بدري نوئيل يوسف
الملك والوزراء الثلاثة
حدثتنا جدتي أن جارنا أبو البنات، اشترى بطاقة يانصيب الرافدين الذي يقدم ريعه للمكفوفين بمبلغ مائتان خمسون فلسا، وكانت هذه محاولته الاولى، أبدت أم البنات انزعاجها وغضبها من تبذير سعر البطاقة، ونشب خلاف بينهما وعلى اثرها استلمت أم البنات كفين على رأسها هدأت من صراخها، اما أبو البنات فأحتار أين يخفي البطاقة وأخيرا توصل الى قناعة أن يلصقها تحت صندوق راديو كبير موديل كروندك عاطل ويحتاج مبلغ لإصلاحه. مرت الايام ونسى ابو البنات بطاقته.
كان في الموصل بعض الباعة الجوالين يتجولون في الازقة وهم ينادون (أللي عنده عتيق يبدله باستكان ناري،كلاص ماي، ماعون فرفوري)،قامت ام البنات بمناداة البائع وبدلت الراديو بـ (ماعونان فرفوري وكلاص ماي عدد أثنان) ولا علم لها بالبطاقة.عندما عاد ابو البنات الى المنزل بشرته بتبديل الراديو بالزجاجيات، ولن يعير اهتماما بالموضوع لكن بعد ساعتين تذكر الرجل ان بطاقته مع ملصقة اسفل الراديو، ولكنه لايعرف نتيجة السحبة، لأنه مضى اكثر من شهرين على اجراء القرعة .
خطر بباله أنه قد كتب رقم البطاقة على احد جداران غرفة نومه، في اليوم التالي اخذ الرقم وذهبت لباعة البطاقات وعلم ان الرقم الذي معه هو البطاقة الفائزة بسبعة آلاف دينار، عاد مسرعا للمنزل، والله هو الذي خلص زوجته من يده، وبدأ البحث عن بائع العتيق عدة أيام، وأخيرا عثر على البائع في احدى الازقة، وأرشده من اشترى الراديو وهو صاحب مقهى في سوق السراي، ذهب ابو البنات للمقهى وجلس مقابل الراديو الذي وضعه المشتري على الرف كزينة في المقهى. سأل ابو البنات صاحب المقهى لماذا لا يعمل الراديو، أخبره انه عاطل وقد اشتراه لزينة المقهى، قدم ابو البنات نفسه أنه مصلح للراديو ويمكن اصلاحه وأقنعه ان يستطيع اصلاحه وافق الرجل وأعطاه الراديو ضمان هويته. اخذه ومازالت البطاقة ملصقة تحت الصندوق واتجه به الى اللجنة واخذ مبلغ الجائزة، وأول ما عمله اشترى له بدله سوداء لا يلبسها الى الملوك واشترى لام البنات قطع ذهبية حتى يرضيها، وأعاد الراديو الى المقهى بعدما اصلحه عند مصلح مختص لقاء مبلغ ، وأصابه من الخير ما جعله يعتقد ان الدنيا قد اصبحت ملكا له وان جاهه يطغى على كل جاه وثرائه يفوق كل ثراء وعليه تذكرت قصة هذا المثل.
ان جرذا كان يعيش فى مخزن احد القصور الكبيرة، وكان ينعم بما فى ذلك المخزن من اطايب الطعام المخزونه فيه، ويرتع بأكل ما يشاء من اصنافها، ولم ينغص عليه عيشه الهني إلا احد القطط، فقد كان فى ذلك القصر قط كبير وكان كثيرا ما يتجول فى ذلك المخزن، والجرذ ي يخشى ان يصيده ذلك القط يوما فيأكله، فكان شديد الحذر فى خروجه من جحره متأنيا فى سيره، كثير التلفت عظيم الانتباه لما يجرى حوله، وفى ذات يوم جئ ببرميل كبير مملوء بالشراب المعتق، ووضع في زاوية ذلك المخزن، وخرج الجرذ فى اليوم التالي من جحره كعادته كل يوم، فرأى ذلك البرميل الكبير فلم يدري ما هو ولا ما يحتوى عليه بداخله، فخرج عن حذره لأول مره وأسرع فى سيره نحو البرميل فرأى الهر امامه فأصابه الخوف وتملكه الذعر والفزع، فقفز قفزة عظيمه من شدة خوفه فصار فى اعلى البرميل، وكان غطاء البرميل متحركا فسقط الجرذ فى البرميل، وأوشك على الغرق، وكان اثناء سبحه يشرب من النبيذ جرعه بعد جرعه حتى ارتوى وامتلأ، فشعر بقوه فى نفسه لم يعاهدها من قبل، فقفز من البرميل قفزه عظيمه وسار وهو سكران يترنح ذات اليمين وذات الشمال، متجها نحو بيته فوجد القط نائما هناك وشاربه ممتد على الارض، تسد عليه الطريق الى بيته فلم يلق بالاً بذلك، ولم يهتم بالخطر المحدق به فوطأ شارب القط النائم فى طريقه من غير خوف او وجل فقيل فى ذلك ( الجريدى لو سكر يمشى على شوارب البزون ) وذهب ذلك القول مثلا، هكذا كان أبو البنات حتى صرفت مبلغ الجائزة وعاد الى وضعه الطبيعي .
نعود يا اولادي لحكايتنا الاسبوعية .
في يوم من الأيام أستدعى الملك وزراءه الثلاثة وطلب منهم أمر غريب، طلب من كل وزير أن يأخذ كيس ويذهب إلى بستان القصر، وأن يملئ الكيس من مختلف طيبات الثمار والزر وع، كما طلب الملك منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة، استغرب الوزراء من طلب الملك و أخذ كل واحد منهم كيسه، وأنطلق إلى البستان، فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يرضي الملك فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول، وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملئ الكيس، أما الوزير الثاني فقد كان مقتنع بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه، وأنه لن يتفحص الثمار فقام بجمع الثمار بكسل و إهمال، فلم يتحرى الطيب من الفاسد حتى ملئ الكيس بالثمار كيف ما اتفق. أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك يسوف يهتم بمحتوى الكيس أصلا، فملئ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار وبعض الثمار الساقطة، وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها، فلما أجتمع الوزراء بالملك أمر الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم على حده، وكل واحد منهم مع الكيس الذي معه لمدة شهر، في سجن بعيد لا يصل أليهم فيه أحد كان، وأن يمنع عنهم الأكل والشرب، فأما الوزير الأول فضل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى أنقضى الشهر، وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهر في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها، أما الوزير الثالث فقد مات جوع قبل أن ينقضي الشهر.
وهكذا يا اولادي أسألوا نفسكم من أي نوع أنتم، فأنت الآن في بستان الدنيا لك حرية الاختيار، أن تجمعوا من الأعمال الطيبة وتحبوا اصدقائكم بالمدرسة، أو تجمعوا الأعمال الخبيثة، ولكن عندما يدين الله البشر كل واحد ، يحاسب على اعماله، وتنفعكم اعمالكم الطيبة التي جمعتموها في حياتكم .
2535 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع