ارتهان القرار السياسي بيد المؤسسة الدينية

                                                        

                          د. ضرغام الدباغ / برلين

          
مدخل

بينما كنت أطبع الكتاب: البرتو ومحاربو الشمس، وهو عمل ممتاز كنت قد ترجمته في وقت سابق من الآن، يبحث في التاريخ السياسي والحضاري، للمكسيك قبيل وبعيد الاحتلال الأسباني لها وتدمير الحضارات التي كانت قائمة هناك، انتبهت للفقرة (د) من الفصل الخامس، وأعتقد أننا يجب أن نمنح عناية خاصة لمطالعة هذا النص.

المفارقة هنا أن تمتلك المؤسسة الدينية حق إصدار القرارات السياسية، وبعض من تلك القرارات ستلعب الدور الحاسم في تاريخ الشعوب ومستقبلها إلى آجال غير محددة. المؤسسة الدينية عندما تكون هي صاحبة القرار، ولا أظنها تقبل بدور المشارك الثانوي، فالمؤسسة الدينية تنفرد بخاصية معروفة، هي أنها تعتبر نفسها المقام الأول ولا يوجد مقام ثاني وثالث، هي على صح، وغيرها سيان من يكونوا على خطأ ذلك أنها تمثل إرادة الرب، وماذا يمثل الآخرون ..! وفي حين أنهم بشر عاديون، ولكنهم يزعمون تمثيل الآله ــ الله  أو إرادته ...!

المصالح البشرية والوطنية لا تساوي فلساً واحداً (في هذه الأيام سنتاً واحداً) في عرفهم

إذن نحن أمام إشكالية سياسية لها طابع خاص. ففي العلوم السياسية المعاصرة، يتخذ القرار السياسي عبر قنوات عديدة، وقياس حسابات دقيقة، وردود أفعال محتملة، وموقف عناصر وجهات كثيرة، وجرد لقدرات ومستودعات الإرادة الذاتية، وقدرات الجهات المقابلة، وينبغي أن يشارك في صياغة القرار السياسي، وتستخدم حتى الرياضيات العالية في تقدير قوى أطراف الموقف، وهي عملية تتطلب الدقة بأعلى درجاتها، ويستحسن التأني بها وأن لا تكون ارتجالية سريعة فتعرض القرار لمصاعب في التنفيذ. وكلما كان القرار يمس مرتكزات الدولة، كانت عملية اتخاذ القرارات تكتسب أهمية استثنائية تستلزم أقصى قدر من الفحص والتمحيص.

المؤسسة الدينية لا تحتاج لكل ذلك، ربما تكتفي برؤية طالع النجوم، أو إجراء أستخارة، أو السؤال من كاهن لا يعرف جدول الضرب ..! بيد أن الكاهن إن نطق، فقد وقع الفاس بالراس ولا مرد لقراره. الكاهن لا يقر بلعبة التوازنات، ولا يعترف بإقامة الائتلافات والتحالفات بين قوى متعددة الأيديولوجيات، فالآخرون برأيه قد يكونون: مردة، كفرة، هراطقة، زنادقة.

مالعمل ...؟

التاريخ بتطوره حل هذه الإشكاليات، وما تبقى هي الذكرى فحسب .. أما من لا يزال يعيش في حمى الذكرى فالتجربة وأحداث التاريخ المقبل ستكون خير معين له، هذا إن كانت هناك ثمة فائدة من التجربة،  ومن يستفيد منها.

 وفي بعض الأحيان لا توجد فائدة للأسف من التجربة، فأنت لا تستطيع القول فلنجرب ماذا يحدث إن ضغطت على زناد سلاح ناري مصوب إلى الصدغ، فالسلاح الناري سيحدث فجوة محترمة في الجمجمة بما لا يمكن معها إعادة التجربة.
نحن نضرب الأمثال، ونتوسل من عبر التاريخ أن تكون مؤثرة في وعي الناس.


**********
د : هبوط الآلهة

(الفقرة الثامنة من الفصل الخامس)
البرتو محاربو الشمس
تأليف: رولاند كوربر
ترجمة: د. ضرغام الدباغ
رويتلينغن 1960 / ألمانيا الاتحادية
دار النشر: أيسلين ولايبلين

نزل الأسبان في المكسيك عام 1519 بقيادة هيرناندو كورتيس Hernando Cortez حيث كان الملك موكتيسوما الثاني يحكم الأزتيك. وكان الأزتيك يسمون تلك السنة ب (قصب 1) لأن اليوم الأول من تلك السنة من تلك السنة يحمل هذا الاسم، وكانت السنة تسمى باسم اليوم الأول منها.

والسنة  " قصب 1 " كان لها أهمية خاصة في معتقدات الأزتيك، إذ أن آلهة الضوء، نجمة الصباح " كويتسالكواتل " والذي كانت سنة ولادته في عام قصب يسمى (أمير قصب 1) قد غادر البشرية بعد 52 عاماً من ولادته، ثم عاد بعد سنة واحدة. وبعد النصر أصبح المعلم العظيم للبشر. وكان يشغل منصب الملك والكاهن الأكبر فيها، وكانت الظروف والأحوال تشابه الجنة، ولكن الناس لم يكونوا يظهروا له الاحترام والتقدير الكافيين، لأن ملك الآلهة في كويتسالكوتابل قد غادرهم، فقد صعد مع المقربين إله إلى سفينة في خليج مكسيكو، ونادى عليه الناس أن يعود في عام القصب لكي تسود العدالة(هكذا الأسطورة).

وعندما لاحظ سفراء ملك الهنود موكتيسزوما الثاني في عام القصب التي تقابل عام 1519 ميلادية بخبر عن نزول البيض، إذ لم يكن يشك ولا لحظة واحدة، بأن كويستاكواتل قد عاد مع المقربين إليه، لا سيما وأن الإنزال قد جرى في نفس الموقع(حسب الأسطورة). وكان ملك نجمة الصبح قد ركب زورقه (الآلهة البيض) كانت لهم لحى، وحتى كويستاكواتل كانت له لحية، وهذا يعني شيئاً كثيراً للهنود الذين لم يكونوا يطلقوا لحاهم، وقد نزلت حيوانات ضخمة، ربما هي آلهة، إذ أن الهنود لم يكونوا يعرفون الخيول التي ظهرت لهم كمخلوقات من العالم العلوي، كما كان قصف المدفعية الأسبانية قد من عزز قناعتهم من أن القادمين يتمتعون بقوة الآلهة.

وما لم تكن تلك علامة مقبضة للنفس، التي أكدت هذه الإحداث. فالملك موكيتزوما ما يزال يتذكر شخصياً ذلك اليوم الذي جلب فيه له الصيادون طيراً مائياً كان يحمل فوق رأسه مرآة وبوسع المرء أن يشاهد في هذه المرآة السماء والنجوم. ولكن حين تطلع الملك في المرآة، شحب لونه، إذ علم أن هناك كثير من المحاربين يقتربون وهم يمتطون ظهور حيوانات كبيرة غير معروفة عام 1509، وكانت هناك نار كبيرة يتصاعد لهيبها من الأرض إلى السماء. وعندما شاهدها الملك، هكذا يحدثنا المؤرخ:  " لم يظهر احتراماً وتقديراً للسلطة، وأعطى، في الحال الأوامر بإيقاف القتال والحرب ". والآن قد حلت سنة قصب، وها هو كويتساكوابل قد جاء مع لإحلال العدل.

وعندما يقرأ المرء التقارير الأسبانية عن احتلال المكسيك يتساءل، لماذا لم يرسل ملك الأزتيك جيشاً كبيراً إلى الساحل ليطردوا ال 500 أسباني برغم تسليحهم الحديث. وهذه الأفكار يناقشها الناس اليوم فقط، ولكن الأزتيك كانوا يعيشون في عالم كان القرار فيه للآلهة النجوم، ونحن نعلم بالتأكيد، بأن الحرب إنما تتم بتوجيه من الآلهة إلى الجن والعفاريت، ولكن كل شيئ يتحدث هنا ضد مثل هذا القرار.

انتهى النص

(وهنا يكمن السر لماذا لم يقاوم الأزتيكيون احتلال الغزاة الأسبان لبلادهم، رغم أن ذلك كان بمقدورهم، لسوء حظ الشعب أن الكهنة لم يوافقوا .. فهم تحت وهم أسطورة أنه الإله المختفي قد عاد، والشيئ بالشيئ يذكر .... لمن شاء أن يتذكر ....! ).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1809 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع