرد طلب الشيخ لصلته الوثيقة بالبلاط الملكي.
** لم يخبر ابوعزام زوجته صبرية بأمرالوزارة بترك المدينة لخوفه عليها حيث كانت حاملا في شهرها الثالث , وكذب عليها واعلمها أن ســفره الفوري هو لأداء مهمة ســرية لحساب وزارة الداخلية , وقد تطول لعدة ايام وطلب منها الذهاب الى بيت صديقتها , زوجة رئيس البلدية ابو علي والسـكن عندها لحين عودته , و هكذا غادر الشــطرة الى الناصرية لمواجهة المحافظ قبل ان يفتضح امره بين اهالي المدينة, الا ان المحافظ امره بالتوجه الى بغداد.
***خضع ابوعزام لتحقيق وزاري خاص اكتفى بأرغامه على الأســتقالة من وظيفته, وعاد خائبا الى احضان زوجته راغبه خاتون , وفرحت الخاتون لعودته , و وعدته بوظيفة ارقى.
*** تحطمت كل آمال صبرية بعد علمها بالحقيقة , والتزمت الصمت , حيث لا فائدة من رمي نفسها بفضيحة مهلكة, ولم تنفع الندامة بعد الآن , فقد وقع الفأس بالرأس, وليس لديها اي وثيقة تثبت زواجها السري من ابوعزام , حيث اســتولى عليها مع جميع صــيغتها الذهبية يوم رحيله, ولهذا خلدت للصمت وتحمل اخطائها , واعدت نفســها لمعركة طويلة ومواجهة كل المصاعب خوفا على الجنين في احشائها.
***عادت صبرية خائبة الى بغداد ورمت نفسها ثانية بأحضان خالتها, وبعد أشهر,.. ولدت بنتاً أسمتها نيران لتحرق بها من كان سبباً في نكبتها!
*** كبرت نيران وازدادت حاجة صبريه للمال, فنصحتها خالتها والجيران بطرق باب زوجها عله يلين عندما يرى فلذة كبده , فأذعنت لأمرهم , وحملت طفلتها ودخلت عليه وهو منهمك في مكتبه على اساس زبونة لديها مشكلة!, ولما تمعن بها طردها شــر طرده, ولم ينفع معه توســلها لمسـاعدة فلذة كبده !,.. وخرجت منه تجر اذيال الخيبة , وبطريق العودة,...وقبل وصولها الى دار خالتها لمحت جمهور من الجيران امام الدار , فأخبروها بحالة خالتها الخطيرة ونقلها الى مستشفى خضر الياس , و بســرعة ســلمت ابنتها الى زوجة المختار ام رزوقي, وتوجهت فورا نحو المســتشــفى وتمكنت من مقابلة خالتها وكانت في حالة مزرية او في انفاسها الأخيرة.
*** فرحت الخالة برؤية صبريه وعادت لها عافيتها ثم راحت تهمس بأذنها عن سرلم تفصح عنه منذ عشرة سنوات!,حيث لديها كنز من الليرات الذهبية , كأمانة للعائلة التركية التي كانت بخدمتها والتي لقت حتفها في حادث تحطم سيارتها في جبال تركيا, ولم يطالب أياً من الورثة بممتلكاتها لحد الآن,.. وما ان نطقت الخاله بمكان الكنز,.. حتى فارقت الحياة ! ,...
وحزنت صبرية عليها وضاقت بها الدنيا , ألا ان جيرانها, وخصوصاً المختار وزوجته ام رزوقي خففوا صـدمتها , وبمرور الأيام, ضاقت بها سبل العيش, فالتجأت الى كنزالليرات الذهبية الذي تركته الخالة, واســتلت ليرتان لصـرفها عند بائع الذهب.
*** قررت صبرية توظيف تلك الثروة الهائلة لرفع شأنها في المجتمع البغدادي , والتخطيط للأنتقام من ابو عزام , الذي لم يعترف بزواجه ولا بأبنته! , وبمساعدة المختار ابو رزوقي وزوجته, كونت لها مكانة ملفتة للنظر في المجتمع البغدادي , فأشترت داراً فخمة في شارع الزهاوي قرب البلاط الملكي الذي كان يعتبر من المناطق الراقية, في ذلك الحين,..وغيرت أسمها الى "لهيب", لكي تحرق زوجها!
السيدة لهيب
*** تقدم العمر بابي عزام,.. وفاق على نفسه بعد تصرفاته الرعناء ايام الشباب , ولذا راح يدافع عن الحرية والعدالة,.. والأنسانية وذاع صيته في بغداد كألمع محامي في تلك الحقبة, وبعد فترة , شجعته راغبه خاتون على خوض الأنتخابات,... ودخول البرلمان ومن ثم التفكير بالوزارة !
*** رشح ابو عزام نفسه كنائب عن منطقته, واغدقت راغبه خاتون المال الكثير على الحملة الأنتخابية , وطلبت من عمها الباشا مساندته, وبعد اشـهر تحقق حلمها,... وصار المحامي عضوا بمجلس النواب,.. ثم وزيرا للمعارف (التربية) !
*** فرحت راغبه خاتون بنجاحها, متأملة تطويع أبو عزام,.. وجعله تحت امرتها فقط !... فقد صار زوجها وجها مرمومقا في المجتمع ومسؤولا في الدولة.
*** كبرت نيران واكملت الرابعة من عمرها وهو السن الذي يؤهلها لدخول الروضة ,... واختارت الأم لها , ارقى روضة في بغداد مخصصة لأبناء وجهاء المجتمع البغدادي , وتمر الأيام, وتشاء الصدف ان يرعى حفل تخرج طلبة تلك الروضة سعادة وزير المعارف الســيد عزوز الثعلبيي (ابو عزام) , ويفاجئ بوجود صبرية ام نيران تجلــس خلفه , فراوده الشــك ولم يصدق ان هذه الســيدة الأرســـتقراطية هي زوجته الســابقها ! , صبريه , فسأل مديرة المدرســة عنها , وقالت له انها الســيدة لهيب ام الطفلة نيران عزوز, فجن جنونه , وهكذا, حقق القدر لصبريه اكبر هدية, فقد حرقته بلهيبها وبرؤية ابنته نيران! ***استغل ابوعزام نفوذه, وتمكن من معرفة كل الحقيقة عن صبريه,... وراح يغريها بالعودة له كزوجة بالسر لحين وفاة زوجته او سقوط الوزارة!, الا انها رفضت كل المغريات,... واشترطت ان يعلن زواجه بالمحكمة الشرعية على سنة الله ورسوله, فأصل الزواج هو الأشـهار,..وقد علمت صبرية بتلك الحقيقة بعد فوات الأوان !
*** اشــترت صــبرية المشــتمل الملاصق لدارها ولم تؤجره للعديد من المــستأجرين, الا انها وافقت لتأجيره الى الدكتور ســرحان , اســتاذ الأدب العربي في دار المعلمين العالية عندما علمت انه من الشـطرة ! , وتم التعارف بعد ايام من سكنهم , ودعت صبريه المقيمين الجدد الى وليمة عشاء في دارها , وتمعنت صبريه في وجه نســمه زوجة الدكتور سـرحان , وحدســت انها هي با ئعة الكيمر التي أعتدى عليها زوجها في حديقة دارها في الشـــطرة قبل اربعة ســنوات وانتابها الشــك , وبعد طرح عدة اسئلة اسـتنباطية, من نسمة وصبريه , صرخن في آن واحد لتقول كلا منهن للثانية (هو انت!) ثم يتعانقان عناقا مفعما بالعواطف,.. ورقصت في مخيلة كل منهن مآســي السنين الغابرة ! , وتنهمر الدموع بغزارة , وســرحان ينظر للمسرحية كالأطرش, وتهدأ العواطف وينجلي الموقف وتشرح كلا منهن ســيرة حياتها
*** كان للدكتور سرحان طفل صغير بعمر نيران اسمه احمد, وبمرور الأيام توطت العلاقة الحميمة بين نسمه وصبريه التي غيرت اسمها الى لهيب, وغمرتهن السعادة وهن يسـردن حلو الذكريات التي مرت بهن في الشطرة.
***كان لسرحان صـديق اسمه دايخ ! , انقطعت اخباره منذ فترة طويلة , وفي يوم من الأيم يلتقي الصـديقان في مخزن في بغداد , ويتم العناق ويسرد كلا منهما ســيرته , فدايخ الآن طبيب مرموق وسرحان دكتور في جامعة بغداد , وهكذا عادت علاقتهما , ويدعو سرحان زميله دايخ لتناول العشاء في داره.
*** وجهت نســمه الدعودة الى لهيب لمشاركتها السهرة مع صديق سرحان , وارادت نسمه ان تمهد لصديقتها الأنفتاح على المجتمع, فعسى ان يطرق بابها أبن الحلال ليعوضها حرمان الســنين او قل شقاء ليالي الشــطرة, يوم تركها ابو عزام وفركالغزال! , وفي الموعد المحدد يصل الطبيب دايخ, ويرحب به سرحان بشدة , ثم ينادي على زوجته , للتعرف على صديق العمر,وتدخل نسمه وبصحبتها لهيب , و يقدم سرحان زميله دايخ الى لهيب, ويمد كلا منهما يده الى الآخر ويســود الصــمت الرهيب بينهما,.. وتغص الكلمات , ولاتجد لها مخرجا!,... فينتاب سـرحان الذعر , وتصاب نسمه بالدهشة, ولهيب تذرف الموع ودايخ يخرج منديله ويجفف دموعها,.. وتندفع نســمه نحو لهيب وتسحبها الى غرفة اخرى.
*** تهدأ النفوس , وتشرح لهيب لنسمه علاقتها مع الطبيب دايخ بن خالها وخطيبها منذ الطفولة,..وفهم سرحان الموقف وفرح الجميع لما آلت اليه الصدفه, عادت نسمه مع لهيب واعددن المائده وساد العشاء الفرح على انغام اغنية مقادير, لطلال المداح :
مقادير يا قلبي العنا ..... مقادير
مقادير وش ذنبي انا ... مقادير
مقادير وتمضي حياتي ...
مشاوير واتمنى الهنا...
مقادير ... مقادير
على ميعاد حنا .... والفرح كنا
وكنا بعاد ... وعشنا ع الامل حنا
وكان والفرح غايب ...
واثر الامل كاذب ...
مقادير ... مقادير
الا يا اهل الهوى .... كيف المحبة تهون
كيف النوى يقدر ... ينسي العيون
نظرة حنين ..... واحلا سنين
عشناها ... ياقلبي الحزين
مقادير ... مقادير
*** يستوعب الطبيب دايخ قصة بنت عمته, ويعدها بالوقوف بجانبها واسترداد حقوقها الشرعية من زوجها الوزير وضم ســرحان صوته الى زميله,.. وقررا البدأ بالصراع بين
الوزير وزوجته صبريه / لهيب, التي تزوجها عرفيا!
***حاول معالي الوزير تغييرموقف لهيب بشتى الطرق , ولم يفلح , حيث صـارت اكثر قوة لأمتلاكها المال وبمعيتها بنتها نيران والأصدقاء والحبيب دايخ الذي يعتبر وليها شرعا.
*** اسـتنفذ معالي الوزيركل امكانياته واذعن اخيرا للهيب , ووعدها بأعلان زواجة في اول يوم لســقوط الوزارة وسوف يتخلص من زوجته الأولى راغبه خاتون.
*** ســافر معالي الوزير الى خارج العراق , وبعد أيام تسوء صحة زوجته راغبة خاتون,... حيث وصلتها معلومات عن مؤامرة زوجها الجديدة بعد فضيحة الشطرة,.. وقد ايقنت الآن وهي في ايامها الأخيرة بنيته المبيته لطلاقها, وقررت حرمانه من ثروتها , ولهذا اســتدعت ضرتها الســيده لهيب, لمقابلتها وســردت عليها كل ما كانت تعرفه من حقائق وعقوق عن زوجها ابوعزام,... ولهذا كتبت وصيتها وصدقتها عند كاتب العدل , وسجلت كل ما تملك من املاك بأسم نيران,.. وقدمت (جك) بمبلغ ضخم,... وطلبت منها ان تبني لها مسجدا يحمل أســم ( راغبه خاتون ), واطعام الفقراء كل ليلةجمعه.
**بعد ايام تلبي راغبه خاتون نداء الحق,.. ويقطع الوزير زيارته ليتسنى له حضورمراسيم تشييع زوجته وتلقي التعزية بهذا المصاب الذي كان ينتظره بفارغ الصبر الا انه لم يحسب اي حساب للقدر, ولم يتكهن لما يخبأه الزمن من مفاجآت, ويقع المكتوب , فعند عودة السيد الوزير الى بغداد عن طريق بيروت تسقط الطائرة المقلة له عند الحدود الســورية العراقية ويعلن رســميا وفاة كافة الركاب.
*** وهكذا يشيع الوزير وزوجته راغبه خاتون رسميا الى مثواهم الأخير بنفس اليوم !,... وتساهم السيدة لهيب برفقة سرحان ودايخ ولفيف من القوم اقارب وعائلة راغب خاتون,... وبعد الأربعين سافرت السيدة لهيب الى عائلة ابوعزام القاطنة في مدينة هبهب قرب بعقوبة محافظة ديالى بصحبة نيران, وفرح والد و والدة عزوز, وقيموا المبادرة,.. وفرحوا بالطفلة نيران عندما لمسوا الشبه بينها وبين والدها.
*** تمر السنون ويتزوج الطبيب دايخ من ابنة عمته السيدة لهيب او قل صبرية التي فاق صبرها كل المقاييس البشرية , وها هي شمس الحب تبزغ من جديد و ان لا يأس مع الحياة طالما سار الأنسان بالطريق الصحيح , ولا بد من الفرج.
*** تتم نيران دراستها الجامعية , ويحصل احمد على درجة امتياز تؤهله لأكمال دراسـته في انكلترى , ويتقدم لطلب يد نيران فيعم الفرح اجواء العائلتين , وتتم المراسيم المتعارف عليها في مثل تلك المناسبات , ثم يغادران القطر للتمتع بشــهر العســل ومواصلة احمد لدراســته العليا في لندن.
عاد الزمن بظلاله على عش الزوجية الذي جمع لهيب ودايخ او قل ما فرقته الأيام, وفي احد الأيام سرحت لهيب وتذكرت صبرها اويوم ما كانت تدعى صبريه ,... والذي عاشــت فيه كجارية في بلاط ذلك القائمقام الذي خدعها ورماها وحيدة في احضان الزمن في الشطرة,.. التي انتقمت من شــروره وصار عبرة لمن يعتبر , وفي لحظات ســرحت بأحلام اليقظة,... وتذكرت حبها العارم لعزوز,.. فقد كان لهيبا خنعت لســطوته,... ولم تفق منه الا بعد فوات الأوان ,او قل الى ان احترقت بلهيب الحب !, حيث لم يثمنها ولم يلتزم بالقيم الخلقية,..ولا الأجتماعية وغدر بها الى ان وافته المنية ثم جاء العقاب الرباني"ان الله يمهل ولا يهمل"
***استيقضت السيدة أم نيران من غفوتها وابتسمت مع ذاتها ومقدرتها التي اكتسحت جيع المغريات وابت ان تبيع نفسها او ان تخضع للتهديد ورفضت ان تسلم نيران الى والدها,...
لتكون ابنته بالتبني والسماح لها لتكون جارية او قل خادمة في كنفه في بيت راغبه خاتون زوجة معاليه.
*** لم تتمالك صبرية أعصابها , وراحت الدموع تنهمر من مقلتيها بلا هواده , وتمعنت بصورة نيران مع زوجها احمد وهي ببدلة الزواج التي حرمت منها بسبب رعونتها وتعندها يوم ان رضت بالزواج السري,.. وطفحت البسمة على محياها من جديد وانطفأ لهيب الحب الذي عشـعـش في صدرها,... وتحول اليوم الى بســمة ودايخه من الحب مع الحبيب دايخ!
***خلق الله الأنسان وخلق عواطفه ومشاعره التي ان ثارت لاتهدأ طالما وجد في اعماقه عرق ينبض بالحياة وامل مشرق يجابه به كل المعوقات من دون تردد أو أكتراث لأي لهيب براق او حارق!,...و رحم الله أم كلثوم حيث غنت:
قد يكون الغيب حلواً أنما الحاضر أحلى !,..مع محبتي
1004 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع