عبدالجبارنوري*
دوستوفيسكي واحدٌ من أشهر الكتاب الروس ، وأفضل كتاب العالم ، تركت أعمالهُ أثراً على الأدب في القرن العشرين ، ورواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية ، تفرّس وتأمّل في نفوس ورغبات البشر أحلامهم طموحاتهم ، وتلك الصراعات الداخلية بين الأنسان ونفسهُ وبينهُ وبين الآخرين
كما قدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والأجتماعية والروحية لروسيا في ذلك الوقت ، والعديد من أعمالهُ المعروفة تعد مصدر ألهام للفكر والأدب المعاصر ، فهو كاتب قدير وعالم نفس محترف وفيلسوف فهم سايكولوجية أعماق النفس البشرية في زواياه المظلمة ، ورجل دين لاهوتي ومخابراتي بوليسي كما ظهر في روايته " الجريمة والعقاب " ، ففي عالم دوستوفيسكي تتصارع الأضداد الخير مع الشر ، الحقيقة مع الزيف ، الرحمن مع الشيطان الخلود والحرية ، والعدالة السماوية والأنسانية والغريزة ، الجنون والتعقل ، الأضطراب والأعتدال وبين الجن المارد الشرير والجن الملائكي المسالم ، وبين الأنسان السوي والمراهق ، وبين الأهبل والعاقل السوي وكل ذلك في أعماق نفس الأنسان ، وهكذا هو الأمر في الأرض والسماء ، لذا أن قراءة ديستوفيسكي تتطلب الأنصاف والتأمل وذلك من أجل الدخول إلى الروعة الكامنة في أعماق الواقع ، فهو يدفع الأنسان بأن يميّزْ بين الخير والشر ، ويرى: أن نهب محبتنا للرب أحراراً دون أن ننصاع لهُ عبيداً ، يقول فيه ( فرويد ) تعلمتُ سلوك النفس البشرية من روايات ديستوفيسكي ، وقال فيه الفيلسوف هيكل :( يمكن أن يكون في موقع النبي المصلح) ، وأمتدحهُ الفيلسوف الوجودي " مارتن هديجر " وعالم الرياضيات الحديثة " لودويك ، وعالم الفيزياء " أنشتاين " أذاً فهو أستاذ كل الأزمنة ، دوستوفيسكي ذلك الروائي الروسي عليم بميتافيزيقيا الكينونة البشرية وبنهايات ممزوجة بالبراكماتية مطابقة للواقع ، تمكن من فك شفرة الأنسان والغوص في أعماقه ، تمكن من أن يلخص البشرية بأكملها ضمن صفحة واحدة فقط ، أي عقلٍ أي روحٍ أية أمكانياتٍ وأي أيمانٍ وأية طاقة وووأي فكرٍ يحملهُ هذا الرجل ؟؟؟ في صراعات البشرية جميعها تتجسد بعوالم يصنعها على الورق لشخوص خيالية بقدر ما هي واقعية ، ولد في موسكو عام 1821 – وتوفي عام 1881م .
الأخوة كارمازوف رؤى في مفهوم الخير والشر
الأخوة كارمازوف رواية الكاتب الروسي " فيدور دوستوفيسكي " تعتبر تتويجاً لأعمالهِ الأدبية العملاقة ، وتتكون من أربعة أجزاء لتبقى ملحمة أسرة ريفية صغيرة مشتتة الأفكار مختلفة الآيديولوجية ، كلٌ منهم عالم خاص بذاتهِ ، وظاهرة أدبية فريدة في الأدب الروسي والعالمي ، أمضى قرابة عامين في كتابتها عالج فيها الكثير من القضايا التي تتعلق بالبشر كالروابط العائلية وتربية الأطفال والعلاقة بين الدولة والكنيسة مسؤولية كل شخص تجاه الآخر، تنقل المتلقي إلى صراع عائلي محتدم بين الأب و ثلاثة أبناء وربما أبن رابع لقيط غير منسوب لهُ ، صراع يدور حول المال والشهوة والوجود والألحاد ومشاكل الكنيسة الأرثدوكسية ونقل تلك الخلافات الفكرية إلى الأسرة المفككة على مسألة اللاهوتية أم رهبانية أم تنظيمية ؟ والمناكفات الشديدة بين الوجودية المتمثلة ب(أيفان) ) والأبن الثالث ( أليوشا ) المسالم ، فهذه التيارات المتصادمة والمحتدمة تعصف بالأسرة إلى المجهول والضياع ,بنهاية تراجيدية مأساوية ، بالأضافة إلى كون رب الأسرة ( فيودوركارامازوف ) رجل فاسد متصابي فظ كاذب ومهرج شهواني فهو الجانب الشيطاني من الأنسانية كان في صراع مرير وتنافس عشق محرم في الأشتراك مع أبنه الثاني الكبير ( ديمتري ) في علاقة غرامية وجسدية مع (غروشنكا) تلك المرأة العاهرة تصل أحياناً إلى العراك والصخب والتهديد بالقتل ، وفعلا قُتل الأب بيد (سميردياكوف ) الأبن الغير شرعي والمصاب بالصرع لتخليص الأسرة من شروره ، وآلت تلك الأسرة إلى المجهول ، والمحكمة حكمت على( أيفان ) البريء بالمؤبد ظلما ، ولم يتحمل الصدمة أصيب على أثرها بالجنون والهذيان ، والرمزية في الرواية هنا يقصد الكاتب فساد ( القيصر) الذي هو على رأس السلطة القيصرية المستبدة بالأشارة إلى تيودور كارامازوف، وضياع وتشتت الشعب الروسي ، وأتهم بالهرطقة وهي التهمة الجاهزة لدى الكنيسة ، ونفي إلى سايبيريه .
رؤى شخصية في تجليات نزعة الخير والشر في رواية الأخوة كارمازوف
الرواية عمل أدبي مكتمل فنياً فرض وجودهً بقبول ورضا فلاسفة عصره وكتابهم وباحثيهم ، وتمكن بجدارة أن يدخلها في خانة (التراث الأنساني ) وبصفوف الأعمال الخالدة الأنسانية الضخمة : كوميديا دانتي ، الفردوس المفقود لملتون ، تراجيديات شكسبير ، الحرب والسلام لتولستوي ، وهي خلاصة فكر ديستوويفسكي بأكمله ، والغريب الذي لمسته في الرواية كأني أمام فرويديات الهوس الجنسي ، ووجوديات الفيلسوف الفرنسي( أندري جيد ) ، وفلسفة معرة النعمان ( المعري ) بالكتابة على رمسه " هذا ما جناه علي أبي ولم أجني على أحد يقصد أرث جينات الجدري ، فكانت سياط جلد الذاتي على ظهرالأب (فيودوركارامازوف ) المصاب بالصرع ونقل جيناتها لأبنه الصغير ومات أثرها .
وحول الرواية ببراعة سحرية إلى رواية بوليسية جعل القاريء لا يهتم بالقاتل أكثر مما يهتم بالأسباب والدوافع بالوجود الأنساني وتعريتها من جلبابها المزيف بتحليل وثيق لكل شخصية فأوصى بنظرية سايكولوجية { أن مقياس درجات الرذيلة هو مقياس واحد بالنسبة للجميع وحتى أن أختلفت بالدرجات لأن لطخة السوء تبقى } فديستوفيسكي أسس لنظام طبقي طوباوي شبيه بالمدينة الفاضلة الفنتازية الخيالية ،الذي لا يقوم على عرق أو دين بل على الأخلاق ، وكان محور البناء الفني للرواية هو الخير والشر في نزاع شرس وقتال دموي بكافة الأسلحة المحرمة لينتصر أحدهما ، فأوهم الشر نفسه أنهُ المنتصر في الرواية بقتل الأب وسجن الأبن مؤبد في سيبيريا ، وموت الأبن الغير شرعي القاتل الحقيقي بمرض الصرع وأختفاء حيثيات الجريمة إلى الأبد ، وضياع الأسرة ، لكن بقاء الأبن الصغير ( أليوشا ) البراءة والطيبة والجمال فهوالأخ الورع النقي والمسالم الشمعة التي تضيء دروب الأسرة المظلمة وهذا يعني بقاء الخير والسلام والوئام وقبول الأخر هو المنتصر في النهاية .
أن الصراع بين الخير والشر أزلي تأريخي بين قابيل وهابيل ، أنتصر الجلاد قابيل بقتله أخيه هابيل ولكن الضحية هابيل أنتصر بحصوله على وسام الذكر الحسن ، كذلك الشخوص القيادية الدكتاتورية قد تحكموا برقاب العباد لفترة من الزمن مثل نيرون هتلر جاوجيسكو صدام لأرتفاع نسبة الشر في دمائهم حد البلازما فلطخوا بدرجات من الرذيلة التي تنبأ بها مؤلف الرواية العبقري ديستوفيسكي .
وقد يزول (الظالم) الشرير كما زال في العراق بيد أن (الظلم) بقي بعد 2003 لسيطرة بعض أصحاب القرار الأشرار الذين مزقوا الشعب وباعوا الوطن وفتحوا أبوابه أمام عصابات الكراهية والموت وبرابرة خارج الزمن العصابات الداعشية وتحكمها في رقاب العراقيين والسوريين وتكفير جميع من في الأرض ولكن سرعان ما أن يزولوا كأشرار وقتلة أمام المحررين الأخيار والحوارالفكري في حب الخير ونبذ الشر وتكريس السلام وقبول الأخرين-----
المصادر والمراجع/ 1-تأريخ الأدب الروسي – تحرير تشارلز موزر جامعة كامبرج – ترجمة د/شوكت يوسف 2011 .2- كتاب الأخوة كارامازوف – ترجمة سامي البارودي2010 . 3- دوستوفيسكي – ميخائيل باختين – ترجمة جميل نصيف التكريتي المغرب 1986-مذكرات دستوفيسكي للرواية " الأخوة كارامازوف " / مترجم - بعلبك
*كاتب وباحث عراقي مغترب
569 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع